إيلاف من لندن: جاءت تصريحات وزير الاقتصاد الروسي، ماكسيم أوريشكين، أمس الخميس التي قال فيها إن النمو الاقتصادي الروسي في أكتوبر تأثر سلبًا بالاتفاق العالمي بين أعضاء منظمة البلدان المصدرة للبترول "أوبك" وروسيا على خفض إنتاج النفط الخام في الوقت الخطأ، أي قبل أيام قليلة من اجتماع روسيا و"أوبك" في فيينا لمناقشة تمديد اتفاق تخفيضات الإنتاج، الذي ينتهي في 31 مارس المقبل، حتى نهاية 2018 على الأرجح. 

ويبدو هذا انتقادًا واضحًا لسياسة خفض الانتاج بين "أوبك" ودول من خارج المنظمة التي دخلت حيز التنفيذ اوائل هذا العام. وكانت روسيا قد وافقت على خفض الإنتاج بمقدار 300 الف برميل يومياً. وقال وزير الطاقة الروسي ألكسندر نوفاك يوم الإثنين الماضي إن روسيا ستحدد موقفها من تمديد اتفاق تخفيضات الإنتاج خلال اجتماع "أوبك" في فيينا في الـ 30 من هذا الشهر.

يذكر أن العقود الآجلة لخام برنت قفزت مؤخرًا إلى أعلى من 60 دولارًا للبرميل، للمرة الاولى من منتصف عام 2015، بدعم من اتفاق تخفيضات إنتاج النفط، مما دعم اقتصاد روسيا الذي يعتمد بكثافة على إيرادات النفط والغاز.

والسؤال المطروح هل سترفض روسيا التمديد لاتفاق التخفيض أم ستوافق؟

من المرجح أن توافق روسيا على مضض لأن أي الغاء للتمديد سيؤدي الى تراجع الأسعار إلى دون الـ 60 دولارًا، وربما تعود إلى الأوائل الخمسينات، حسب ما يرى المراقبون.

مخاوف من نوايا روسيا

وتترقب الأسواق بقلق وحذر الاجتماع الذي سيعقد في فيينا آواخر هذا الشهر بين روسيا ومنظمة البلدان المصدرة للبترول أوبك". 

وتتركز المخاوف حول نوايا روسيا التي قد تتخلى عن الالتزام بصفقة تخفيض الانتاج. وروسيا أكبر منتج ومصدر للنفط خارج "أوبك" شاركت في تخفيضات الانتاج التي تم الاتفاق عليها أواخر العام الماضي وبدأ التنفيذ بداية عام 2017. 

ورغم أن مساهمة روسيا ضئيلة في التخفيضات مقارنة بالسعودية الا ان امتناعها المحتمل عن تمديد الاتفاق سيعطي رسالة سلبية للاسواق. وهناك تكهنات ان روسيا قد تطلب تأجيل أخذ قرار بشأن تمديد التخفيضات. وألمح وزير الطاقة الروسي مؤخرًا أن قرار التمديد ليس عاجلا. 

وحسب تقارير صحف المال والأعمال مثل الفايننشال تايمز، فإن ميزانية روسيا تستند الى فرضية سعر 40 دولارًا للبرميل لمزيج برنت القياسي ومع أسعار فوق 60 دولارًا للبرميل فهي في بحبوحة سعرية وليست بحاجة الى صفقات لتخفيض انتاجها لأنها ستبقى مستفيدة ما دامت الأسعار فوق 40 دولارًا. 

وحسب موقع "أويل برايس" Oil Price (اسعار النفط) فإن سعر اقل من 60 دولارًا يناسب روسيا لأن الأسعار العالية ستشجع الاستثمار في حقول انتاج جديدة وهذا بدوره سيخلق وفرة كبيرة في السوق ويؤدي في النهاية الى انهيار في الأسعار كتلك التي حدثت اواسط عام 2014. كما ان احتمال انهيار الأسعار قد يحدث عندما ينتهي اتفاق التخفيض ولا تقوم أوبك بالتمديد.

وثمة سبب آخر من وجهة نظر روسية ان أسعار عالية للنفط قد تبطئ محاولات موسكو الرامية الى تنويع مصادر الدخل. وهذا الى حد ما ينطبق على الدول الاعضاء في اوبك. والملاحظ غياب الاهتمام الروسي في الطاقة المتجددة في مشاريع تنويع الاقتصاد والاعتقاد الروسي انه في ظل أسعار نفط عالية سيصبح الاستثمار في الطاقة البديلة المتجددة اكثر جاذبية للدول المستوردة للنفط، ولهذا تفضل روسيا اسعارًا منخفضة.

عوامل أخرى تؤثر على تحركات الأسعار

سواء تم التوصل الى اتفاق في فيينا ام لم يتم هناك عوامل أخرى هامة تؤثر على تحركات الأسعار ومنها وتيرة النمو الاقتصادي بشكل عام وارتفاع الطلب على النفط في الصين واليابان والهند. والصين هي أكبر مستورد للنفط الخام لتغذية الصناعة التي تعتمد على الطاقة. وأي نمو اقتصادي في الصين سيرفع الطلب على السلع وعلى النفط الخام مما سيرفع اسعار النفط للأعلى.

والعامل الآخر الذي يؤثر على تحركات اسعار النفط هو ارتفاع او انخفاض مخزونات النفط الخام الأميركية. وحسب تقارير ادارة معلومات الطاقة الأميركية الأخير فقد هبطت مخزونات الخام بمقدار 1.9 مليون برميل في الأسبوع المنتهي في 17 نوفمبر، وقالت إن مخزونات النفط في مركز التسليم في كاشينغ بولاية أوكلاهوما هبطت 1.8 مليون برميل.

وانخفضت واردات الولايات المتحدة من الخام الأسبوع الماضي بمقدار 487 ألف برميل يومياً.

السعودية مع تمديد اتفاق التخفيض

وفي سياق متصل، تشير تقارير اخبارية الى ان السعودية أكبر منتج للخام في "أوبك" ستمارس ضغوطًا على وزراء النفط التابعين لمنظمة أوبك لقبول تمديد تخفيضات الإمدادات التي تقودها المنظمة لمدة تسعة أشهر إضافية مع سعي الرياض لضمان التخلص من تخمة المعروض التي تضغط على الأسعار.

ويخفض منتجو أوبك وعشرة منتجين من خارجها بينهم روسيا إنتاج النفط نحو 1.8 مليون برميل يوميا حتى مارس 2018 وسيناقشون تمديد الاتفاق في اجتماع يوم 30 نوفمبر في فيينا.

وارتفعت أسعار النفط إلى 64 دولارًا للبرميل تقريبا ولا تزال فوق 62 دولارًا وهو أعلى سعر منذ ديسمبر 2015، مدعومة بانخفاض المخزونات. لكن أوبك لديها مخاوف من احتمال انخفاض الأسعار مجددًا، حيث يستمر وجود فائض في المعروض بينما تستمر المخاوف من التوترات الجيوسياسية في المنطقة. 

وهناك اعتقاد أن غالبية اعضاء اوبك يرغبون في التمديد لمدة تسعة أشهر ولكن القرار قد يتم تأجيله حتى اوائل عام 2018. ومن المرجح ان يتم الاعلان عن التمديد لتسعة أشهر اضافية في نهاية هذا الشهر.

والهدف الرئيس من التمديد هو تقليص مخزونات النفط لدى الدول الصناعية إلى متوسط خمس سنوات، وتشير أحدث البيانات إلى أن أوبك قطعت أكثر من نصف الطريق في هذا الاتجاه.

ولكن هناك مخاوف ان عدم الاتفاق على التمديد ستكون له تأثيرات سلبية كبيرة على السوق وعلى المنتجين. كما أن نشاطات انتاج الزيت الصخري ازدادت بشكل ملحوظ في الآونة الأخيرة، حيث ارتفع عدد الحفارات من 316 حفارًا في منتصف 2016 إلى 738 الأسبوع الماضي إذ تزيد معدلات الإنتاجية مع كل زيادة في عدد الآبار. 

ولا خيار أمام أوبك سوى تمديد تخفيض الانتاج حتى لو انسحبت روسيا من الاتفاق.