يمر الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود البارزاني بأسوأ أيامه منذ نشأته قبل ثمانية وسبعين عاماً. فالضربات الموجعة تتوالى عليه من كل حدب وصوب، دون أن يقوى على ردها. فمن جهة تواصل إيران ضغوطاتها ضد هذا الحزب عقاباً على انضمامه إلى التحالف السني الإقليمي، والسعي لتنفيذ أجندات مشبوهة في العراق، بهدف إضعاف المكون الشيعي. ومن جهة أخرى، يمضي النظام التركي إلى تصفير علاقاته الاستراتيجية مع البارزاني عبر التقارب أكثر فأكثر مع الدولة العراقية للحصول على الجزء الأكبر من كعكة المشروع الاستراتيجي الأضخم المعروف باسم "طريق الحرير"، والذي سيجعل تركيا معبراً حيوياً لمرور البضائع من آسيا إلى أوروبا. إضافة إلى شعور تركيا بضعف قيادة هذا الحزب من الناحية الاقتصادية بعد تكبيل سلطته في التصرف بالموارد النفطية وعائدات الجمارك واستخراج رواتب الموظفين بإقليم كردستان من تحت يد حكومة الحزب، ما سيؤدي بالتالي إلى إضعاف هيمنة حكومته على مقدرات الإقليم من جهة وسيحرمه من استخدام الرواتب لشراء الذمم أو تخويف الموظفين من تغيير ولائهم ضده.

أمَّا عن الجانب العراقي، فقد أصدرت المحكمة الاتحادية عشرات القرارات المؤلمة بحق سلطة البارزاني في الإقليم، بدءاً من وقف تصدير النفط الكردي إلى الخارج مروراً بحل البرلمان ومجالس المحافظات وتحويل حكومة الإقليم إلى حكومة تصريف أعمال ووقف تمويلات الميزانية، وآخرها توطين رواتب الموظفين في مصارف الحكومة الاتحادية ورفض التعامل مع المصارف المحلية بالإقليم. ومن المتوقع أن تستمر المحكمة بإصدار قرارات لاحقة لتشديد الضغط على رقبة حزب البارزاني، منها قرارات تتعلق بإلغاء ممثليات حكومة الإقليم في دول العالم واعادة ربط المطارات المحلية بسلطة الطيران العراقية.

كل هذه المحاولات، والتي تأتي من جوانب عدَّة، كانت نتيجة لفشل سياسات الحزب الديمقراطي الكردستاني وفشل أداء حكوماته المتعاقبة في الإقليم. فحالة الغرور والتكبر والعنجهية التي غلبت خلال السنوات الثلاثين الأخيرة على قيادة هذا الحزب، والأخطاء المتراكمة لحكوماتها، والأزمات المعيشية الخانقة التي فشلت الحكومة في معالجتها، وكذلك نقص الخدمات كالماء والكهرباء وتحسين مشاريع البنية التحتية، كل هذه الأمور مجتمعة جعلت من هذا الحزب مكروهاً أمام مواطني كردستان.

وما زاد الطين بلة هو اعتراض حزب البارزاني على إجراء الانتخابات البرلمانية المقترحة في العاشر من شهر حزيران (يونيو) المقبل. فقد أعلن الحزب في قرار انفعالي غير مدروس مقاطعته الانتخابات البرلمانية، بالرغم من أنَّ البرلمان الكردي تم إلغاءه بقرار المحكمة الاتحادية، والحكومة أصبحت حكومة تصريف أعمال، ما يعني خلو إقليم كردستان من السلطتين التشريعية والتنفيذية.

وكانت المحكمة الاتحادية قد أصدرت قراراً ألغت بموجبه برلمان كردستان، وأجرت تعديلاً على القانون الانتخابي بحيث جعلت الإقليم أربع دوائر موزعة على المحافظات الأربع، وهذا ما قض مضاجع البارزاني وحزبه، لأنَّ هذه التعديلات ستحرمهم من عمليات التزوير وتزييف نتائج الانتخابات، إضافة إلى إلغاء 11 مقعداً من مقاعد الكوتا التركمانية والمسيحية، والتي كانت أداة بيد حزب البارزاني لتشكيل أغلبية برلمانية دائمة، واستئثاره بالسلطة كحزب قائد في إقليم كردستان.

إقرأ أيضاً: عاصمة كردستان بلا كهرباء!

إنَّ الحجج التي يسوقها حزب البارزاني لرفض إجراء الانتخابات هي بالمجمل حجج غير منطقية وغير سليمة. فهو يدعي أنَّ نتائج الانتخابات المقبلة سيتم التلاعب بها لصالح خصومه. ولا يسمي الجهة التي ستتلاعب بتلك النتائج، ولا يقول لنا كيف يعرف هذا الأمر والانتخابات لم تجر أساساً بعد. أمَّا دعوته لإعادة مقاعد الكوتا فهي بدورها حجة غير منطقية، لأنَّ قرار الإلغاء جاء من أعلى سلطة قضائية في العراق، وهي المحكمة الاتحادية، التي تعد قراراتها باتة وملزمة على جميع السلطات في العراق وفق الدستور، وعليه فلا مجال للمناقشة أو طلب الإعادة. وهناك حجة أخرى يتذرع بها الحزب، وهي عدم قبول بصمات أكثر من 400 ألف ناخب من قبل أجهزة المفوضية العليا للانتخابات. ولمن لا يعرف السرّ، فإنَّ هذا العدد الكبير ممن لا تقرأ الأجهزة بصماتهم إنما هم بالأساس من المصوتين الوهميين (الفضائيين) من أكراد سوريا وتركيا وإيران، الذين تم تخصيص رواتب لهم من قبل حكومة البارزاني لمجرد إشراكهم في الانتخابات من أجل التصويت لصالح هذا الحزب، وهم لا يمتلكوون الوثائق التي تثبت جنسيتهم العراقية، ولذلك لا تستطيع أجهزة المفوضية التعرف عليهم.

بسبب كل هذه المشاكل، يستميت حزب البارزاني من أجل تأجيل الانتخابات، بالرغم من أنَّ رئيس الإقليم، وهو نائب رئيس هذا الحزب، هو بذاته من حدَّد بمرسوم إقليمي يوم العاشر من حزيران (يونيو) موعداً لإجراء الانتخابات. هذه الأمور بمجملها تدفع بقيادة الحزب إلى التخوف حد الرعب من خسارة مقاعد الأغلبية بالدورة القادمة، ما سيؤدي بالتالي إلى انتزاع السلطة منه، ومنعه من التحكم برقاب الناس بالأموال المسروقة من إيرادات النفط والجمارك.

إقرأ أيضاً: الخطأ الثاني لمسعود البارزاني

وفي السياق ذاته، رفض زعيم الاتحاد الوطني بافل طالباني نجل الرئيس الراحل مام جلال تقديم أيّ تنازلات لخصمه الديمقراطي الكردستاني، وأعلن من خلال اجتماع للمكتب السياسي للاتحاد الوطني رفضه المطلق لتأجيل الانتخابات، مهدداً باللجوء إلى القضاء وبذل كل المساعي الدبلوماسية من أجل اجراء الانتخابات في موعدها المقرر.

وفي تطور لافت، وبعد أن أغلقت جميع المنافذ بوجه البارزاني وحزبه لتأجيل الانتخابات، تتحدث وسائل الإعلام المحلية عن تحشدات لقوات البيشمركة الكردية التابعة لحزب البارزاني في مناطق محافظة دهوك بهدف مشاركة الجيش التركي في هجومه المرتقب ضد مواقع حزب العمال الكردستاني، والهدف من هذه المشاركة هو اشعال حرب جديدة في المنطقة وتوريط البيشمركة في القتال ثم استخدام هذه الحرب ذريعة لتأجيل الانتخابات بحجة عدم استقرار الوضع الأمني في الإقليم.