إيلاف من لندن: أعد ايان رالبي، المختص في مركز الطاقة الدولي التابع للمجلس الأطلسي، دراسة من 112 صفحة، وأطلقها المجلس الأطلسي أثناء مؤتمر الطاقة العالمي، الذي عقد الاسبوع الماضي في أبو ظبي عن اللصوصية والاحتيال والتهريب وغسيل الأموال والفساد والجرائم بكل اشكالها، التي تهدد أمن وسلامة الطاقة، وتؤدي إلى خسارة الدول مبالغ طائلة.&

فالوقود عنصر حيوي للانسان، وكل شخص يريد خصمًا في سعره. وهناك من هو مستعد أن يخالف القانون للحصول على البترول مجانًا، ومن جهة أخرى، هناك سرقات منهجية منظمة واسعة الانتشار، حيث تمتد من المكسيك إلى اوغندا وموزامبيق ونيجيريا وبنين والعراق ودول أخرى عديدة.&

ومن يراقب ملف الشرق الأوسط يعرف أن داعش تبيع النفط لدمشق بتواطؤ واضح. ونقرأ في صفحة 66 و67 من الكتاب عن تاريخ التهريب من خلال الحدود السورية، وتواطؤ النظام السوري مع التنظيم الارهابي.

تركز الدراسة على مظاهر هذه الجريمة وتذكر العديد من الأمثلة التي شملت عدداً من البلدان الآسيوية والافريقية وحتى في اميركا الجنوبية. وسنسلط الضوء على أسوأ الأمثلة، حيث لا يوجد متسع للتطرق لجميع الدول التي تعاني من سرقة النفط وتهريبه، وحتى ممارسة الغش بخلطه ومزجه بسوائل أخرى بهدف الربح غير المشروع.&

سرقة النفط المكرر ومشتقاته لا تحدث فقط في الدول المنتجة، بل ايضا في الدول غير المنتجة للنفط، فهي مشكلة عالمية وبحاجة لتعاون دولي لعلاج المشكلة والقضاء على هذه الظاهرة.

الدراسة لا تدين كل من يلجأ للسرقة. هناك يائسون فقراء وبحاجة لوقود رخيص وبخصم كبير، ولكن المشكلة هي السرقات التي تحدث على نطاق كبير وواسع وتقوم بها شركات نصب واحتيال وعصابات منظمة تعمل بالتواطؤ مع السلطات الأمنية، وحتى المسؤولين في بعض الدول مثل المكسيك ونيجيريا وموزامبيق ويوغندا وغيرها.

&

&

سواء كان الحديث عن حمار يحمل بعض البراميل ويعبر حدوداً جبلية وعرة أو ناقلات قادرة على تعبئة وحمل مئات الآلاف من البراميل وتعوم البحار قرب سواحل غرب افريقيا، فالهدف واحد هو تحقيق الربح غير المشروع.

الاتحاد الأوروبي

وهذا لا يحدث فقط في افريقيا بل ايضًا في الاتحاد الأوروبي الذي يعتبر من اكثر الكيانات الاقتصادية والسياسية شفافية ونزاهة في العالم. الربح غير المشروع يحدث في اوروبا بسبب اختلافات الأسعار بين البلدان المختلفة، مما يشجع التهريب من البلدان ذات السعر المنخفض الى البلدان ذات الأسعار العالية، وخير مثال هو التهريب من ايرلندا الجنوبية المستقلة الى ايرلندا الشمالية البريطانية، حيث الأسعار عالية جدًا بسبب الضرائب المفروضة وعوامل أخرى.&

في اسبانيا، هناك سرقات واضحة تشمل سحب البترول من صمامات مركبة على الأنابيب أو حفر منفذ صغير في فترات عدم ضخ النفط من خلال الأنابيب وربط المنفذ بأنبوب ثانوي، وسرقة النفط ثم بيعه في السوق السوداء. تقدر خسارة الاتحاد الأوروبي من التجارة غير المشروعة بأربعة مليارات يورو سنويًا.

المكسيك

في المكسيك مثلاً التي تنتج 2.5 مليون برميل يوميًا وتعاني من وباء جرائم سرقة مستوطن في جسم الصناعة البترولية ومباشرة من انابيب الشركة الوطنية بيميكس، وحسب تقديرات الحكومة تخسر الدولة ما يعادل 1.7 مليار دولار سنويًا، حيث تتم سرقة ما يعادل 23500 برميل يوميًا، وتم تورط بعض الشركات الأميركية في العمليات غير الشرعية بشراء واعادة بيع النفط المسروق، وتم اخذ اجراءات قانونية ضد بعضها. ووجد ايضًا أن مسؤولين وموظفين عاملين في الشركة الوطنية المكسيكية للنفط يستفيدون ماليًا من تلك السرقات.

وباء سرقات النفط ومشتقاته مستفحل في أفريقيا

الفساد في نيجيريا واوغندا وموزامبيق واسع الانتشار وعلى جميع المستويات، مما يجعل مكافحة السرقات النفطية امراً صعباً للغاية. وتفقد نيجيريا 20% من انتاجها للنشاطات غير الشرعية. وتم توجيه اتهامات للحكومة بالفشل والضعف بسبب منح عقود نفطية لشركات مشبوهة. وأسوأ من ذلك، تم منح عصابات ضالعة في السرقات والتهريب عقوداً لحماية المنشآت النفطية في منطقة الدلتا كمن يستأجر الثعلب لحماية قفص الدجاج.&

وفي دولة بنين المجاورة 80% من الوقود والمشتقات تأتي بالتهريب من نيجيريا. وحسب تقديرات تشاتهم هاوس البريطاتي، تخسر نيجيريا ما بين 4 الى 8 بلايين دولار في السنة، بسبب الفساد وجرائم السرقة، والتي تتم بالتواطؤ مع مسؤولين وموظفين. هذا ناهيك عن أعمال القرصنة عبر البحار مقابل الساحل الغربي لأفريقيا. الاعلام العالمي لسنوات عديدة كان يركز الاهتمام على القرصنة في البحر المحاذي للصومال متجاهلاً القرصنة في غرب افريقيا.

في يوغندا، تعمل العصابات بتواطؤ مع السلطات في السرقة والتهريب. اما موزامبيق هناك تقديرات أن 54% من شحنات النفط في ميناء مابوتو ترتبط بالرشوات بشتى انواعها، وعلى جميع المستويات في الحكومة.

وهناك أعمال تهريب تتم بين سوريا وتركيا والعراق وداعش. كما أن أذربيجان ودولاً أخرى تتعرض لسرقة المواد الهيدروكربونية.&

ما الحل؟

والقاسم المشترك بين معظم الدول التي تحدث فيها السرقات هو عنصر التواطؤ بين السارق والمسؤول الحكومي، أي من دون تواطؤ السلطات لا تستطيع تجارة المسروقات أن تنجح وتزدهر.

لا يوجد حل سحري سريع قابل للتطبيق. تشديد الرقابة واستعمال تكنولوجيا متطورة لاكتشاف أي تلاعب، وهذا صعب بسبب التعاون بين اللص والحارس، أي بين عصابات السرقة وأجهزة الأمن أو الشركات المارقة والسلطات المسؤولة عن الضخ وتعبئة الناقلات والصهاريج.

لمكافحة هذه الظاهرة، المطلوب تحرك عالمي وتعاون بين الدول لوضع انظمة وتشريعات تحرم التعامل في المسروقات مع اتخاذ اجراءات أمن وحماية ومراقبة فعّالة. لا يستطيع أحد أن يضع يده في كيس الحلوى اذا كانت هناك مراقبة قوية والكل ينظر.
&

&

&