بينما تنصب أنظار المجتمع الدولي نحو الحرب المستمرة في قطاع غزة، تتفاقم أوضاع الفلسطينيين في الضفة الغربية المحتلة جراء الهجمات المتوالية للمستوطنين المسلحين وتكثيف الجيش الإسرائيلي من حملاته العسكرية في المدن والمخيمات الفلسطينية.

تقول هيئة مقاومة الجدار والاستيطان الفلسطينية إن "شهر نيسان (أبريل) شهد تصعيداً خطيراً في عدد اعتداءات الجيش الإسرائيلي والمستوطنين، حيث بلغت 1242 اعتداءً خلال شهر واحد".

وبحسب تقرير الهيئة الحكومية فقد نفذ الجيش 895 اعتداءً، فيما نفذ المستوطنون 347 اعتداءً، تركزت في محافظة نابلس والخليل ورام الله.

وحذّر فيليب لازاريني، المفوض العام لوكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين (الأونروا) مؤخراً، من أن الأوضاع في الضفة الغربية تزداد سوءاً، وأشار إلى أن عنف المستوطنين الإسرائيليين يفرض حالة من "الخوف المستمر".

وتزامنت تصريحات لازاريني مع إصدار منظمة هيومن رايتس ووتش تقريراً حمّلت فيه إسرائيل مسؤولية تصاعد عنف المستوطنين في الضفة الغربية.

كيف تطور وجود المستوطنين المتشددين دينياً في الضفة الغربية؟

وجاء في تقرير المنظمة أن هجمات المستوطنين أدت لتهجير أكثر من 1200 فلسطيني من 20 تجمعاً سكنياً، وإزالة سبعة تجمعات أخرى على الأقل بشكل كامل منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي.

وقالت المنظمة أيضاً في تقريرها، الذي استندت فيه إلى شهادات 27 فلسطينياً إضافة إلى فيديوهات صوّرها السكان، إن الجيش الإسرائيلي شارك في "هجمات المستوطنين العنيفة في الضفة الغربية أو لم يحمِ الفلسطينيين منها".

وشملت هجمات المستوطنين وبمساندة من وحدات الجيش الإسرائيلي في بعض الأحيان، اعتداءات على الفلسطينيين وسرقة للممتلكات والمواشي وحرقاً للمركبات والمنازل، علاوة على تهديد السكان بالقتل في حال عدم مغادرتهم لمنازلهم وأراضيهم بشكل دائم، وفق الأدلة التي تحققت منها هيومن رايتس ووتش.

"عنف ممنهج"

تقول الأمم المتحدة إن هجمات المستوطنين تصاعدت عام 2023 لأعلى مستوى لها منذ بداية تسجيلها عام 2006، وشهدت الضفة الغربية وتيرة متسارعة من الهجمات حتى قبل هجوم حماس على إسرائيل في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول، والذي قُتل فيه 1200 شخص، بحسب السلطات الإسرائيلية.

لكنّ تاريخ السابع من أكتوبر كان نقطة تحول فاصلة في تاريخ الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، حيث سجلت الأمم المتحدة أكثر من 700 هجوم لمستوطنين منذ ذلك التاريخ وحتى الثالث من أبريل/ نيسان الماضي، شارك في نصفها الجيش الإسرائيلي.

الصراع الإسرائيلي الفلسطيني: شرح مبسط وموجز

وكان أوفير جندلمان، المتحدث الإعلامي في مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي قد قال في وقت سابق لبي بي سي إن "إسرائيل تدين أي أعمال عنف ولا تتسامح مع أي شخص يستغل القانون".

وأوضح أوفير أنه "يجب أن نذكر أن هناك آلاف الهجمات الإرهابية ضد مواطنين إسرائيليين أيضاً"، مضيفاً أن إسرائيل "تعمل على وقف هذه التصرفات غير المقبولة".

أضرار لحقت بمنزل في قرية المغير بالقرب من مدينة رام الله، بعد هجوم شنه مستوطنون إسرائيليون على القرية.
Getty Images
أضرار لحقت بمنزل في قرية المغير بالقرب من مدينة رام الله، بعد هجوم شنه مستوطنون إسرائيليون على القرية.

ويعلق مدير البحث الميداني في منظمة بتسيلم الحقوقية الإسرائيلية كريم جبران، على عنف المستوطنين بالقول إنه "عنف ممنهج يلعب دوراً رديفاً لدور الجيش والمنظومة القانونية الإسرائيلية".

ويوضح جبران في حديثه لبي بي سي أن "وراء عنف المستوطنين أهداف سياسية أوسع، تسعى لفرض المزيد من السيطرة على الأراضي بما فيها ضم وتهويد المنطقة ج، وتوسيع الاستيطان عبر ترحيل الفلسطينيين قسرياً من أراضيهم وبناء بؤر استيطانية عليها من شأنها حصر الوجود الفلسطيني في أماكن محددة".

ويرى أستاذ العلوم السياسية في جامعة النجاح الوطنية الدكتور حسن أيوب، أن "إسرائيل تُريد خلق واقع جديد في الضفة الغربية لا يمكن التراجع عنه، من خلال بسط أذرع مجموعات المستوطنين المنظمة".

ويشير أيوب في حديثه لبي بي سي إلى أن "مجموعات المستوطنين مثل شبيبة التلال المتطرفة وغيرها، أصبحت الممثل الرئيس للاحتلال في الضفة الغربية. وبفضل المستوطنين والجيش فإن إسرائيل تسيطر على أكثر من 65 في المئة من مساحة الضفة الغربية".

ويعيش نحو ثلاثة ملايين شخص في الضفة الغربية المحتلة، منهم 427.800 من المستوطنين الإسرائيليين، بحسب بيانات صادرة عن المكتب الإسرائيلي المركزي للإحصاء ومنظمة السلام الآن لمراقبة الاستيطان.

ويتوزع المستوطنون الإسرائيليون على 147 مستوطنة تنتهك القانون الدولي، و151 بؤرة استيطانية، تم بناؤها دون موافقة رسمية وتعتبر غير قانونية بموجب القانون الإسرائيلي والدولي.

"يمين متطرف وسلطة فلسطينية غير معنية"

وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير أثناء توزيع السلاح على إسرائيليين.
Reuters

من غير المرجح أن ينخفض عنف المستوطنين. فرئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، يقود حكومة ائتلافية تضم العديد من الأحزاب الصهيونية الدينية التي تدعم ضم المزيد من الأراضي في الضفة الغربية.

ووزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش، زعيم حزب الصهيونية الدينية الذي يتولى أيضا مسؤوليات أمنية في الضفة الغربية، قال في نهاية نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي إن "هناك مليونا نازي في يهودا والسامرة (الضفة الغربية) يكرهوننا تماما كما يفعل النازيون من حماس وداعش في غزة".

في حين يواصل وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير، زعيم حزب القوة اليهودية اليميني المتطرف، تسليح المستوطنين في الضفة الغربية، بذريعة الدفاع عن النفس من هجمات مماثلة لما حصل في السابع من أكتوبر.

وفي ديسمبر/ كانون الأول الماضي صرّح مكتب النائب العام أمام "الكنيست" أنه توصل إلى أن وزارة الأمن القومي وافقت بشكل غير قانوني على 14 ألف تصريح للأسلحة النارية.

ويقول مدير البحث الميداني في منظمة بتسيلم الحقوقية الإسرائيلية كريم جبران إن "جوهر سياسات الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة منذ عام 1948 لم يتغير، لكنّ صعود اليمين المتطرف في الحكومة الحالية ورغبته في تحقيق أهدافه خلال فترة قصيرة، أدى إلى تضاعف عنف المستوطنين وتسريع خطوات تهويد الضفة الغربية".

وعلى الجانب الآخر، يتساءل فلسطينيون عن غياب دور قوات الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية في حماية المدنيين من هجمات المستوطنين المتكررة، ويجيب أستاذ العلوم السياسية حسن أيوب بالقول "بعد الانتفاضة الثانية لم يعد هناك قادة سياسيون معنيون بحالة المواجهة، فالسلطة الفلسطينية قيدت نفسها بعقيدة التنسيق الأمني، ووضعت شعار الحفاظ على أمن مؤسساتها فوق أمن وحماية الفلسطينيين".

"عقوبات لا تكفي"

ولكبح جماح عنف المستوطنين، الذي يقوض أمن واستقرار الضفة الغربية بحسب وزارة الخارجية الأمريكية، فرضت إدارة الرئيس جو بايدن سلسلة من العقوبات على عدد من "المستوطنين العنيفين" الذين ارتكبوا اعتداءات بحق فلسطينيين، إضافة إلى كيانات إسرائيلية متورطة عبر تمويلهم.

وحذت بريطانيا والاتحاد الأوروبي حذو الولايات المتحدة وفرضوا عقوبات شملت تجميد الأصول وحظر التأشيرات.

ويوم الجمعة، أعلنت بريطانيا فرض عقوبات جديدة على أربعة "مستوطنين عنيفين" و مجموعتَيْن إسرائيليَتْين هما: "هيلتوب يوث" لإنشائها "مستوطنات غير قانونية بهدف طرد جميع الفلسطينيين من الأراضي المحتلة"، و"ليهافا" لقيامها "بتسهيل وتحريض وتشجيع" أعمال العنف ضد العرب والفلسطينيين، بحسب بيان صادر عن وزير الخارجية البريطاني ديفيد كامرون.

يرحب مدير البحث الميداني في منظمة بتسيلم كريم جبران، بأي تحرك دولي من شأنه معالجة مشكلة تصاعد عنف المستوطنين، لكنه يعتقد أن "العقوبات الأمريكية والأوروبية غير كافية، إذ يجب محاسبة المنظومة السياسية الإسرائيلية المسؤولة عن عنف المستوطنين".

ويشاركه الرأي أستاذ العلوم السياسية في جامعة النجاح الدكتور حسن أيوب، الذي يقول إن "المشروع الاستيطاني برمته في الضفة الغربية يُعد خرقاً واضحاً للقانون الدولي وجريمة حرب وفق اتفاقية جنيف الرابعة للعام 1949".

فلسطينيون يشيعون جثمان طفل قتل على يد القوات الإسرائيلية.
EPA
منذ اندلاع الحرب في غزة، قُتل ما لا يقل عن 491 فلسطينياً على يد القوات الإسرائيلية أو المستوطنين في الضفة الغربية.

ويقول جبران إن "معظم شكاوى فلسطينيي الضفة ضد المستوطنين يتم تبرريها من قِبل السلطات الإسرائيلية بالدفاع عن النفس أو إغلاقها بعد تقييدها ضد مجهول، في ظل غياب آليات محاسبة حقيقة".

ومنذ اندلاع الحرب في غزة، قُتل ما لا يقل عن 496 فلسطينياً على يد القوات الإسرائيلية أو المستوطنين في الضفة الغربية، وفقاً لوزارة الصحة الفلسطينية.

وخلال الفترة نفسها، قُتل ما لا يقل عن 19 إسرائيلياً على أيدي فلسطينيين في الضفة الغربية وإسرائيل، وفق وكالة الاستخبارات الداخلية الإسرائيلية (الشاباك).

وبحسب إحصائيات فلسطينية رسمية، اعتقلت إسرائيل منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول أكثر من 8 آلاف فلسطيني في الضفة الغربية.

ويقول فلسطينيون إن المشهد الأمني المعقد، وتقييد حركتهم بين المدن والقرى عبر وضع حواجز عسكرية، علاوة على تفاقم الأوضاع الاقتصادية أصبح كابوساً يومياً يعيشه أبناء الضفة الغربية المحتلة.