تحدث وزير الخارجية الأميركي انتوني بلينكن خلال زيارته للسعودية في وقت سابق من الأسبوع، عن قرب التوصل إلى تفاهم أمني بين واشنطن والرياض، يكون جزءاً من اتفاق أوسع في الشرق الأوسط، يشمل تطبيع العلاقات بين السعودية وإسرائيل، الذي بدوره سيأتي في سياق مسار يوصل إلى قيام دولة فلسطينية مستقلة.

هذا ما بات يُعرف بالاستراتيجية الأميركية لتحجيم نفوذ إيران ومنع الصين من ترسيخ أقدامها في الشرق الأوسط.

ومعضلة أميركا لوضع هذه الاستراتيجية موضع التنفيذ، هي إسرائيل، التي ليست جاهزة للقبول بدولة فلسطينية، وكل طبقتها السياسية تجمع على ذلك، ويتساوى عند هذه المسألة إيتمار بن غفير مع يائير لابيد.

وبينما لم يتبق لإدارة جو بايدن سوى 6 أشهر قبل الانتخابات الرئاسية الأميركية، فإنّ الوقت لا يصبّ في مصلحة هذه الإدارة التي لم تستطع حتى إقناع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بوقف موقت للنار في غزة، فكيف ستتمكن من إقناعه بقبول دولة فلسطينية؟.

لقد أضاع بايدن منذ وصوله إلى البيت الأبيض الكثير من الفرص في الشرق الأوسط. وعلى سبيل المثال، تأخّر في إطلاق المفاوضات غير المباشرة مع طهران لإحياء الاتفاق النووي لعام 2015، ما جعل هذا الأمر صعب التحقق بعد وصول الرئيس إبراهيم رئيسي المحسوب على التيار المتشدّد إلى السلطة خلفاً لحسن روحاني المحسوب على التيار المعتدل.

وبذلك فوّت بايدن فرصة كان يمكن أن يُبنى عليها لاحقاً لخفض التصعيد مع إيران ومجمل التوترات في الشرق الأوسط.

وفي هذه الأثناء، تمكنت الصين من إحراز مكسب جيوسياسي كبير في المنطقة بالوساطة التي قادتها لتطبيع العلاقات بين السعودية وإيران.

وفي ما يتعلق بالصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، لم تحرّك ادارة بايدن ساكناً، مكتفيةً بتكرار تأييدها لحل الدولتين من وضع أية خطة عملية لذلك، إلى أن انفجرت غزة في 7 تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، وتحوّلت إلى أخطر تحدٍ يواجه أميركا في المنطقة منذ عقود.

ومنذ 7 أشهر، يقف بايدن إلى جانب إسرائيل ويزودها بكل ما تحتاجه من سلاح لحربها المدمّرة على قطاع غزة، ويؤمّن الحماية الدبلوماسية للدولة العبرية في الأمم المتحدة، باستخدام الفيتو ضدّ مشاريع قرارات تدعو إلى وقف فوري للنار.

كل ذلك، من دون الحصول على أي مقابل من حكومة نتنياهو. ولئن إسرائيل رفضت إدخال المساعدات الإغاثية إلى غزة براً، لجأت أميركا إلى إقامة رصيف عائم لإيصال هذه المساعدات بحراً، بينما تواصل إلقاء مواد غذائية من الجو.

إلى هذا الحدّ يتساهل بايدن مع إسرائيل، ويرفض استخدام المساعدات العسكرية كرافعة لحملها على الاستجابة للمطالب الأميركية، لا بل أنّ سخاء بايدن لا يعرف حدوداً حيال تل أبيب، وآخر تجلياته كانت إقرار الكونغرس حزمة مساعدات عسكرية بـ26 مليار دولار.

وبعد ذلك، لا يزال بلينكن يتحدث عن تقدّم في مسألة التطبيع بين السعودية وإسرائيل. إنما الأهم من كل ذلك، انّه لا يقول كيف سيشرع في وضع الاستراتيجية الأميركية موضع التطبيق، بينما واشنطن غير قادرة على إقناع نتنياهو بقبول وقف موقت للنار.

من يضع العراقيل أمام السياسة الأميركية في الشرق الأوسط، هو إسرائيل بالدرجة الأولى. وكل الكلام عن التاريخ بدأ في 7 تشرين الأول (أكتوبر) وأنّ قبله كانت المنطقة تنعم بالسلام والوئام والإزدهار، لا يعدو من قبيل دفن الرأس في الرمال. الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي عمره من عمر الاحتلال قبل 75 عاماً. والقضية الفلسطينية موجودة منذ بدايات الاستيطان في فلسطين التاريخية، وما حدث في غزة هو نتيجة تجاهل العالم لهذه المشكلة، ولاقتناع إسرائيل بأنّ القوة وحدها هي التي تصنع السلام، وليس الاعتراف بحق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير.