تظل القبيلة في بعض المجتمعات العربية مؤسسة اجتماعية لها ثقلها القوي، وتعبّر عن ذلك بأشكال متعددة، وقد لا يكون ذلك وضعاً إيجابياً بالضرورة، وقد لا يكون مفيداً وصحياً لأفراد تلك القبيلة، خاصة لمن يريد من أبنائها أن يكون ولاؤه لقضية أكبر كما للوطن مثلاً. من حين لآخر نلاحظ إعلانات أو أخباراً وطنية تكون من بعض أبناء القبائل تدعو إلى دعم أبنائها في سباقات أو انتخابات وطنية أو مؤسسات تجارية كما الغرف التجارية، وهذه الأخيرة منذ عرفت وهي تكتلات تدافع مثلاً عن التجار ومصالحهم بشكل واضح بعيداً عن الانتماءات الجهوية والقبيلة، فالمال عزيز على الجميع، وهذا مفهوم ومبرر في أغلب الدول، ولكن أن نشاهد تكتلات وحملات على أساس قبلي لهذا المرشح فهذا غريب، وأعتقد فيه انحراف وخطورة لما يمثله من تعدد الولاءات على أساس هويات مختلفة في المجتمع كما شهدنا قبل فترة، وكنت أتوقع أن يصدر من تلك المؤسسات المالية المعنية رفض لتلك التكتلات على أساس قبلي أو إقليمي مثلاً.

في بعض الدول المجاورة، وفي الفترة الأخيرة، وجدنا أن الانتخابات العامة تنحو وبشكل صارخ لتكتلات سياسية على أساس قبلي، ومن يشاهد احتفالات تلك القبائل بفوز أبنائها المرشحين بتلك الانتخابات يحس أن كل قبيلة ومرشحها هو فقط للدفاع عن مصالحها وليس عن مصالح أوطانها، وهذا طبعاً يجري على تقسيمات ضيقة كالتكتلات الدينية والمذهبية في مجتمعات تشكّل هذه الهويات المتعددة خطورة على الهوية الوطنية الجامعة.

كما يقال إن المال عزيز ويتخطى جميع الانتماءات الضيقة ومنها الانتماء القبلي، خاصة في تكتلات رجال المال والأعمال كما في الغرف التجارية مثلاً التي تقدمت على مجتمعاتها في توصيل صوتها والدفاع عن مصالحها في تلك التكتلات التجارية المعروفة بعيداً عن الانتماءات الجهوية والقبيلة مثلاً، وهذا موجود منذ تأسيس تلك الكيانات التجارية، ولكن في بعض الأحيان نشهد إعلانات صادمة تدعو إلى تنازل هذا المرشح أو الدعوة إلى إيصاله ليس على أساس مهني أو وطني بل على أساس قبيلي أو وطني صارخ، وهذا فيه تشويه للعملية نفسها وللولاء المتعدد الذي يمثل خطورة على الوطن والكيانات الجامعة.

القبيلة مؤسسة اجتماعية راسخة في بعض المجتمعات ولها تقديرها، ولكن المغالاة في الارتباط بها أرى أنه سلبي ويتناقض مع مفهوم الدولة الوطنية، وأعتقد أن وسائل الإعلام بكافة أشكالها عليها دور مهم في التقليل من هذه الهويات الفرعية وليس إلغاءها بالعكس تعزيز القيم الإيجابية فيها بعيداً عن التعصب والشوفينية، فمهرجانات الإبل وما يصحبها من مناشط اقتصادية وثقافية ممكن أن تكون جيدة، ولكن لا يفترض أن تنحرف في التعصب الضيق لهذه القبيلة أو تلك.