كلما عزلتك رحلة طيران عن العالم، وسلبت منك حرية التصفح والتواصل؛ تذكرت مضطرًا (ألبوم الصور) في هاتفك المحمول؛ واستغرقت مع صورك تُعيد فرزها وحذف المُكرر منها وغير المُهم، وربما انغمست أكثر ورحت تصنفها وتؤرشفها في ملفات.

وفي كل مرة تستعرض فيها هذه الصور تخوض "معركة بقاء" مع صورك / ذكرياتك، المحتجزة بانتظار قرارك، إذ تتعهد لبعضها بأنك لن تتخلى عنها، وتعد أخرى بأنك ستعود إليها، وتبلغ المجموعة الثالثة بأن بقاءها أصبح غير مرحب به!

مئات الصور تحتفظ بها لسبب غير مفهوم؛ تدخرها للحظة لا تدري متى تجيء، وستستمر في تخزين المزيد من الصور حتى تصبح بالآلاف ويصبح من المستحيل استعراضها وربما تذكر مناسباتها.

أحيانًا باستعراضك السريع للصور تصارع شعورًا غريبًا بأنك متى قطفتها فلن تعود لها ذات الحياة مرة أخرى! حيث تعتقد أنه ليس اليوم هو الوقت المناسب لتتأملها وتستعيد الاستمتاع بها، أو لتقرر مصيرها، وأنت تعلم أنك لو ذهبت الآن إلى (ألبوم الصور) فستجد مئات الصور بانتظارك، بانتظار قرارك، صور لها معنى وأخرى بلا معنى؛ مثل صورة التقطتها في بداية الشتاء فرحًا بالأمطار القليلة التي هطلت أضعافها خلال الأيام الماضية، ولا تدري هل ستحتفظ بها أم ستحذفها لأنها أصبحت أقل جمالًا وأهمية، مقارنة بالأجواء التي نعيشها هذه الأيام؟

هذا بالضبط هو الحوار الذي تنشغل به، لأنك حتمًا لست بحاجة لكل تلك الصور، وتعلم يقينًا أن اليوم الموعود الذي ستستمتع فيه بكل هذه الصور وتقلبها واحدة تلو الأخرى بانتباه وحنين ربما لن يأتي أبدًا، وأن الماضي الذي تحتفظ بها لأجله لا يحتاج هذا الكم الهائل من الصور / التفاصيل لتعيشه مرة أخرى.

هذه الصور هي مرايا لروحك في أزمان متفاوتة، تظهر لك كيف تغيرت، وكيف بقيت، وكيف صمدت بعض الأشياء من حولك كما هي.

هذه الصور هي فرحك الذي تؤجل الاستمتاع به، وهي ذكرياتك الحزينة التي تفضل بقاءها؛ ولا تريد لها أن تندمل، وهي وجوه غابت، وأخرى تغيرت، أو لا زالت تقف إلى جانبك، وهي حكايات تنتظر أن تُقرأ.. أو أن تُروى لمن هم حولك، أو أن تقلب صفحتها إلى الأبد وتُمحى من ذاكرتك.

باختصار يمكن لصورة واحدة أن تختصر عليك مئات الصور وأن تُعيدك إلى لحظة سعيدة، أو إلى ذات المساء الذي كنت تجلس فيه وحيدًا تتأمل غروب ما، فلا تهملها.. أو تخلص منها واسترح من عبء تراكمها وتأجيلها.