قبل الحديث عن صلب موضوع مقالتنا لهذا اليوم، لابد من الإشارة إلى أننا سوف نركز في هذه الاجزاء من مقالتنا (إقليم كوردستان يدفع ثمن لعنة الجغرافيا ) على دور السيد مسعود البارزاني واصراره على اجراء الإستفتاء في موعده المحدد, باعتبارة كان رئيس إقليم كوردستان ( بالرغم من انتهاء ولايته منذ اكثر من عامين )و القائد العام لقوات بيشمركة كوردستان ( المشتتة اصلا ) اضافة على ذالك , كان السيد البارزاني صاحب القرار الأول والاخير بالعدول عن قراره بإجراء الإستفتاء حول حق تقرير مصير الشعب الكوردستاني أو تأجيله إلى اشعار اخر وليس الغائه. 

وعليه نقول قبل إعلان عن موعد إجراء الإستفتاء والتفكير به , كان على السيد البارزاني كرئيس الإقليم والقائد العام لقوات بيشمركة كوردستان ان يدقق حسابات وامكانيات الإقليم الذاتية ووضغه الخاص على على الصعيدين الداخلي والخارجي, وان يكون اكثر واقعية قبل ان يتخذ قرارإجراء الإستفتاء باعتباره ( صاحب تجربة كبيرة، ولديه خبرة طويلة والكثير من المعلومات المهمة والدقيقة ). 

كان على السيد البارزاني أنَّ يكون أكثر براغماتيّ من أيّ شخص او طرفٍ آخر لتحليل الاستراتيجيات الدولية والإقليمية ورؤية مستقبل الإقليم واستفتائه في ضوئها لتنمية وترقية الجهود نحو تحقيق نجاحات فعلية وحقيقية مدعومة من قبل الدول التي لها ثقلها وتاثيرها على الساحة العراقية والإقليمية , باعتبار ان ( الإستفتاء يخص جميع الأحزاب والشعب الكوردستاني برمته، ولا يتعلق بشخص او حزب معين ). 

لقد ارتكب السيد مسعود بارزاني خطأ تاريخيا كبيرا وخطيرا عندما رفض السيناريوهات المطروحة في اروقة الإدارة الأمريكية ومطابخ صناعة القرار المتخصصة بشؤون العراق والشرق الاوسط بصدد(تاجيل الإستفتاء وليس إلغائه ) , الإستفتاء الذي طرح بطريقة بالغة الفجاجة والاستعجال في أن , ( حتى وصلت استنتاجات العديد من الخبراء والمحللين السياسيين والمختصين في الشؤون الدولية إلى ان واشنطن قد منحت الضوء الأخضر بالفعل لعملية الإستفتاء والإنفصال , وخاصة بعد ان سيطرالسيد البارزاني على كركوك الغنية بالنفط والغاز ورسم الحدود الجغرافية للإقليم وأمّن له موارد مالية, والاكثر من هذا توهم البعض ان الإدارة الأمريكية تنوي منح الأكراد دورا خاصا في المنطقة , والا كيف يستطيع السيد البارزاني ان يتحدى العالم و يصر على إجراء الإستفتاء وسط هذه البيئة المحلية والإقليمية العدائية التي تنذر باشتعال حرب جديدة وسط هذه الفوضى المستعرة في الشرق الأوسط ) ..؟! 

وكالعادة لعب الاعلام الحزبي بجانب بعض الشخصيات السياسية المقربة من السيد البارزاني ( المحلية والاجنبية الذين ساندوه في هذه الخطوة الارتجالية , لامجال للخوض في ذكر اسمائهم طبعا لكثرتهم ), لعبوا دورا كبيرا في تزييف وعي كثير من الناس البسطاء بصدد نجاح عملية الإستفتاء , و(التصديق بان واشنطن عاقد العزم , اليوم اكثر من اي وقت مضى , على دعم الشعب الكوردستاني في تقرير مصيره بعد ان وقفت خلال عقود بالضد من انشاء الدولة الكوردية ) .... !!

اخطأ السيد البارزاني في تقديراته وحساباته عندما رفض المبادرة التي قدمتها الولايات المتحدة وبريطانيا قبيل حلول موعد الإستفتاء بيومين , (اخطأ لتجاهلة تلك الفلسفة التي اثبتت لنا مرارا وتكرارا صحتها والتي تقول : إذا بدأ (الصراع الإقليمي المتحد) ضد أي جزء من اجزاء كوردستان, فإنه لابد ان ينفجر وتكون ساحته كوردستان وضحيته الشعب الكوردستاني ( كما نراه اليوم في جنوب وغرب كوردستان تحديدا ) , وعندئذ ستقف قوات التحالف كما سبق ان وقفت اثناء اجتياحات تركية وايرانية المتكررة لكوردستان بحجة محاربة( الارهاب والارهابيين) ..

كما تجاهل السيد البارزاني حقيقة مهمة اخرى وهي : إن الإستقرار في كوردستان لا يمكن ان تضمنه قوات التخالف التي تتزعمها الولايات المتحدة إلا بمقدار ما يفسح المجال لها ولحلفائها لتطمين مصالحهم ...!! 

من المفيد هنا ان نقف على أعتاب ما طرحتها امريكا وسمتها ب( المبادرة الدولية ) هدفها التغيير، سواء كان هذا التغيير صغيرا أو كبيرا، محدودا أو واسعا ، فامريكا رغم مصالحها وعدم جديتها على إجراء تغيير حقيقي في خارطة المنظقة , الا انها بادرت وطرحت حلولا مقنعة( تنسجم مع مصالحها على الاقل في الوقت الحالي ) بعد ان لاحظت نقصا ما في العلاقة بين اربيل وبغداد من جهة , ولوضع حد للتدخلات الإقليمية في العراق وتحديدا تدخلات الجارة السيئة جدا إيران من جهة ثانية , بمعنى اخر ان امريكا أرادت تطوير شيء ما أو خطر ببالها عمل شيء جديد لإجراء الحوار بين (اربيل وبغداد) لمنح المزيد من صلاحيات الإقليم و احتمالية الإستقلال , على سبيل المثال (تحويل الفدرالية ، الى نوع من الكونفدرالية ) بدعم من المجتمع الدولي في حال (عدم تنفيذ بغداد بنود المبادرة الدولية) لإنهاء الخلافات بين الطرفين ( كما جاء في متن الرسالة التحريرية الموجهة من وزير الخارجية الامريكي إلى البارزاني قبل اجراء الإستفتاء بيومين فقط )(1 )....!! 

ومن الجدير بالذكر ,أن كل من اطلع على الرسالة او (المبادرة التي قدمتها الولايات المتحدة وبريطانيا قبيل حلول موعد الإستفتاء بيومين ) والتي نشرتها وكالة انباء (بلومبيرك نيوزـ ( Bloomberg Ne(2) يقر باهمية وجدية هذه الوثيقة او المبادرة ...

ووفقاً لما جاء في الرسالة، فإن وزير الخارجية الأمريكي، السيد (تيلرسون)، تعهد في 23 أيلول 2017 ), اي قبل موعد إجراء الإستفتاء بيومين فقط ،تعهد السيد (تيلرسون) بدعم أمريكا والأمم المتحدة لمفاوضات تمتد لمدة عام بين اربيل و بغداد، لتسوية عدد من الملفات المهمة والعالقة بين الطرفين والتي أصبحت سبباً في توتير العلاقات بين اربيل وبغداد وفق الدستورالعراقي , ولكن ....

يتبع 

١ـ بلومبيرك نيوزـ وكالة انباء دولية يقع مقرها في نيويورك ، تأسست في عام 1990 من قبل الصحفي الامريكي المعروف السيد( ماثيو وينكلر) والسيد (مايكل روبنز بلومبيرغ مواليد 14 فبراير 1942 , وهو رجل أعمال وسياسي وطيارأمريكي من أصول يهودية شرق أوروبية وعمدة مدينة نيويورك السابق .