رحل الشاعر البحريني عبد الرحمن رفيع تاركًا وراءه إرثًا كبيرًا، من الشعر أجمله، ومن النهفة أبدعها، ومن المكانة أرفعها.


لا بد أن الموت يختار من يسرقهم من الحياة، ومن يقول غير ذلك لم يعرف عبد الرحمن رفيع. إنه شاعر الضحكة البحريني، الذي وصل التاسعة والسبعين، فغدر به الموت، وتوفاه الله الثلثاء، من دون أن يمهله التوعك الصحي إلا شهورًا ثلاثة.

قليل عنه

كانت المنامة مهده، في العام 1936، ومسرح دراسته، إلى أن يمّم شطر القاهرة لدراسة الحقوق. وما إن انتهى حتى&عاد إلى البحرين، يعلم في مدارسها، ثم يتوظف في وزارة الدولة للشؤون القانونية, ثم في وزارة الإعلام. لكن الحقوق ما أرهقته، والتعليم ما اثناه عن سيره في مسيرة الشعر، ولا حتى الوظيفة، فلمع بيرقًا في الخليج، شعبي القصيدة اجتماعي التوجه فكاهي النبرة من دون إسفاف. فأبدع قصائد لا تموت، كقصائد "الله يجازيك يا زمان" و"زمان المصخره" و"أمي العودة" و"البنات" و"الزواج". وترك للمكتبة العربية مجموعات شعرية عديدة، مثل "أغاني البحار الأربعة" و"لها ضحك الورد"، إلى جانب الذكريات الخالدات في نفوس مريديه، لموها معًا في مئات الأمسيات الشعرية والمقابلات التلفزيونية والإذاعية. وذهبت جمل شعرية من بنات أفكاره أمثالًا على ألسنة أبناء الخليج، ما جعله شاعرًا محببًا.

ورفيع كان، ويبقى، من أهم الأسماء على الساحة الأدبية والإعلامية البحرينية والخليجية والعربية، جنى من تعب أفكاره جوائز أدبية مختلفة، كالجائزة الأولى لمسابقة "هنا البحرين".

شعره لنجوى كرم

كان رفيع ضحوكًا، يزرع البسمة أينما حلّ، بمواقف طريفة كأنها كانت تتوق إلى لقياه، ومنها حين تفاجأ بوجود الفنانة اللبنانية نجوى كرم معه على متن طائرة في إحدى رحلاته. يروي: "وأنا قادم من لبنان، كانت الطائرة متجهة إلى البحرين، ومن ثم ستكمل رحلتها إلى أبوظبي، وقتها اكتشفت وجود الفنانة اللبنانية نجوى كرم معنا على متن الطائرة، فكتبت لها هذه الأبيات:

أَنتِ صَوْتٌ ونَغَم..
وشَمِيمٌ والشَّمَم..
أنتِ إنْ غنَّيتي نَعْلُو فوقَ هاماتِ القِمَم..
أَنتِ يا نجوى كرم.."
وبعد لحظات أسر له احدهم أن في ذلك اليوم ذكرى ميلادها، فكتب لها مزيدًا من الشعر:
"عيدُ ميلادِكِ.. ميلادُ الحياة..
هو يومٌ لا نهائيُّ الصفات..
آهِ لو أقدرُ لاخْتَرتُ له بيدي أحلى النجومِ الزاهرات..
وشَكَكْتُ العِقْدَ عِقْدًاَ باهراً لك تَزْهِينَ به بين البنات..
أنتِ مَنْ أنت؟! من الشرق أم الغرب.. أم هل أنت من كل الجهات؟!
حينما صافحتني خِلْتُ يدي مَلَكَتْ في كَفِّها أغلى الهبات..
هل أصابعُك إلا نِعْمةٌ وأحاديثُكِ إلا أغنيات.."

شعره الجميل

في رصيد رفيع الكثير من القصائد الجميلة، التي زرع فيها بذور الشاعرية المحببة، البعيدة عن الوعورة اللغوية، بالرغم من عمق المعنى. من جميل ما أجاد به من الشعر قصيدة "الباب":

سمعت وراء الباب طرقًا فقلت: من؟
فقالت: فتاة الحي، قلت لها: أهلا
ومنيت نفسي قلت: ريمٌ أتى به
اليك لهيب الشوق تصطاده سهلا
وقمت الى المرآة أصلح هيأتي
وأرسل من شعري على جبهتي فضلا&&
وأقبلتُ نحو الباب والقلب عالم
بأن وراء الباب من يذهل العقلا
غزال براه الحب
ولم يخش الأقارب والأهلا
وما إن فتحت الباب حتى تقدمت
محجبة لم تبد كفًا ولا رجلا
ورحت إلى الترباس أحكم غلقه
مكبًا عليه نازلًا فوقه قفلا&&
وقلت: سلام الله يا أجمل المنى
ويا من لها يهفو التقي اذا صلى
أزيلى عن الوجه اللثام لكي أرى
وأنهل من نبع البهاء وما أحلى
ولا تفسدي هذا اللقاء بحاجب&&&
وجودي فإن الحب لا يعرف البخلا
وإنا هنا إثنان والثالث الهوى
وقد عميت عين الرقيب الذي ولى
ورحت أناديها وأضرع خاضعًا
وأحسبني قيسا وأحسبها ليلى&&
وأنشدها أبيات شعر رقيقة
إذا سمع الظمآن ألفاظها علا
لكنها صدت وشحت وأعرضت
ولم تفهم الأشعار أو تسمع القولا
كأني أنادي صورة لا حقيقة
فلا نعمًا قالت و لا نطقت بكلا&&&
وكدت من شوقي إلى رسم وجهها
أصاب بشيء يشبه المس والخبلا
وخاطبت نفسي قلت: هبها خجولة
من اللائي لا يحسنّ غنجا ولا دلاّ
فأقدم رفيقًا ثابت الخطو رائعا
فإني أراك اليوم تستصعب السهلا&&
وأقبلتُ، قلبي يدفع الشوق خطوة
لأنهي فصلًا صار من طوله فصلا
كشفتُ عن الوجه الجميل لثامه
فماذا رأت عيني إذا لم تر الهولا&&&&
رأيت عجوزًا عقربا ذات مخلب
تحيل بياض الصبح من قبحها ليلا
وقد قمتُ مذعورًا من النوم صارخًا
لو لم يكن حلما لأصبحت في القتلى
&