أصيلة: أجمع المشاركون في ندوة "الرواية العربية وآفاق الكتابة الرقمية"، وهي اخر ندوة في سلسلة الندوات الفكرية والأدبية المنظمة ضمن فعاليات الدورة الثامنة والثلاثين لمنتدى أصيلة الثقافي الدولي، على أنه من خلال الكتابة الرقمية تكون الإنسانية قد سجلت طفرتها الثانية في تاريخ القراءة والتلقي.

وقال محمد بن عيسى أمين عام مؤسسة منتدى أصيلة وزير خارجية المغرب الأسبق، ان موضوع الندوة يستحق، مساحة زمنية أكبر، ومعالجةً أشمل، بالنظر إلى جدته وإغرائه المعرفي، كونه يسائل وضعاً ستصبح عليه لا محالة الرواية العربية، باعتبارها النوع الأدبي المؤهل أكثر من سواه، لاستيعاب الحداثة التكنولوجية وتقنيات الثورة الرقمية.

الناقد عبد الفتاح الحجمري&

وشدد بن عيسى على القول &انه يصعب في الظرف الراهن التنبؤ بدقة بما سيؤول إليه الأدب عامة في غضون السنوات وليس العقود الآتية بالنظر إلى ارتباطه واحتكاكه بالثورة الرقمية ذات الآفاق المبشرة والمنذرة باحتمالات تتجاوز خيال الروائيين والشعراء.

وأضاف مؤسس منتدى أصيلة " كما أن الثورة الرقمية غيرت عاداتنا وطبعت سلوكنا الفردي والجماعي، فإنها ستؤثر قطعا في أذواقنا ووجداننا، إن لم تكن قد شرعت في تكييف طباعنا وأمزجتنا، كمستهلكين للأدب بواسطة الأقنية والحاملات والروابط الرقمية التي أصبحت مشاعة ومتاحة بصورة مثيرة، لدرجة أن اقتناء الهواتف الذكية، على سبيل المثال، لم يعد مقصوراً على الميسورين في المجتمع".
&

المشاركون في ندوة الرواية العربية وافاق الكتابة الرقمية

ونبَه بن عيسى الى ان صيغة عنوان الندوة تشير إلى أن الكتابة الرقمية الوافدة" أصبحت معطى حتميا في حياتنا الثقافية يجب الاستعداد له. إذ ستتعدى مجال الرواية والسرد لتشمل كل ألوان التعبير الإبداعي، ما يدل بوضوح على أن الحقل الأدبي، مقبل على تحول نوعي كبير، إن لم يكن ثورة في أساليب إنتاجه وتعبيراته وسبل تلقيها وإشاعتها، فضلا عن التأثير في فئات واسعة من المستهلكين".

وتساءل بن عيسى كقارئ" عن مستقبل الإنتاج الأدبي برمته في بيئتنا الثقافية العربية، وهل ستستمر الأسس والمقومات نفسها&التي يتأسس عليها التراث الأدبي بمدارسه واتجاهاته وتقاليده ولغاته؟ كيف يمكن له، أي الأدب، تَمَثُّلَ واستيعاب المقتضيات والبروتوكولات الرقمية التي لا تعترف بخصوصيات، كونها قوانين تخضع لها وتتقيد بها جميع الأنساق الأدبية؟."إننا، منتجون ومستهلكون للأدب، مقبلون على آفاق وعوالم إبداعية رقمية جديدة غريبة على أذواقنا وعاداتنا في القراءة، تربينا عليها وتشكلت عبر التعامل مع &الموروث الأدبي القديم &والجديد".

وبيَن بن عيسى ان هناك قضايا أدبية كثيرة متفرعة عن الكتابة الرقمية، ووقف عند وسيلة التعبير ولغة الكتابة قائلا:"مستهلكو الأدب الرقمي ومنتجوه قد يستبدلون الكتابة بوسائل غير تقليدية، تؤدي وظيفة التواصل وتحدث التغيير الجمالي &المنشود، وربما بشكل أفضل، فأين تكمن المتعة والإحساس إذن بلذة قراءة النصوص الأدبية: في المسموع بصوت الكاتب والمؤلف أو بغيره من الأصوات التي تجيد صناعة التأثير أم بأدوات أخرى لا نعرفها، تتشكل في مختبرات الذكاء الاصطناعي".

ودعا بن عيسى الى تنظيم ندوة موسعة لمناقشة الموضوع قائلا: "نتمنى أن يسعفنا الوقت على تنظيم ندوة ثانية موسَعة، تَجمع المبدعين والمختصين في الرقميات، ليتحاوروا في ما بينهم، ليس من موقع التعارض وتشبث كل طرف بآرائه، وإنما بغاية الاستعداد للتعامل مع واقع أدبي مغاير، وتدبير الانتقال الهادئ والعقلاني من الوضع التقليدي المحدود إلى &الرقمي الرحب، بصيغة &معقولة".&

وأكد بن عيسى ان "المحافظين" سيقاومون التحول الزاحف وسيشككون في منجزات الثورة التكنولوجية، بذرائع الأصالة والخصوصيات الذاتية وحماية الذاكرة الجماعية.

جانب من حضور ندوة الرواية العربية وافاق الكتابة الرقمية

وأبرز بن عيسى ان الصرح الأدبي الحالي لن ينهار وينتفي من الوجود في رمشة عين. فالمفارقة أن "التكنولوجيا الرقمية" يمكنها أن تحفظه وتقربه من أذواق واهتمامات الأجيال الرقمية القادمة، عبر ابتكار برمجيات. لكن هذا الأدب سيكون مجبَراً على الانحسار وفسح المجال أمام الممارسات المغايرة في الكتابة والقراءة والتلقي والتأثير، يقول بن عيسى الذي خلص &الى انه" قد لا يعجبنا الحال،فذاك مشكلنا وليس مشكل الحداثة الرقمية، التي تَعرض منجزاتها من دون فرضها".

من جانبه، قال الناقد والكاتب المغربي شرف الدين ماجدولين ،منسق الندوة ،ان ثورة الاتصالات المتسارعة فتحت افاقاً واسعة للرواية العربية لتنتقل من الورقي الى الرقمي ومن الحسي الى المفترض، لتصبح نصاً مكتوباً بالضياء بعد أن كانت حبراً على ورق.

واوضح ماجدولين أن هذه الطفرة تتمثل في انتقال الإنسانية من الشفاهي إلى المكتوب في المرحلة الأولى، لتصل اليوم إلى مرحلة يلتقي فيها المكتوب المرئي بالمكتوب المسموع، وهي "مرحلة تنفتح فيها كل حواس الكائن الإنساني لتلقي العمل الروائي، وتذوقه بصريا والإنصات إليه إنصاتا فنيا".

وأضاف ماجدولين أن "كتابة الرواية الرقمية، بما هي نص متعدد العلاقات والروابط، تسمح بممكنات وإبدالات جديدة لا تتأتى للمكتوب الورقي، مثلما تمكن المتصفح المبحر من تقنيات ومداخل قرائية يوفرها المرقون الضوئي وحده"، مضيفاً "الشيء الأكيد هو أن الكثير من البرامج الرقمية الجديدة تسمح بتلقي النصوص الروائية عبر تقنية الصوت أيضا، وهو ما يمكن القارئ من الإنصات إلى الرواية، ويضمن لضعاف السمع وذوي الاحتياجات الخاصة حقهم المكفول في تلقي الرواية، ويصب في (عدالة القراءة) ودمقرطتها أيضا".

ولخَص الناقد المغربي سعيد يقطين إكراهات الكتابة الرقمية في الكتابة باللغة العربية بعدما كانت الشفاهة هي السائدة، وضرورة توفر الخصائص السردية أولاً في الرواية لتكون رواية سردية، وهيمنة الجانب اللغوي في الرواية العربية وضرورة تطوير البعد البصري( المرئي).

من جانب اخر، قال الناقد المغربي عبد الفتاح الحجمري إن "آفاق الرواية العربية في علاقتها بالتكنولوجيا الرقمية اليوم لا يمكنها أن تعطي لنا إبداعا رقميا يمكن الاطمئنان إليه".

وأضاف أن الكتاب الرقمي يتخلص من رقابة هيئات التحرير ولجان القراءة ودور النشر وغيرها، ويحتاج إلى ثقافة وخبرة تكنولوجية ومعلوماتية معينة في بلاد عربية تبلغ فيها نسبة الأمية 27.9 في المائة سنة 2013 حسب تقارير المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم.

وشدد الحجمري على القول ان لا أحد يمكنه أن ينكر دور التقنية الرقمية في خلق أفق جديد أمام الكتابة الروائية العربية، وهذا أهم مدخل لمحاولة فهم لماذا التجأ بعض المبدعين للتقنية من أجل ابتكار شكل من أشكال الابداع الأدبي.

وتساءل الحجمري عن مدى تمتع الأدب الرقمي بحصانة تضمن حقوق الملكية والنشر والتوزيع، وكذا تركيز الرواية الرقمية على الشكل أكثر من المضمون، وعدم القدرة على قراءة الأدب الرقمي في أي مكان لارتباطه بوساطة تقنية، وعدم قدرة الأدب الروائي الرقمي على البقاء، وتعدد مستويات وآليات التفاعل التي يمكن أن توفرها الرواية الرقمية ما يشوش على القارئ ويفقده التركيز.

ومن جهتها قدمت الباحثة المغربية فاطمة كدو ، الأستاذة في جامعة ابن طفيل بالقنيطرة، مداخلة تطبيقية بعنوان "تسريد التراث في رواية (ظلال العاشق – التاريخ السري لكموج) لمحمد سناجلة نموذجاً" حول هذه الرواية الأخيرة للكاتب والإعلامي الأردني الذي يعد رائد الرواية الواقعية الرقمية في البلاد العربية.