إيلاف:&من المؤكد أن الإنترنت غيّرت حياة البشر في كل مكان، ولم يقتصر تأثيرها على أساليب الاتصال والتواصل فحسب، بل تعدته إلى مضامير أخرى أيضًا.

&التطور الذي يشهده عالمنا اليوم لا يقتصر على الشبكة العنكبوتية فحسب، بل هناك التطورات التكنولوجية التي تسير بسرعة البرق، وتكاد تقلب عالمنا المعروف رأسًا على عقب.&

الإنسان واختراعه يخوضان حروب إلغاء

فنحن الآن على أبواب مرحلة جديدة تتميز بتوافر انترنت الأشياء، فيما تتطور الآلات الذكية القادرة على إنتاج تفكير عقلاني، واتخاذ قرارات خاصة بها، وربما كان أفضل مثال على ذلك السيارة ذاتية القيادة، التي لا تحتاج سائقًا، حيث بإمكانها السير في الشوارع بكل أمان والمراوغة والتحرك والاستدارة والتوقف متى ما رأت حاجة إلى ذلك. بالاختصار.. الآلة أصبحت تحل محل الإنسان مع هامش خطأ أقل بكثير.

تخطت المناهج التعليمية
كل هذه التطورات جميلة، وتغير حياتنا إلى الأفضل، وتدفع المؤرخين والمتخصصين إلى التحدث عن أهم ثورة أنجزها البشر حتى إنها جاوزت بأهميتها كل ما سبق للإنسان إنجازه وتحقيقه في الماضي.
&
مع ذلك، أسئلة كثيرة يطرحها متخصصون وغير متخصصين عن مستقبل الإنسان، باعتباره كائنًا بيولوجيًا في مواجهة آلات ذكية قد لا ترتكب خطأ على الإطلاق. ويتساءل هؤلاء أيضًا عن مستقبل الدماغ البيولوجي في مواجهة دماغ آلي، وعن قدرته على مواكبة تطور البدائل الآلية والتعامل معها والسيطرة عليها.

وقد أظهرت استطلاعات آراء أجريت في أماكن عديدة من العالم، وخاصة في الدول المتقدمة، أن أكثر من ستين بالمائة من الناس يشعرون بنوع من الخوف من تطور التكنولوجيا السريع، ومن عدم القدرة على اللحاق به ومواكبته، أو حتى استيعابه.

يشير المشاركون في هذه الاستطلاعات بشكل خاص إلى أن أحد الأسباب الرئيسة لمخاوفهم سببها التعليم ودور المدرسة، حتى إنهم أصبحوا يصفونها بمؤسسة أكل عليها الدهر وشرب، قائلين إنها تتبع أساليب، بدأ تطبيقها قبل قرون، إن لم نقل في فترة ما قبل التاريخ.

أبناء الأمس!
شرح أحدهم دور المدارس بالقول إن العالم يواجه في بداية كل عام دراسي وفي كل مكان في الكرة الأرضية اجتياحًا يقوده "برابرة صغار" يريدون تطويع الحياة لرغباتهم الصغيرة الساذجة الفجة، فيستقبلهم البالغون، وينظمونهم، ويعلمونهم الحضارة وكيفية التعامل مع المجتمع المحيط وأساليب المدنية، ثم يعملون على إعدادهم لعالم العمل والمهنية اللازمة للعيش.&

إن كان هذا القول صحيحًا ينطبق على كل مكان وكل زمان... فمن الصعب القول إنه ينطبق بالفعل على زماننا هذا. ذلك أن التكنولوجيا الحديثة أصبحت تفوق قدرات المعلمين والمدرسين والقائمين على العملية التعليمية والتربوية جملة وتفصيلًا.

هذا الموضوع هو القضية الرئيسة التي تطرق إليها لوران ألكسندر في كتابه "حرب الذكاءات، الذكاء الاصطناعي في مواجهة الذكاء البشري". يشار إلى أن ألكسندر طبيب فرنسي متخصص في جراحة الأعصاب، ولديه اهتمامات بالتكنولوجيا الحيوية، إضافة إلى أخرى فكرية، تتعلق بتأثير التقدم التكنولوجي على الإنسان، له كذلك نشاطات صحافية وإعلامية تركز على التكنولوجيا وأثرها العملي على إنساننا المعاصر.

ويعتقد الكاتب أن الانقلاب أو الثورة التكنولوجية التي يشهدها عالمنا اليوم لم تأخذ كامل حصتها في حياة الإنسان الحالي بسبب سوء إدارة التعليم وتأخره عن ركب التطورات التقنية والعلمية.&

ويرى أن التعليم اليوم يهيئ الطلاب لعالم عمل ومهن كانت موجودة في عام 1995 ما يعني أنه لا يهيؤهم لعالم الغد. ويكتب قائلًا: "الأطفال الذين دخلوا رياض الأطفال في سبتمبر من هذا العام سيكونون موجودين في سوق العمل في عام 2070، وحاليًا ليس هناك أي أمل في أن تكون المدارس قادرة على إعدادهم لسوق عمل تنافسية في مواجهة الذكاء الصناعي، الذي سيكون سائدًا في ذلك الوقت".

تغيير جذري
ولكي يتمكن المجتمع من مواكبة التطور المتوقع في المجال التكنولوجي، يقترح الكاتب تغيير جميع أساليب التعليم ونظمه، وحتى فحواه، والتركيز على تعددية القدرات والاختصاصات، وتوسيع المعارف العامة، وتعليم الطفل التمتع بفكر نقدي وروح فضولية وتشجيعه على قضاء ساعات طويلة في القراءة.

يقول الكاتب: "غالبية الدراسات الحالية تعد الطالب لمهن ترتبط بالبرمجة والمحاسبة وما شابه. لكن هذه المهن ستختفي في وقت قريب بفضل الآلات الذكية، وهو ما يتطلب من المؤسسة التعليمية إعداد الطلاب لمهن قد لا تشهد استحواذ الآلات عليها".

ويؤكد الكاتب مستشهدًا بتصريحات للمتخصصين في التقدم التكنولوجي على أن الذكاء الاصطناعي سيتجاوز ذكاء الإنسان في المجالات التقنية وفي تنفيذ مهمات محددة، مثل الحسابات وقيادة السيارات والأعمال الميكانيكية الدقيقة. لكن لا أحد يعلم إن كان هذا الذكاء سيصل إلى مرحلة الوعي الذاتي في أحد الأيام.

معركة وقت
ينبه الكاتب إلى ضرورة الإسراع في إدخال تغييرات على نظم التعليم، لأن كبريات الشركات الأميركية والصينية أصبحت تسيطر على كل شيء تقريبًا، وقد تشمل سيطرتها مجالي التربية والصحة في غضون عقدين أو ثلاثة. يعني ذلك أن كل دولة لا تواكب هذه الحداثة قد تجد نفسها في آخر الركب، ويفقد مواطنوها القدرة على التنافس في سوق العمل الدولية بشكل عام.

كما يحذر من أن تطور الذكاء الاصطناعي فاق كل تصور وتقدير، حيث تزايدت سرعة تعلم الذكاء الاصطناعي بنسبة مائة بالمائة كل عام. وفيما يحتاج المجتمع ثلاثين عامًا لإعداد مهندس أو متخصص في الأشعة، لا تحتاج الآلات الذكية إلا عدد محدود من الساعات لتعلم أي شيء.

ويعتقد الكاتب أن على المدرسة أن تعلم الطلاب كيف يستخدمون عقولهم البيولوجية لمنافسة الذكاء الاصطناعي وأداء دور مكمل له، وربما يكون هذا أضعف الإيمان، إذ لا أحد يدري إلى أين سينتهي العالم في غضون عقود قليلة، ولا أحد يدري أيضًا ماذا سيحل بالمتخلفين عن الركب وعن مواكبة التطور، وما هي أفضل السيناريوهات المتعلقة بدور البشر في المستقبل؟... هل سيخضع الإنسان للآلة أم سيتمكن من الاستمرار في السيطرة عليها؟... هل سيحدث اندماج بين البشر والآلات؟... وهل وهل...&

كثيرة هي الأسئلة التي يطرحها الجراح الفرنسي المتخصص في الجهاز العصبي .. أما الإجابات فقد تكون مستحيلة في هذا الزمن... لكنه يقترح بعض النقاط، مثل تعليم الأطفال تعدد الاختصاصات، وتعليم الكبار الانفتاح على التطورات التكنولوجية، من خلال دورات منظمة، تساعدهم على مواكبتها، والإطلاع عليها، ثم التركيز على المهن، التي لا يمكن للآلة أن تحل فيها محل الدماغ البشري مثل التاريخ والفلسفة والأدب وما شابه. ومن يدري... فقد ينتهي الأمر بإلغاء المدارس، والاكتفاء بالكومبيوتر، كبديل للمعلمين أنفسهم.

&

أعدت «إيلاف» هذا التقرير بتصرف نقلًا عن موقع صحيفة «ليكسبريس» الفرنسية. المادة الأصلية منشورة على الرابط:

https://www.lexpress.fr/actualite/sciences/intelligence-l-homme-contre-la-machine_1949520.html