يغادر اللاجئون مآسيهم في الشرق ليصادفوا مآسيَ جديدة في الغرب. لكن محسن حامد يضيء على جوانب أخرى قد لا يراها اللاجئ في خضم معاناته، ولا المراقب من بعيد. إنها حياة تجنح صوب مشهد لا يريد أحد أن يرسمه.

إيلاف: هل تملك منزلًا أو استأجرت شقة؟، هل تعيش وحيدًا أو مع عائلتك؟، هل تشرب القهوة صباحًا أو الشاي؟، هل تقود سيارة أو دراجة نارية؟، أو ربما تستقلّ الحافلة؟، هل تذهب إلى العمل وتشغّل جهاز الكمبيوتر الخاص بك؟، هل تخرج ليلًا مع النساء؟، هل تعيش في بلدة صغيرة أو مدينة كبيرة، على الرغم من أنّك ربما تسكن في الريف؟، هل تملك آمالًا وأحلامًا وتوقعات؟، هل تعتبر إنسانيتك أمرًا مفروغًا منه؟، هل تستمر في الإيمان بإنسانيتك حتى عند وقوع كارثة تجعلك بلا مأوى؟، هل تدمّرت بلدتك أو مدينتك أو ريفك؟، هل حاولت أن تصل إلى الحدود وأنت على قيد الحياة؟... عندها فقط، وأنت تأمل بأن تغادر، أو بأن تنجح في عبور الحدود، ستفهم أن أولئك الذين يعيشون على الجانب الآخر لا يعتبرونك إنسانًا على الإطلاق.

"الخروج إلى الغرب" بعد اشتعال الشرق

هذه هي تجربة أن تصبح لاجئًا المخيفة، وأن تنضمّ إلى 65 مليون شخص غير مرغوب فيهم مشرّدين في العالم اليوم. وهي أيضًا التجربة التي يتناولها محسن حامد بهدوء وبشكل مؤثر في روايته الجديدة "الخروج إلى الغرب" EXIT WEST (المؤلف من 231 صفحة؛ منشورات ريفرهيد بوكس؛ 26 دولارًا) التي تبدأ في مدينة غارقة باللاجئين، لكن لا يزال السلام يعمّ فيها بشكل عام، أو ليست حتى الآن على الأقل في حالة حرب علنية.&

لم يكشف المؤلّف عن اسم المدينة والبلاد خلافًا للشخصيتين الرئيستين في القصة: سعيد وناديا شاب وشابّة تبدأ علاقتهما الرومانسية في لحظة وقوع أزمة وشيكة، وهما من سكان مدينة عالمية يلتقيان في "صفّ مسائي حول هوية الشركة وعلامة المنتج التجارية"، وكان أول موعد غرامي لهما في مطعم صيني.

بين طبيعيين وغربيين
استراتيجية حامد المغرية هي إبراز إنسانية هؤلاء الشباب، الذين تجعلهم كياستهم وميولهم الرومانسية وتطلعاتهم المتصاعدة وتواصلهم من خلال وسائل الإعلام الاجتماعية والهواتف الذكية أشخاصًا "طبيعيين" بالنسبة إلى قرّاء الرواية المحتملين.&

في الوقت نفسه، يصرّ على "اختلافهم" عن القرّاء "الغربيين". فمدينتهم محاصرة من قبل مسلحين يرتكبون فظائع رهيبة، ويجسدّون مشاهد من الموصل أو حلب. أما ناديا فكانت ترتدي دائمًا عباءة سوداء فضفاضة، تغطي أصابع قدميها إلى أسفل الناتئ الوداجي، لكن في حين يبدو أن هذا الرداء شكل من أشكال اللباس الإسلامي المحافظ، فأحد أبرز مؤشرات الإختلاف بين ناديا والقراء غير المسلمين تكمن في أنّها أكثر جرأة من سعيد: فهي من تقدم إليه الماريجوانا والفطر المخدّر، وهي من تبدأ بممارسة الجنس، ويتبيّن أن الرداء تمويه لها كي تكون امرأة مستقلة.

خلفية "الخروج إلى الغرب" هي على محنة اللاجئين من أماكن، مثل سوريا، وشبح "الأصولية الإسلامية" والإرهاب. يستفيد حامد من فكرة أن هذه المشاهد مألوفة بالنسبة إلينا، ليحوّل "الخروج إلى الغرب" إلى كتاب عاجل عن الحرب والحب واللاجئين.&

مسائل السياسة مهمة أيضًا كما هي الحال في رواياته الأخرى التي تعاملت بالمثل مع قضايا ملحّة: متاعب باكستان المعاصرة ("دخان العث")؛ حوادث 11 سبتمبر، والتوترات بين أن تكون باكستانيًا وأميركيًا ("الأصولي المتردد")؛ والرأسمالية المجردة والطموح في بلد مجهول ("كيف تصبح ثريًا قذرًا في آسيا الناهضة").&

وفي روايته، يتصور حامد عالمًا مترابطًا، حيث يلتقي الشرق والغرب حتمًا نتيجة تواريخ معقدة من الاستعمار والعولمة. لا يمكن فصل الدراما وقصص الحب الخاصة بأشخاص، مثل سعيد وناديا، عن هذه التواريخ، حتى لو لم تكن التواريخ بالضرورة انشغالات في حياتهم الخاصة، إلى أن تحدث فعلًا.

مشهد بلا مشهدية
يموت الناس. يموتون في كثير من الأحيان بشكل غير متوقع وفي ظروف عنيفة. ويقدّم حامد بضع حوادث من هذا القبيل، وبالتفصيل الممل، كما هي الحال عندما انفجر أحد أقرباء ناديا "في شاحنة مفخخة، وتحوّل إلى أشلاء، أكبرها رأسه، وثلثا ذراعه".&

رافضًا الإسهاب في كآبة مثل هذا المشهد، يأبى حامد أن يحوّل تدمير المدينة وشعبها إلى مشهد، بالطريقة التي يراها عادة من هم خارج البلاد، حيث يشاهدون العذاب من مسافة رقمية. ومتفحّصًا الدمار عن مسافة بعيدة قليلًا، لا يشجّع حامد القراء على الشفقة على سكان المدينة.&

الكاتب محسن حامد

بدلًا من ذلك، يركّز على سعيد وناديا، ويزيل خصوصيات المدينة والبلد وعاداته، ويحاول زيادة عمق تعاطف القارئ مع الشخصيات التي يمكن أن تكون، أو ينبغي أن تكون، مثل القارئ تمامًا. والقارئة، بطبيعة الحال، يجب أن تفكر في ما يمكن أن يحدث إذا انقلبت حياتها العادية فجأة، رأسًا على عقب بشكل غير متوقع بسبب الحرب.

على الأرجح، سيفعل القارئ ما فعله سعيد وناديا: سيهرب. فعلًا ذلك من خلال الأبواب المفاجئة وغير المبررة التي ظهرت في جميع أنحاء المدينة، علمًا أنّها بوابات إلى أماكن أخرى.&

في حين أن الكاتب لم يكشف عن اسم المدينة، فقد أفصح عن تسمية مواقع اللجوء هذه - اليونان، لندن، الولايات المتحدة. من خلال واقعيتها، في مقابل الغموض المتعمد حول مدينة سعيد وناديا، تستدعي هذه الملاجئ تماثلًا من قبل قراء الرواية الذين يعيشون في هذه الأنواع من الأماكن التي يرغب اللاجئون في الذهاب إليها.&

وتسأل هذه الرواية هؤلاء القرّاء ضمنيًا: "لماذا يجب إغلاق الأبواب أمام اللاجئين"، في حين أن هؤلاء القرّاء قد يصبحون لاجئين يومًا ما؟، لكنّ طريقة عمل هذه الأبواب ليست ما يهمّ حامد، فهي ربما تكون تجلّيًا للواقعية السحرية أو الوهم أو الخيال العلمي، أو الثلاثة معًا، لكنها موجودة ببساطة لعكس حقيقة أن اللاجئين سيجرّبون كل باب يجدونه للخروج.&

النصف الثاني من الرواية
ما يحدث عندما يصل سعيد وناديا إلى هذه الأراضي الموعودة يشكل النصف الثاني من الرواية، التي يبدو فيها أن "الكوكب كله كان يتحرّك، حيث اتّجه الكثيرون من جنوب الكرة الأرضية إلى شمالها، وكذلك انتقل الجنوبيون إلى أماكن أخرى في الجنوب، والشماليون إلى أماكن أخرى في الشمال".&

هنا، يتبيّن أن رواية حامد ليست قصة عن الحاضر فحسب، بل أيضًا عن المستقبل، حيث ستكون الهجرة هي القاعدة. بحسب وجهات النظر، يُعتبر هذا إمّا مرعبًا أو واعدًا.&

فعندما ينتقل الجميع من أماكن إلى أخرى، يصبح التنقل عاديًا، وليس مزعجًا. ففي حين تسبّب هذه التحركات اضطرابات لقسم من "المواطنين" - ويسمّيهم حامد، في مرحلة بعد الاستعمار، سكان البلدان المضيفة - فالرؤية التي يقدمها في نهاية المطاف هي سلمية.&
بعدما يتغلّب المواطنون على خوفهم الأولي من الغرباء، يكتشف كل من المواطنين والغرباء أنهم على الأرجح سيتعايشون معًا. إنطلاقًا من هذا الاعتراف الموزون والحذر بالإنسانية المتبادلة، يحاول المواطنون والغرباء إقامة مجتمع جديد.

هذا التفاؤل اللطيف، وهذا الرفض للغرق في الواقع المرير، هو أكثر ما يثير الدهشة حول رواية حامد الخيالية والمبتكرة. وقال مؤلّف لا يخجل من السياسة المثيرة للجدل والأمور العالمية العاجلة - ونحن بحاجة إلى المزيد من هؤلاء الكتّاب - أن حامد يستغل قدرة الخيال لإثارة التعاطف والتماثل لتخيل عالم أفضل. وهو أيضًا عالم ممكن.&

"الخروج إلى الغرب" لا يقود إلى المدينة الفاضلة، بل إلى المستقبل القريب والأشكال القاتمة للغرباء الذين يمكن أن نراهم من خلال مدخل بعيد. كل ما علينا القيام به هو العبور والتعرّف إليهم.