يجسّد الفيلم الوثائقي "أنا لست زنجيك"، الذي كان قد رُشّح لجائزة الأوسكار، القضايا التي تناولها الكاتب الأسود على مدى سنوات حياته.&
&
تزامن عرض الفيلم الوثائقي "أنا لست زنجيك" للمخرج الهاييتي راؤول بيك، الذي أراد من خلاله إنتشال تراث واحد من أبرز الكتّاب والناشطين في الحقوق المدنية من طي النسيان، تزامن مع مرور الذكرى الثلاثين على رحيل الأفروأمريكي جيمس بالدوين. وهذا الفيلم الذي إشترك في العديد من المهرجانات السينمائية العالمية، وتمّ ترشيحه لجائزة أوسكار أفضل فيلم وثائقي في الدورة ال 89، ينقل إلينا ذكريات وأفكار جميلة لرجل حارب على مدى عقود قضية التمييز العنصري، وعانى من مثليته الجنسية في الولايات المتحدة، ليصبح الناطق بلسان ضحايا الفقر العاطفي في بلده.
كان جيمس بالدوين، الذي ناصر القضية الفلسطينية، ورأى أن مشكلة فلسطين هي في الواقع مشكلة إستعمارية، خلافاً لرأي العديد من الكتاب والمثقفين اليساريين في الولايات المتحدة، كان يستعد في يونيو/ حزيران 1979 لتأليف كتاب حول تأريخ أمريكا من خلال شخصيات أصدقائه الثلاثة الذين ماتوا إغتيالاً، وهم: مارتن لوثر كنغ، مالكولم إكس، ميدجر إيفرز. &غيرأنه لم يتمكن من إنجاز سوى 30 صفحة من كتابه المعنون "تذكر هذا البيت"، لكن، لم تشأ شقيقته أن يكون مصير هذه المخطوطة التي لم تكتمل الضياع، وكان أن أعطتها للمخرج راؤول بيك، الذي عرف كيف ينسج ما تبقى منها ضمن أفكار الروائي المنسجمة مع الرسائل التي بعثها إلى ناشر كتبه وهو يتحدث فيها عن المشروع، إلى جانب مسيرة الزعماء الزنوج الثلاثة ، الذين لقوا حتفهم قبل أن يبلغ عمر كل واحد منهم أل 40 عاماً. & &
ومع التعليق الصوتي للممثل صاموئيل إل. جاكسون كدليل، يجسّد "أنا لست زنجيك" كفاح الشعب الزنجي من أجل البحث عن هويته، في بلدٍ كان قد أدار له ظهره دائماً. ويستمد الفيلم موضوعه من لقطات سابقة لجيمس بالدوين أثناء ظهوره في العديد من النشاطات، من مقابلات، ومناقشاتٍ تلفزيونية، وندواتٍ جامعية.
بالإضافة إلى ذلك، يدعم بيك قصته عن طريق صور فريدة من نوعها، وفيديوهات لشباب وبالغين يقومون بتظاهراتٍ ضدّ التمييز العنصري خلال عقد الخمسينات والستينات من القرن الماضي. والبعض من هذه الفيديوهات بدت صادمة جداً، كالشريط الذي تظهر فيه المراهقة السوداء دوروثي كونتس في وضعٍ مهان، في أول يومٍ لها، وهي في طريقها إلى معهد ولاية كاليفورنيا الشمالية. هذا الحادث كان قد عكس في قلب الكاتب والناشط السياسي المعروف صورة الشعور بالكراهية، والخزي، والعار.
&بالدوين الذي كانت تشع من عيونه المعبرة قوة قادرة على تحريك الضمائر خلال خطاباته المؤثرة دوماً، غالباً ما كان يردد أن "التأريخ ليس الماضي، بل الحاضر". ويعترف مخرج الفيلم أن الكاتب أكد على الجرح العنصري عبر لقطاتً فلمية، حيث يجسّد الأبيض صورة البطل، بينما يظهر الزنجي في دور المذنب بسبب من لون جلده. وخير شاهد على ذلك أشرطة سينمائية مثل "لا يريدون أن ينسوا، 1937"، و"كوخ العم توم، 1927"، و"عربة الجياد، 1939".
ولد جيمس آرثر بالدوين في حي هارليم بنيويورك عام 1924، ومذ كان شاباً يافعاً شعر بقدرته على التأثير على الآخرين من خلال مواعظه، لكنه في سن ال 17 إكتشف الوجه الأكثر نفاقاً في بيئته. ثمّ قرر السفر إلى أوروبا. إنتهى به الأمر في باريس وليس في جيبه سوى 40 دولاراً، وقناعة راسخة بأن لا شئ أسوأ يمكن أن يقع له أكثر مما أصابه في الولايات المتحدة. وكانت فترة مثمرة تلك التي أمضاها مؤلف "لو كان لشارع بيل أن يتكلم" في فرنسا، والتي ساعدته على التخلص من الخطر "الإجتماعي، الحقيقي والمرئي"، الذي كان يعيشه في شوارع بلده، بالإضافة إلى كتابته رواية "إذهب وقلها في الجبل" 1953، التي تخللتها مراحل من سيرته الذاتية.
يقول بالدوين، الذي لم يخف أبداً مثليته الجنسية، وبصراحة شديدة "تأريخ السود في امريكا هو تأريخ أمريكا"، و"لا شئ يمكن أن يتغير إذا لم تتم المواجهة". وبالنسبة لمؤلف رواية "لا أحد يعرف إسمي" أن أمريكا ليست أرض الفرص كما يحاولون تصويرها. هناك بين الناس إنسانية مزيفة تخفي "حياة فارغة، رتيبة وكريهة"، الأمر الذي يتجلّى بوضوح في برامج الترفيه المثيرة للشفقة. لذلك يصرّ على أنه "إن لم نتفق على ضرورة حاجتنا لهوية تجمعنا معاً، لن يكون هناك أي أمل في تحقيق الحلم الأمريكي".
ويستكشف الكاتب أصل طبيعة الكراهية بين السود والبيض، قائلاً أن "مشكلة الزنوج" إبتدعها البيض للحفاظ على النقاء العرقي، وهو تعبير أحال هؤلاء إلى "مجرمين ووحوش". & & & & &
&