&
يواصل الناقد والتربوي الدكتور فائق مصطفي العمل في مشروعه الثقافي القائم علي العناية بـ"فن المقالة" واستثماره في الميادين التربوية، فيصدر مطلع هذا العام كتابه الثالث "جمال المرأة" ضمن مشروعه، بعد كتابيه "دفاع عن المقالة الأدبية" و"المقالة الادبية والاستنارة". يضم الكتاب- كما ورد على الغلاف الأخير - باقة من مقالات سبق نشرها في صحفناالمحلية، مقالات تستعين ب (العقل النقدي) لمجابهة مشكلات اجتماعية يعاني منها مجتمعنا العراقي، مثل خفوت (روح المواطنة)، وتهميش العقل، والنظرة الذكورية الي المرأة، والنأي عن الذوق واحترام الحياة، والنظرة الشكلية (المظهرية) الي الدين والتعليم. وتسعى، في الوقت نفسه-الي إضاءة السبل الكفيلة بإضعاف وقهر هذه الآفات الاجتماعية حتى تتفتح أزاهير الجمال والرقي والحضارة في أصفاع بلادنا، وتزخر أجواؤنا بأريج المحبة والتسامح والسعادة.&
وزعت مقالات الكتاب علي ثلاثة أقسام: القسم الاول (مقالات في المرأة)، وهي (جمال المرأة) و(المرأة عنوان الحضارة وأساسها) و(من يمارس العنف ضد المرأة؟) و(المرأة في السلمانية). في هذه المقالات ينطلق المؤلف من رؤية ترى في وضع المرأة مقياسا لمعرفة مستوى الحضارة الذي بلغته الامم. يقول المؤلف إن (الاستقرار الذي عرفته البشرية بفضل تعلم الزراعة، لعبت المرأة دورا كبيرا ووفرت أجواء الأمان. ومنذ ذلك الوقت صارت المرأة رمزا للسلم والأمان والخير والحياة، حتي شاعت عند بعض الامم حكمة جرت مجرى الامثال (ما تريده المرأة يريده الله). فأنا شخصيا أؤمن بهذه الحكمة فأشعر بالطمأنينة في كل مكان أري فيه المرأة، أما عندما لاأجد المرأة فأتوقع الشر والاذى. من هنا أردد دائما هذه المقولة (إذا خلت أرض من المرأة صارت مقبرة موحشة)، والدليل علي ذلك المجتمعات التي لا نرى للمرأة فيها حضورا في زماننا الحالي حيث تكون هذه المجتمعات كلها نزاعات وحروبا وعنفا، لا استقرار فيها ولا تنمية. وهنا نتذكر مقولة الفيلسوف الفرنسي الوجودي (ألبير كامو): (المرأة رائحة الجنة علي الارض). (الكتاب\26). وفي مقالة (المرأة في السلمانية) يرى المؤلف أن الاحترام الذي تحظى به المرأة في السلمانية، لامثيل له في المدن الاخرى، فهو يقول (عندما زرت السلمانية مع عائلتي في الخمسينيات من القرن الماضي، وأناطفل، لفت نظري في نساء السلمانية شئ لم أكن أراه في نساء مدينتي كركوك، رأيت النساء يختلطن بالرجال في المنازل ويشاركنهم في أحاديث تدور علي مختلف القضايا الحياتية. ثم تكررت زياراتي للسليمانية، وقد كبرت واكتمل وعيي، فتأكد عندي ما رأيته من قبل، إن النساء هنا يتميزن عن نساء المدن العراقية الاخرى، إنهن يحظين بشئ من الحرية في الاختلاط بالرجال، ويتحدثن معهم في شؤون السياسة، ولا يتكلفن تكلفا زائدا في تصرفاتهن أمام الرجال، ويعملن بنشاط وهمة، ويملكن الثقة بالنفس وشيئا من الشعور بالشخصية). (الكتاب\39). والدور الحضاري للمرأة يوجزه المؤلف في: 1\ المرأة والاستقرار والأمان. 2\ المرأة والتربية. 3\ المرأةو العظمة والتفوق. 4\ المرأة والفن.&
من هنا أتمني أن تقرأ كل امرأة هذه المقالات ليشكل عندها سلاح وزاد ثقافي تدافع به عن نفسها وحقوقها أمام تهميش المجتمع لها ونظرته الذكورية تجاهها.&
والقسم الثاني من مقالات الكتاب (مقالات اجتماعية عامة) يتناول ظواهر و مشكلات اجتماعية تتعلق بالدين والتعليم والمواطنة و الوعي الاجتماعي والسعادة. . . الخ، مثل مقالة (احترام الحياة)حيث يدعو المؤلف الى العناية بهذا المبدأ التربوي الذي اهتم به الفلاسفة مثل (براتراند رسل) الذي حثّ المربين علي تعليم الصغار الاحترام، إحترام الحياة واحترام الرأي واحترام العمل. وبشكل عام يتمثل (احترام الحياة) في:
1\احترام الانسان. 2\إحترام البيئة. 3\إحترام القيم الروحية و الاخلاقية والحضارية.&
وفي مقالة (جوهر الأديان الفضائل الاخلاقية) نقرأ (إن الاديان جميعها رسالات سماوية الي بشر من اجل اصلاح النفوس والمجتمعات، وإشاعة قيم المحبة والحرية ودفع الظلم والفساد. وكل ما في الاديان من نصوص وفروض دينية، وسائل لتحقيق الفضائل الاخلاقية علي الارض، وليست غايات في ذاتها، إذ رأينا في الماضي، وترى في الحاضر، تحول النصوص الاغراض الدينية الى غايات في ذاتها، ونسيان وتجاوز الغاية الرئيسة للاديان وهي نشر الفضائل الاخلاقية). (الكتاب\77).&
وفي مقالة (مثلث التخلف الخلقي) يحذرنا المؤلف من التمسك بثلاث صفات سلوكية سلبية متفشية في مجتمعنا العراقي، وهي الاولى: كساد العقل المتمثل في الابتعاد عن القراءة والتفكير والتأمل، وهذا يؤدي الي الثانية: الثرثرة حيث اذا نام العقل صار صاحبه عاشقا للكلام الفارغ والثرثرة، لانه لا يعرف كيف (يقتل) وقته، والثالثة هي الميل الى النزعة الاستهلاكية المفرطة، أي عشق الفرد للسلع الاستهلاكية، وإقتناؤه لها بشكل غير عقلاني، أي اكثر مما يحتاج اليه من السلع وفي كل الظروف.&
والمؤلف يدعوا القارئ الي صداقة (البساطة) التي يعتبرها مفتاح السعادة، ويستشهد بما قاله عنها أحمد أمين (في بساطة العيش راحة النفس، وحفظ الصحة، وحسن التفاهم، والتخفف من الاعباء المالية، وشعور بأن الحياة المادية ليست كل شئ في الحياة حتي يضيع كل الزمن في تعقيداتها وتركيباتها، فهناك حياة روحية سامية جميلة تستحق أن يوفر لها جزء من الزمان، ويخصص لها وقت من التفكير). (الكتاب\112).&
أما في مقالة (ما المشكلة في نظامنا التعليمي) فالمؤلف يشخص مشكلاته وسلبياته وأهمها (إن في نظامنا التعليمي مشكلة هي أن هذا النظام شكلي بعيد عن الحياة. لماذا؟ لان غايته الاساسية هي الامتحان والشهادة. أما التربية والثقافة فهما غائبتان في هذا التعليم. وأقصد ب (التربية) هنا معناها الوارد في تعريف الفيلسوف الالماني (كانت)، وهو (التربية هي ترقية جميع أوجه الكمال عند الفرد)، والكمال نوعان: كمال نظري يتعلق بتعليم العلوم والمعارف، وكمال عملي يتمثل في تحويل العلوم و المعارف الي ثقافة وأخلاق تبني شخصية الفرد. أما (الثقافة) فالمقصود بها هنا (الثقافة التعليمية) التي تعني تهذيب النفس وبناء شخصية الفرد بناء حضاريا). (الكتاب\157).&والقسم الثالث (مقالات في الادب) تتعلق ببعض الادباء، وحوار مع المؤلف.&
&
كاتب المقال اعلامي وتدريسي في جامعة السلمانية.&
&