&
& & صدر &للكاتب العراقي محمد غازي الأخرس كتابه الجديد (السيرة والعنف الثقافي: دراسة في مذكراتِ شعراء الحداثة بالعراق) عن سلسلة "دراسات فكرية" من جامعة الكوفة ، حيث تناول فيه مذكرات الشعراء العراقيين مثل السياب ونازك والبياتي وحسين مردان وفاضل العزاوي وسامي مهدي وصلاح نيازي وفوزي كريم وعبد القادر الجنابي وجماعة كركوك وشاكر لعيبي، واعتمد فيه منهج الدراسات الثقافية .
&
& &وجاء في الغلاف الاخير &مما كتبه حسن ناظم (الكتابُ حفرٌ في مذكراتِ جيليْن من المثقفين العراقيين، روّادِ الشعرِ الحرِّ والستينيين. الكاتبُ محمد غازي الأخرس يقدّمُ لنا عملاً أكاديمياً مميّزاً يكشفُ فيه المضمراتِ في لاوعي هؤلاء المثقفين من ملاحقةِ تراكمٍ كبيرٍ من النصوصِ والوثائق. يحاولُ الأخرس أن يتبيّنَ نوازعَ المثقفين الخفيّةَ وهم يخوضون في صراعاتٍ ثقافيةٍ وأيديولوجيةٍ، نوازعَ الشرِّ والعنفِ والعمى العقائديّ. الكتابُ كشفٌ لتشوّهاتٍ في أيقوناتِ المثقفين والشعراءِ الذين ملأوا الدنيا في النصف الثاني من القرن العشرين) .
ثمرة جهد&
&والكتاب .. ثمرة جهد واضح تصدى الكاتب فيه لقراءة كل ما يخص الشعراء على اختلاف مستوياتهم وما اثاروه من جدل عن سير حياتهم او نتاجاتهم الادبية سواء في المراحل الاولى من حياتهم او المراحل اللاحقة ويكشف من حلال دراسته التفاصيل الخاصة بهم عبر النصوص التي كتبوها او الحوارات واعترافاتهم او ما قالوه في مناسبات مختلفة، وقد استطاع المؤلف ان يقف عند كل تلك التفاصيل وتحليلها وقراءتها بما عرف عنه من نهج اكاديمي ومغامرة وجرأة في البحث عن المخبوء او المسكوت عنه وقد وقف ازاء مذكراتهم ليبحر في اعماقها ويأتي بالمفيد منها والذي اراده في دراسته .
&ثلاثة فصول بثمانية مباحث&
يقع الكتاب &بـ &(340) صفحة من القطع المتوسط وجاء بثلاثة فصول وثمانية مباحث ، يتضمن الفصل الاول :فحول حقبة الحداثة : السياب ورهطه ، حيث يضم ثلاثة مباحث ، الاول : السياب يعترف: كنت شعوبيا ،كنت شيوعيا، والثاني : سردية البياتي : الفتى العارف والفحولة الشعبية ، والثالث : نازك الملائكة : الانوثة المتفحلة والتعارض النسقي ، ويتناول الفصل الثاني مرويات العنف اللفظي في الستينات ويتضمن ثلاثة مباحث ، الاول : فاضل العزاوي في سردية العنف الراديكالي ، والثاني : سامي مهدي ونسق دونية الاخر ، والثالث : تفكيك الجيل : مثاقفتان فرديتان (فوزي كريم وصلاح نيازي) ، اما الفصل الثالث فيتناول الثقافة المضادة : مرويات الهامشيين وابناء الجماعات الفرعية ،ويتضمن مبحثين ، الاول : حسين مردان وعبد القادر الجنابي : من الاخضاع الى التمرد (شاعران من طينة واحدة / حسين مردان :سردية النرجسي المطرود / عبد القادر الجنابي :اللامنتمي العنيف في عصر الانتماء ، اما المبحث الثاني فكان (متون وهوامش : من جماعة كركوك الى شعراء مدينة الثورة .
القابع في اللاوعي.
وفي المقدمة التي كتبها المؤلف اعترف ان (هذه الدراسة مغامرة قررت ركوبها وأنا أعرف مقدار المصاعب التي ستواجهني. ذلكَ أنّ الشروع في البحث عن أنساق ثقافية في كتب مذكرات شعراء روّاد وستينيين يعني تكشّف المخبوء والمسكوت عنه، المضمر والقابع في اللاوعي. وهو يعني أيضاً الانفتاح على مئات الوثائق والشهادات والحوارات، فضلاً عن النصوص الأساسية المختارة عيناتٍ للتطبيق).
ويوضح ان (مثل هذه الصعوبات متوقعة دائماً، لكنّها هنا كانت أكيدة. ليس بسبب طبيعة الموضوع حسب، بل بسبب طبيعة المنهج النقدي. فالدراسة الثقافية تنفتح على عدد من المناهج وتكسر الحدود بين بعض العلوم الإنسانية، حتى أنّ الباحث قد يجد نفسه في حقل ألغام. التاريخي يختلط بالثقافي، والفردي بالجماعي. مجتمعٌ يتحرّك، وقضايا تشتبك. ظواهر أدبية تطفو للسطح، وأخرى سيكولوجية تسحبك للعمق. ثقافات فرعية تتصارع مع ثقافة عامة، ورياح من الكراهيات الموروثة أحياناً تهبّ من هذه الجهة إلى تلك. وهذا ما حدث معي إذ كان ثمّة ما يشبه الفوضى أمامي. فوضى حتّمت عليَّ عزل ما يفيد عما لا ينفع. وكنت أشعر، في بعض اللحظات، بالعجز التام عن اللحاق بالمشهد المتّسع، وأودّ لو أنّ لديّ عشرين عيناً ومائة أذن كي أقرأ كلّ شيء وأنصت لمزاج من أدرس، اجتماعياً وثقافياً وسيكولوجياً ، عدا ذلك، وبمجرد تهيئة أوراقي وملفاتي وشروعي في البحث).
ويعترف المؤلف ايضا: بدأ شعور مرير بالذنب يجتاحني تجاه أولئك الشعراء الذين أحببتهم وعشقت نصوصهم دائماً . بدءاً &من السياب العظيم مروراً بالبياتي ونازك الملائكة، ثم حسين مردان، وانتهاءً بشعراء الستينات. لكم أن تتخيلوا ذلك وتعذروني. فصاحبكم كان بصدد استكشاف أنساق مخفية تحرّك سردياتهم من حيث لا يعلمون ربما. ولقد بدت تلك الأنساق، بالفعل، فاضحة لصراعاتهم فيما بينهم. افتراءات بعضهم على البعض أحياناً، تناقضاتهم، شعور بعضهم بالتفوّق والنرجسية، وركون البعض الآخر إلى العنف اللفظي في التعامل مع الآخر. وهذا نابع من عقائدية أغلبهم ووقوعهم ضحايا للشراسة اللفظية التي تعكس تشنجاً وتشير لخصومات يمتزج السياسي منها بالشخصي. الأحرى إنني شعرت، أثناء البحث، وكأنني أغوص لأتلمّس جبل جليد ما كان يظهر منه سوى قمته الجميلة، أما ما خفي فنتوءات جارحة وأنساق تناقض ما يراه المرؤ في ظاهر الخطاب.&
ابطال فعليون&
ويؤكد : هذا هو شأن الدراسات الثقافية عموماً. إنها تفضح المخبوء والمضمر فتتبدّى للباحث صور لم يكن يتمنّى رؤيتها وتقديمها للقرّاء. وهو ما جرى معي وأحزنني لدرجة شعرت معها وكأنني كنت أمسك مشرطاً وأشرّح صورا جميلة تحتفظ بها الذاكرة عن أولئك الشعراء.&
&ويوضح :الآن، هل هذا كلّ ما خلصت إليه بعد رحلتي المتعبة؟ كلا بالتأكيد، فمقابل هذه المشاعر السلبية، ثمّة ما هو مفرح. فقد أكتشفت، بعد رحلتي، أنّ هؤلاء الشعراء أبطال فعليون كونهم نجحوا في طرح سردياتهم التي هي كنايات عن سرديات مجتمعهم. وبفضلهم أمكننا الغوص في سياقات معقدة تختلط فيها النوازع الفردية بالعقائد الكبرى. وعن طريقهم استطعنا تلمّس الوشائج التي تربط المثقف العراقي بهوياته المتنوعة، الاجتماعية والثقافية، المهيمنة والمهيمن عليها. ومن ثم، أمكن التعرّف على كيفية تلقّي المثقف العراقي تأثيرات الحركات الفكرية العالمية التي استطاع الوصول لها بقراءة "الممحي" كما يعبّر أحد شعراء الستينات.&
&ويختتم الاخرس مقدمته بالقول :الكتاب ليس سوى محاولة في مجال الدراسات الثقافية، هذا المجال الحيويّ الذي ما تزال مصادره في العربية قاصرة عن إشباع حاجتنا. أقول هو مجرد محاولة اجتهدت فيها قدر طاقتي لأخرج بشيء مفيد وجديد، وآمل أنني فعلت ذلك.&
&&
& &الكتاب هو الخامس لمحمد غازي الاخرس ، الشاعر والكاتب، بعد كتبه : خريف المثقف في العراق، كتاب المكاريد، دفاتر خردة فروش وقَصّخون الغَرَام، وهو من مواليد بغداد عام 1967، حاصل على شهادة البكلوريوس في اللغة الفرنسية عام 1994 ثم على شهادتي البكلوريوس والماجستير في الأدب العربي، وكتب الشعر منذ ثمانينيات القرن الماضي، وله ديوان عنوانه "شمعون" صدر عام 1997 بطريقة الاستنساخ، ونشط في المقالة والنقد منذ منتصف التسعينيات .
&