سرب من النساء المنقبات يمر من أمامى.. أنا الواقف في الدكان أنصت لشوبان متعة أو رغبة فى التميز, لست متيقنًا من شيء؟ من أين تأتي كل هؤلاء النسوة؟ ينبثقن كأنهن زهور الرمان السوداء التي تنبثق مكتملة ثم تعود لتطوي أوراقها مرة أخرى إلى الداخل. أنظر إليهن في& استسلام قدري وكأنني إزاء سد مأرب وهو على شفا الانهيار، ولا أملك وسيلة لوقف الكارثة، لا يوجد آلة تمنع الكارثة سوى يدي, أقف مرعوبا ومرورا من تلك البداوة المجسمة سيرا على أقدام ممتلئة وملفوفة في شربات سوداء وعيون تتلفت في حذر أو عداء يتجاوزونني ونظراتهن لا يمكن أن تحديدها هل& إغواء أم عداء؟ لم يعد شيئًا واضحا تماما الرمادي أصبح سحابة ضخمة تغشي عيني.&
يصلان إلى سراي "هند" قرب المساء ويغلقن الباب والسؤال يلح علىٌ كيف يمكن فض مغاليق هذا الكون الذي اسمه هند؟
&عندما أتت عندي في الدكان أردت إحداث شرخ ما للدخول لهذا العالم الغامض كنت منتشيًا بالفعل فأخذت أحكى عن أميرة خرافية الجمال تحلم بأن تطير فوق المكان الذي تعيش فيه إلى عالم غير محدود وعندما فتحت عينيها وجدت نفسها تطير بالفعل, كانت سعيدة حد الجنون إلى أن تذكرت أسرتها فسقطت من عل على صخرة ضخمة وتناثر دمها.&
&نظرت بنصف عين لعلني ألمح اهتماما أو رغبة في الإنصات لكنها بدت لا مبالية، ثم وضعت ورقة الطلبات في حياد، استلمت الورقة وأنا أشعر بضآلة الشأن. انتهيت من وضع الطلبات في كراتين، وقدمت لها الحساب، فأخرجت حقيبتها الصغيرة وأخرجت بضع أوراق من المائة جنيه وناولتني ثلاث ورقات، وضعتهم على البنك، وطلبت منى أن أرى سيارة لتوصل الطلبات, قلت بحدة: وأنا مالي, هوانا كاتب لافتة مكتوب عليها " توصيل الطلبات للمنازل؟.&
&قالت: أنا آسفة، باين أخطأت. أحسست أنها صبت علي ماء باردًا، بخاصة أن لها طريقة راقية في التعامل، وعندما خلعت النظارة كانت دموع تتجمع في عينيها..&
&تركت البنك وذهبت إلى آخر الدكان وأنا أشعر بالخزي، وكم أنا منفعل ورأسي مملوء بالهواجس والظنون والوساوس القهرية التي توجهني وتدفعني للخسران.&
&أغلقت الدكان في المساء وذهبت حتى اقتربت من السراي، أنا الدرويش المغبون في كل الأزمنة تحت هالة من الكبر والتواضع والمحبة الزائفة, أدور حول السور وبي رغبة لاقتحامه، وأعلم أن الجوهرة تتألق هناك وأن بقائي في الخارج فيه تلفي وهلاكي, وإن كنت أعلم أن هذا البيت مرصود وأن قدري هو أن أدور حوله في رحلة أبدية حول السرايا التي ترقد في ثبات وجبروت، رغم ما يبدو عليها من قدم. وقد افترضنا أنها ستهدم على يد الأميرال يوسف عبد الرحمن الضابط في سلاح الفرسان، بعد أن تمت إحالته إلي الاستيداع ، بعد شائعات عن دور له في التآمر على الثورة وإصابته بطلق ناري، قيل إنه& أطلق خطأ من بندقية صديقة, أصابت العمود الفقري وقد نجا بأعجوبة, فقط شَلَّ وخرج من المستشفى على كرسي متحرك، وضاع أمله في أن يكون سفيرًا " لمصر في بلجراد". استقر على السرير ووجهه يتقلب بين الأسى المريض والفرح المُعَذَّبٌ ، وهند راكعة على ركبتيها في مواجهته وهى تردد: أحبك أيها المحب.&
&والأميرلاي ينظر إليها مدهوشًا" ومرعوبًا" من زهور النوران التي تنمو على وجهها، وكأنها خفافيش صغيرة.&
&قال: هند أنت روح طفلة وأخاف عليك من دنس المدينة.&
أداء مدهش زرع فيها توهجًا جعلها تفكك محتويات الشقة، وفى الصباح كانا مغروسين في ربوع الريف وظل داخل السراي من 62, إلى 67 يقرأ القرآن متابعًا الجرائد والمجلات التي تتناول أحدث الأسلحة وبؤر التوتر في العالم، وكل حين تنتابه موجات عنف لا يستطيع خلالها السيطرة على ذاته, يقذف زجاج الشبابيك بأدوات الزينة الخزفية, وحوض السمك الزجاجي, ويمزق الستائر التي يراها واحدة من الأسباب الرئيسية في عقم الواقع وتحلله, يجأر بصوت درامي عتيق يناجى الله لتفكيك هذا العالم الداعر. وهند التي كانت ترتدي البكيني وتسير على شاطئ البحر مكتفية بذاتها، باعتبارها حالة فنية أكثر من كونها واقعا "حيا" حتى وهى ترتدي الحجاب، وتسمع التواشيح, وتقرأ القرآن, وتنام مبكرا لكي تنغمس في الحلم, وتشكل هذا الحلم حسب مزاجها الشخصي. وفى ليلة رأت نفسها تسير في صحراء خالية من البشر, وكف قدمها تطبع على الرمل, وينمو مكانها عشب, رغم أن الكون يمور بريح عاتية, ورغم ذلك لم تستطع الريح أن تمحو آثار أقدامها، ولأنها تؤمن بالحدس والحلم والخيال فقد اعتبرت أنها مختارة لدور يتجاوز ذاتها. وفى حلم آخر رأت نفسها وحيدة في صحراء, والسماء فوقها خالية من السحب إلى أن جاءت سحابة تركت الكون كله, وصبت عليها ماء أسود قاتمًا قامت على أثره, أضاءت النور وصلت ركعتين في فزع, واعتبرت أن هذا الحلم هو نداء آخر ولذلك قامت وارتدت النقاب لكى تحدث توازنا" في هذا الكون المضطرب، وبخاصة بعد موت المحب، وزواجها من ابن عم لها، كان يقف في العزاء كالبرنس، هذا الغندور، الجميل الصورة والممتلئ بالحيوية والقوة عندما تم الزفاف، وقد كان يتوقع أن يغمره النعيم, اكتشف أنها عكس ما تصور تماما" في هذا الجانب، فكان يظل صابرا" حتى تكاد خصيته تنفجر, فيحلب ذاته ويجلس على كرسي خيزران أمام البوابة يتعجب من النسوة اللاتي يدخلن، والأجسام اللينة التي تستحق أن تغوص السكين في لحمهن.&
&وآخر الليل يفرقع نصف صندوق بيرة، ويلهث حول السرايا إلى أن تخرج الست صارخة: أنت تعمل اضطرابًا في الكون بصوتك المرعب وسلوكك المنحط المنحط.. مش كفاية إنك مش ...؟
&ثم تغلق الباب بقوة, الانسجام, الانسجام.&
وهو ينغلق على ذاته، ثم يسير على المشايات التي تفصل الزهور في الأحواض المثلثة والمكعبة والدائرية، والتي جاءت حسب تصور الست,
&كان سكرانا، ينظر إلى زهور الفل, الياسمين, النرجس, بحقد ويراها السبب في الخديعة. وفى يوم صمم - وهو قليلاً - ما يصمم على شيء أن يفض بكارة هذه السرايا، ولذلك قام مفتونًا بما يملك من فتوة وجبروت، لم يستخدمهم طوال عمره. في رشاقة لص صعد على مواسير المجارى وكسر شباك الحمام ودخل، ومنه إلى الممر الذي يؤدى إلى البهو، ومنه صعد إلى الدور الثالث، وتسلل إلى الصالة, ومنها إلى حجرة الأنتريه
&ابتسم وأوسع فرجة في الستارة فرأى خلالها النساء متخففات من ثيابهن السوداء، ولحومهن الشاهقة البيضاء تتألق ويتطوحن على صوت موسيقى ناعمة وجسومهن الطرية اللينة تهتز اهتزازًا" خفيفًا" حتى يمسسن بعضهن مسًّا", روع وأحس أنه قد تم إسقاطه, تركه تمامًا وأنه في حالة ضياع لم يعرف إلى أي مدى إلا عندما سمع صوت هند يخرج منها عذبًا وصلبًا تهتز له السرايا وتشهق شهقات مروعة حتى لم يعد قادرًا على الاحتمال، أخذ يجري وينزل درج السلم في جنون، يبحث جوار الجدار عن بندقيته الميزر إلى أن وجدها وأخذ يحرك الأجزاء متوعدًا:& لازم القحبة تموت.&
&يضع رصاصات ويضغط على الزناد لكن البندقية تكدب منه بسبب الصدأ، وفى عنف تجاربه انطلقت رصاصة في رأسه فتهشمت وسقط ميتًا، والنسوة المعتكفات اندفعن بعريهن إلى الخارج. كان ممددًا على الباب, تقدمن من الجثة وحملنها ودخلن به السرايا.&
&