اعلن، في "شيكاغو" بالولايات المتحدة، الاربعاء، الموافق 7 آذار/ ارس 2018، عن فوز المعمار الهندي المعروف "بالكرشنا دوشي" (1927) Balkrishna Doshi ، بجائزة "بريتزكر" المعمارية المرموقة (المكافئة على المستوي المهني لجائزة نوبل)، الجائزة التى تمنح سنويا للمعماريين الاحياء "حصراً"& عن انجازاتهم المعمارية طيلة حياتهم المهنية (وتقدر قيمتها بـ 100.000 دولار). وبهذا الفوز (سبق وان فازت بها زهاء حديد في عام 2004)،& فقد ذكرتنا الجائزة بقيمة العمارة المحلية ، ومعنى الالتزام والواجب الاخلاقي الملقى على المهنيين في ادراكها والتعاطي معها اسلوبياً ونوعياً. اذ ان فوز "دوشي" بها، يحمل رسالة خاصة، مفادها& من ان ثمة& "مفهوماً" آخراً، يمكن ان يكون عليه، ذلك المنجز الابداعي، الذي نسميه <عمارة>. فعمارة هذا الرجل المفعم بالحب الانساني، مثلما هي بعيدة عن البهرجة، فهي "ليست مهتمة كثيراً وراء صرعات الاساليب والطرز المتنوعة المتخم بها الخطاب المعماري المعاصر، على الرغم من انه يجعل، وباعترافه شخصياً، ما ينتج معمارياً حديثا في اوربا او في امريكا، هو احد مصادر الهامه الابداعي.&
&وتبقى عمارته، بنماذجها المتنوعة، والمميزة التى داب على انجازها طيلة 60 سنة من العمل المهني المستمر، العمارة المترعة بالحس المكاني، والمعرفة التامة بتقاليده البنائية، مضاف اليها& الشغف المهني والولع في تقديم كل ذلك لمحتاجيها من الناس البسطاء؛ تبقي تمثل احدى مفاخر الهند واحد تجليات ثقافتها الرفيعة. وهو يقول جوابا عن سؤال، عن ما يعنيه لديه كرائد لعمارة الاسكان منخفض الكلفة، وما حققه في مشروع "ارانيا" في ولاية "ماديا برادش"(وهو مشروع اسكاني ضخم انجزه بالثمانينات، لسكن ذوي الدخل الواطئ) واهتماماته العميقة بالجانب الاجتماعي وربطه في الناتج المعماري، يقول "عندما كانت اتجول، ليلاً، في شوارع مدينة "مومباي".، شاهدت الناس المهاجرين من انحاء الهند، وهم يفترشون الارصفة نياماً، وبقيت تلك الصورة عن حياتهم الليلية في ذاكرتي طويلا ولا يمكن محوها او ازالتها. وقلت ، حينها، لنفسي، اليس هذا جزءا من الهند، اليس هم شعبي؟ وقررت، عنداك، باني ساعمل لهذا "النصف الثاني"، واقدم رؤيا عن كيفية عيش اؤلئك الناس، وكيف لنا ان نبني لهم. ويبقى السؤال لدي عالقاً (يستطرد في اجابته "دوشي") ما هو دور المعمار؟ هل يفترض به ان يشيد صروحاً فقط؟، هل يتعين عليه العمل مع زبائن محددين؟ اليس الوعي الاجتماعي جزءاً من واجب المعمار؟ ولقد كان هذا تحديا حقيقيا لي، لكني سعيت الى مواجهته!"
ويشعر كثر من المعماريين والمخططين، (مثلما، ايضاً، اشعر شخصياً)، بفخر، بما اجترحه هذا المعمار المجد، وخصوصا مقترحاته، ومشاريعه، ودراساته في ايجاد حلول مرضية لازمة السكن ، وخصوصا في مشاريع اسكان ذوي الدخل الواطئ، فاني ارى ، ان ما كنت انادي به طيلة سنين عديدة، من خلال دراسات ومقالات كثيرة نشرتها في الميديا العربية، بضرورة واهمية التعرف والتعلم لما حققه "الآخر":& القريب والمجاورفي ايجاد حلول لمثل تلك& المشاكل المزمنة التى تواجهها مجتمعاتنا، والتى يتتطلب حلها، فيما يتطلبـ المعرفة العميقة وادراك ما انجزه الآخرون ازاء تلك الاشكاليات المهنية والمعرفية. لقد كتبت، سابقا عن اهتمامات& المعمار "دوشي" والمعمار "جارلس كوريا" واهتمامات معماريي ايران وتركيا وباكستان وغيرهم، عن قضايا مهنية واجهتهم مثلما ماوجهتنا، وناديت بقيمة تلك الحلول ونفعيتها وبضرورة التعلم منها. لكن تلك الاشكالية المعرفية، مع الاسف، بقيت غائبة عن النشاط المهني وادبيات خطابه السائد في مجتمعاتنا. وهو امر، يعوق، من دون ادنى شك، مسعاينا للوصول الى حلول مقنعة وعقلانية لتلك القضايا المهمة التى بقيت غالبيتها بدون حل، وحتى من دون اهتمام. ولعل فوز "بالكرشنا دوشي" بهذه الجائزة المرموقة، يسهم في اعادة الانتباه لمقاربته المعمارية، ومن ثم اعادة قراءتها ضمن اشتراطات وخصوصية مجتمعاتنا.
واذ نحتفي بعمارة "دوشي" ونحييّ فوزه بجائزة "بريتزكر"، فاننا نحتفي بعمارة مبدعة ومميزة ، حافلة بالحس الانساني، الذي تاق المعمار الهندي المعروف، ان تكون السمة الاخيرة تلك، عنوناً لعمارته/ ومبررا لوجودها؛ هو الذي لم يقتصر نشاطة على& الانتاج المعماري لوحده، وانما شمل ايضا اهتماماته الكبيرة في الدرس الاكاديمي، ورعايته ومساهمته في رسم وتوجيه المشاريع التخطيطية والاسكانية للكثير من مدن الهند.
ولعل الصور التى انشرها مع هذا المقال/ التحية، تعطي انطباعا عن منجزه الابداعي، وتظهر، بوضوح، مفردات معجم عمارته المميزة والآسرة في آن!&
&
معمار وأكاديمي