ترتبط أثينا في أذهان الكثيرين بكونها مهد الديمقراطية والفلسفة، لكن ما يغيب عنهم أو يصعب تصوره هو أن مواطني هذه المدينة كانوا محاربين أشداء يكرّسون حياتهم لحروب لا تنتهي.

إيلاف: يعرف من يطلع على تفاصيل العالم القديم وأحداثه قصص الحرب بين مدينتين إغريقيتين هما أثينا وسبارطة، وكانت كل منهما دولة منفصلة عن الأخرى، لها مصادر ثروتها وجيشها وحكومتها المختلفة. 

كان لأثينا نظام ديمقراطي، ظل قائمًا لفترة طويلة، كما كانت تمثل قوة بحرية مهمة، اعتمدت في صناعة الثروة على التجارة مع مناطق أخرى في البحر المتوسط. أما سبارطة فاعتمدت على الزراعة، ولم يقم فيها نظام ديمقراطي.

في القرن الخامس قبل الميلاد على مدى السنوات بين 460 و405 قامت حروب عدة بين هاتين المدينتين وحلفائهما، راح ضحيتها ما لا يقل عن 100 ألف شخص. تحمل هذه الحروب اسم الحروب البيلوبونيسية، وظلت مستمرة حتى تمكنت سبارطة وحلفاؤها من دحر أثينا وأسطولها.

لأهمية هذه المرحلة في التاريخ القديم صدرت المئات، إن لم نقل الآلاف من الكتب عنها، كتبها متخصصون في التاريخ اعتمادًا على مصادر تاريخية عاصرت تلك المرحلة.

في هذا الإطار صدر كتاب جديد يحمل عنوان "طاعون الحرب" للمتخصصة جنيفر روبرتس أستاذة الكلاسيكيات والتاريخ في جامعة سيتي نيويورك، ويقع في 448 صفحة، وهو من إصدارات جامعة أوكسفورد.

مهد الديمقراطية
ترتبط مدينة أثينا في أذهان الكثيرين بكونها المكان الذي ولد فيه مفهوم الديمقراطية، وتطورت فيه أفكار فلسفية ومعمارية وفنية مهدت لإبداعات لاحقة في عالمنا الحديث. لكن ما لا نعرفه أو يصعب علينا تصوره هو أن مواطني هذه المدينة كانوا محاربين أشداء أيضًا يكرّسون حياتهم لحروب لا تنتهي. يذكرنا هذا التناقض بأحوال العالم الحالي، حيث كل شيء يتطور، ولكن الحروب لا تزال تدور هنا وهناك.

تركز المؤرخة على مجريات الحروب تحديدًا، غير أنها تفسح أيضًا أماكن خاصة لسقراط وأفلاطون، ناهيك عن إسخيلوس وسوفوكليس ويوربيدس وأريستوفانيس. 

والملاحظ أنها اعتمدت على مصدر تاريخي مهم عن تاريخ هذه الحروب، كتبه المؤرخ ثيوسيديديس، الذي عاصر أحداثها وسجلها في كتابه "تاريخ الحرب البيلوبونيسية"، الذي يعتبره المتخصصون أكثر المصادر موضوعية وواقعية.

توقف غامض
لكن ثيوسيديديس لم يغط فترة الثلاثين عامًا التي سبقت هذه الحروب ومهدت لها، وهنا تعتمد روبرتس على هيرودوت، وكان من معاصري ثيوسيديديس، لكنه كان أقل واقعية منه، ورسم صورة عامة عمّا سبق نشوب هذه الصراعات ابتداء من عام 490 قبل الميلاد، وهي الفترة التي تمكنت فيها سبارطة من التحالف مع مدن إغريقية أخرى لصد هجوم جيش فارسي حاول اجتياح منطقة الإغريق.

إلا أن رواية ثيوسيديديس توقفت لأسباب غامضة في عام 411 (وهناك نظريات عديدة بالتأكيد طرحها أكاديميون لشرح ما حدث ولماذا)، وهو ما يدعو المتخصصة إلى اللجوء إلى مصادر أخرى مهمة، بعضها كتب في فترات لاحقة لعصر ثيوسيديديس. ومن بين من اعتمدت عليهم ديودوروس وزينوفون وبلوتارخ.

بعد ذلك تعود الكاتبة إلى أثينا التي تمكنت في الأعوام 390 من تجاوز أزمتها وسقوطها، لتبرز مجددًا كقوة يحسب لها حساب في الساحة الإغريقية، حيث تمكنت من تشكيل تحالف جديد مع مدن يونانية أخرى، منها كورنثوس، لتتوصل إلى دحر سبارطة في حوالى 360 قبل الميلاد.

لكن هذا الإنتصار لم يدم طويلًا، إذ برز نجم الملك فيليب المقدوني، والد الإسكندر المقدوني، الذي وضع حدًا لكل الصراعات في المنطقة، لتبدأ معه الحقبة الهيلينية، ولتنفتح أمامه أبواب آسيا.

ولاءات حسب الرغبة
يتضمن هذا الكتاب تفاصيل عديدة عن التاريخ الإغريقي القديم، ولكن النقاد لاحظوا أنه يتضمن المئات من أسماء قادة الحرب ومن السياسيين الذين ارتبط وجودهم بهذه الصراعات، ناهيك عن أسماء المناطق والتلال والجبال والأنهار والطرق ومعالم جغرافية أخرى عديدة.

مع ذلك، يثمّن النقاد قدرة الكاتبة على طرح سرد تاريخي بلغة أنيقة وحيوية مع المرور على أحداث أخرى غير حربية، مثل محاكمة سقراط وانتحاره أو مسرحيات اشتهرت في ذلك الزمان، كان من أهم كتابها أرستوفانيس المعروف بانتقاد السلطات والسياسة والحكم.

هناك أيضًا قصة الجنرال الأثيني السيبياديس، الذي كان يغير ولاءاته حسب الرغبة، فنراه يقف مرة مع أثينا، ثم يحول سلاحه ضدها، ويقف إلى جانب سبارطة.

يتضمن هذا الكتاب معلومات مهمة تساعد القارئ على تتبع السنوات والأحداث أولًا بأول، إضافة إلى فهرست وخارطة اليونان القديمة.

أما أغرب ما يستخلصه القارئ منه حسب رأي النقاد فهو أن المسافة الفاصلة بين أثينا وسبارطة لا تتجاوز 160 كيلومترًا، وهو رقم لا يتناسب على الإطلاق مع عدد القتلى الذين سقطوا في الصراع بينهما!.


أعدت "إيلاف" هذا التقرير نقلًا عن "واشنطن إنديبندنت ريفيو أوف بوكس". المادة الأصل على الرابط أدناه:

http://www.washingtonindependentreviewofbooks.com/bookreview/the-plague-of-war