هل تشكل معاداة السامية تعديدًا للسلام المجتمعي في ألمانيا؟.. حاول دافيد رعنان الحصول على جواب عن هذا السؤال، بين أن يكون هذا التهديد حقيقي، أو مجرد نظرية "مؤامرة" تسوّقها إسرائيل.

إيلاف: أجرى الباحث الإسرائيلي ذو الأصول الألمانية دافيد رعنان مقابلات مع أكثر من 70 مسلمًا في ألمانيا، وجمع خبراته هذه في كتاب عنوانه "معاداة السامية بين المسلمين: تهديد للسلام المجتمعي في المانيا؟" Muslim Anti-Semitism. A Threat to Societal Peace in Germany?، يُنشر قريبًا في ألمانيا. 

يقول المؤلف إنه في كل مقابلة عمليًا استمع إلى أوصاف ذات قوالب نمطية ونظريات مؤامرة عن اليهود، منها "أن اليهود يديرون القوى الاقتصادية الكبرى في العالم"، وأنهم "أسسوا النظام المصرفي بكامله".

لكن رعنان يؤكد أنه من غير المعقول الحكم على 1.6 مليار مسلم بجريرة حفنة من المتطرفين، يروّجون خطاب الكراهية في وقت يزداد الحديث في ألمانيا عن معاداة السامية بين المسلمين.

يهود أو إسرائيليون!
كان زهاء نصف المسلمين الذين قابلهم رعنان من النساء، وأنهت غالبيتهم الدراسة الثانوية أو درست في إحدى الكليات الجامعية. 

لاحظ الباحث أن هناك عددًا من الاتجاهات في حواراته معهم. على سبيل المثال، قرأت غالبيتهم شيئًا عن مؤامرة يهودية عالمية أو سمعوا عنها من أصدقاء أو أقارب. قالت مهندسة نشأت في عائلة تركية في ألمانيا إن هناك حديثًا عن أن "العالم تحكمه بضع عائلات، نحو 120 عائلة، وهي عائلات يهودية". وأضافت أنها حقًا تعتقد "أن اليهود يحركون العالم إلى حد بعيد جدًا جدًا، ويسيطرون عليه أيضًا".

اللافت أن الأشخاص الذين تحدث معهم المؤلف نادرًا ما أشاروا إلى القرآن أو إلى مسائل دينية. وكان الشرق الأوسط أكثر أهمية عند غالبيتهم.

يكتب رعنان أن الموضوع المركزي في مقابلاته كان النزاع الفلسطيني – الإسرائيلي، وأن العديد ممن قابلهم كانوا يقولون "اليهود" وهم يعنون الإسرائيليين. وبحسبه، عندما يهتف متظاهر "يهودي، يهودي، خنزير جبان" احتجاجًا على قصف إسرائيلي لقطاع غزة، فإنه لا يعني يهود لندن أو نيويورك، بل يعني الإسرائيليين.

يقول إنه يريد التوصل إلى فهم أفضل للأشخاص الذين قابلهم. ومن الجائز أن تكون لهذا الموقف علاقة بأصوله غير التقليدية. فهو مواطن إسرائيلي - ألماني – بريطاني، ولد في تل أبيب في عام 1946 لعائلة هاجرت من ألمانيا إلى فلسطين حين كانت تحت الانتداب البريطاني في عام 1933. يعيش الآن في لندن، حيث نال الدكتوراه في الدراسات الثقافية، وكتب أعمالًا غير روائية.

قلق مبالغ فيه
قابل رعنان جنودًا إسرائيليين خدموا في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وأحفاد جيل المحرقة النازية ضد اليهود في ألمانيا. كما أجرى هذه المقابلات مع مسلمين في ألمانيا.

تأتي هذه المقابلات في وقت تشهد فيه ألمانيا عددًا مرتفعًا من جرائم العداء للسامية. وسجلت الشرطة في العام الماضي 1453 جريمة من هذا النوع، ما متوسطه أربع جرائم في اليوم، يمكن أن تعزا 1377 جريمة منها إلى صعود اليمن الألماني المتطرف، و58 جريمة صُنفت على أنها نتيجة "أيديولوجيا دينية" أو "أيديولوجيا أجنبية". 

لكن رعنان يعتقد أن القلق في ألمانيا مبالغ فيه. ونقلت مجلة "شبيغل" الألمانية عن رعنان قوله إنه يجد "من الغريب أن يدعي أشخاص أن هناك مشكلة كبيرة مع معاداة السامية بين المسلمين".

أضاف: "هناك حالة ذعر خصوصًا بين اليهود، لا يمكن تبريرها"، مشيرًا إلى أن المسلمات المحجبات كثيرًا ما يتعرضن للمضايقة، لكن هذا نادرًا ما يُناقش في ألمانيا.

ينتقد رعنان منظمات يهودية قائلًا إن المجلس المركزي لليهود في ألمانيا لم يتمكن من النأي بنفسه عن الحكومة الإسرائيلية التي تستخدم معاداة السامية "سلاحًا سياسيًا"، ويصف اللجنة اليهودية الأميركية في برلين بأنها "لوبي يهودي".

بعض الموضوعية
لكن رعنان يبقى موضوعيًا في كتابه، ويتيح لأصوات متعددة أن تعبّر عن نفسها، بما في ذلك قول شاب مسلم إنه يريد أن يصادق يهودًا "لأنني أُريد أن أجلس معهم وأناقشهم".

يتحدث فلسطيني عن كراهيته لليهود حين كان مراهقًا، ويتساءل عن جدوى هذه الكراهية. لكن هناك أصواتًا غاضبة أيضًا، منها شاب يتساءل لماذا تُحاط المعابد اليهودية في ألمانيا بحماية الشرطة أكثر من مساجد المسلمين.

أمضى رعنان أكثر من عام يستمع إلى وجهات نظر الأشخاص الذين قابلهم وآمالهم وأمانيهم وتحاملاتهم ومخاوفهم. وهو يقول إن العبارات التي تتردد في الغالب تتعلق بمعادة السامية والنزاع العربي ـ الإسرائيلي، لكن هناك تحت السطح قضايا أخرى، منها مجتمع المهاجرين في ألمانيا وتوتراته وتكافؤ الفرص في البلد.

في النهاية، يخلص رعنان إلى نتيجة مهمة: "ليس الإسلام هو المشكلة، بل الحقيقة الماثلة في أن دمج المهاجرين ما زال بعيدًا عن النجاح".

أعدت "إيلاف" هذا التقرير عن "شبيغل أونلاين". الأصل منشور على الرابط:
http://www.spiegel.de/international/germany/david-ranan-wrote-a-book-about-muslim-anti-semitism-in-germany-a-1199942.html