لم يكن رئيس الولايات المتحدة الحالي دونالد ترمب أول من استعمل مصطلحي "الحلم الأميركي" و"أميركا أولًا"، بل كانا موجودين قبل توليه الحكم، ما يدل على أن الحاضر ليس سوى امتداد للماضي وتوكيد له.

إيلاف: بدأ الرئيس الأميركي دونالد ترمب حملته الإنتخابية بإعلان على قدر عال من الأهمية، إذ قال "لقد مات الحلم الأميركي". ثم وفي أول كلمة له بعد حفل التنصيب تعهد بأن يضع "أميركا أولًا". 

الحلم الأميركي يعني حرية ومساواة

هاتان الجملتان دفعتا أستاذة الأدب الأميركي سارة تشرتشويل إلى البحث بشكل محموم عن تاريخهما لتكتشف أنهما لم تبدآ مع الرئيس ترمب، بل كانتا موجودتين قبل ذلك بفترة طويلة. 

بحثت الكاتبة في أرشيف ضخم من الصحف الأميركية، ودرست خطابات، وقلّبت كتبا أدبية، وتصفحت كتابات، وسجلت اقتباسات لتجمع النتيجة لاحقًا في كتابها "انتباه، أميركا: تاريخ أميركا أولًا والحلم الأميركي".

يروي الكتاب قصة أشخاص استخدموا هذين التعبيرين، ليبيّن أن الحاضر لم ينتج من عدم، بل هو امتداد واستمرارية للماضي. 

تضامن وديمقراطية
تكشف لنا الكاتبة عن أن أول استخدام لهذه الجملة جاء ضمن كلمة ألقيت في عام 1895 أشارت إلى فترة حكم الرئيس الأميركي الثامن عشر يوليسيس غرانت (تولى الرئاسة بين 1869-1877). 

لم يعنِ الحلم في ذلك الوقت تحقيق مكاسب مادية، بل كان إشارة إلى الولايات المتحدة، باعتبارها بلدًا يتميّز "بمؤسسات حرة وبقوانين تضمن المساواة، وبفرص عمل متعددة، كما يتميّز بمدارسه وكنائسه".

ثم ما لبثت الجملة نفسها أن اتخذت معاني أخرى خلال الحرب العالمية الأولى، كما تقول الكاتبة، وراحت تشير إلى التضامن الشعبي والحرية والديمقراطية وليس إلى النجاحات المادية ولا الفرص الفردية.

تشير الكاتبة إلى أن صحيفة "شيكاغو تربيون" فسّرت الحلم الأميركي في عام 1916 بالقول إنه يعني "الحرية السياسية والشخصية والمساواة بين البشر".

سلاح ضد الشيوعية
وبحلول أربعينات القرن الماضي تغيّر المعنى مرة أخرى، حيث ابتعد عن مثاليات العدالة والحرية والمساواة، وأصبح يستخدم كتبرير قوي للأنانية والطمع، كما ارتبط بالرأسمالية.

ثم وفي عام 1963 استخدم مارتن لوثر كينغ التعبير نفسه تقريبًا في خطبته الشهيرة "لديّ حلم". وخلال الحرب الباردة أصبح تعبير الحلم الأميركي يستخدم مثل سلاح ثقافي ضد الدول التابعة للإتحاد السوفيتي، وارتبط هذه المرة بالديمقراطية وبالاستهلاك المادي وبالوفرة.

ارتباط بالعرقية
تكشف الكاتبة عن أن عددًا من السياسيين استخدموا هذا التعبير في سباقهم الانتخابي لدخول البيت الأبيض في بداية القرن العشرين، وكان منهم الديمقراطي وودرو ولسون، الذي شغل البيت الأبيض خلال الحرب العالمية الأولى. وكان يعني به منع الشباب الأميركيين من المشاركة في الحرب، التي كانت تدور في أوروبا.

ما لبث المعنى أن تغير لاحقًا، عندما استخدمه السياسي والطيار تشارلز لندبيرغ في أواخر ثلاثينات القرن العشرين، والذي كان يقود حركة معارضة لمشاركة بلاده في الحرب العالمية الثانية، ويدعو إلى الحمائية، كما كان يعبّر عن تعاطف قوي مع النازية. 

تغير معنى المصطلح مرة أخرى، عندما اعتمدته منظمة "كي كي كي" المناهضة للملونين في الولايات المتحدة، ليتحوّل إلى مصدر رعب بالنسبة إلى عدد كبير من الأميركيين من غير البيض. وتكشف الكاتبة عن حوادث مروعة ارتبطت بهذا المعنى الأخير، ومنها إحراق 28 شخصًا على الأقل على الأوتاد بين 1918 و1921. 

روايات ناقلة للحلم
تلاحظ الكاتبة أن تعبير الحلم الأميركي ورد في عدد من الأعمال الأدبية الأميركية، ومنها رواية "غاتسبي العظيم" لسكوت فيتزجيرالد (1925)، كما استخدمه سانكلير لويس في قصته السياسية الساخرة "لا يمكن أن يحدث هنا" (1935).

ويروي سانكليز في هذا العمل قصة سياسي شعبوي وديماغوجي يفوز بالسلطة، ثم ما يلبث أن يؤسس قوة عسكرية موازية للجيش ويعتبر أي شكل من أشكال المعارضة خروجًا عن القانون. 

استجواب والد ترمب 
لا تذكر الكاتبة اسم دونالد ترمب إلا في المقدمة والخاتمة، فيما تركز على تاريخ أميركا الثقافي، لا سيما خلال النصف الأول من القرن العشرين. لكن القارئ يشعر بوجود شخصية الرئيس في كل الفصول.

من ضمن الأحداث المعبّرة التي ذكرتها الكاتبة مسيرة نظمتها منظمة "كي كي كي" في كوينز في نيويورك في عام 1927، والتي بدأت سلمية، ثم ما لبثت أن تحوّلت إلى العنف. تجد الكاتبة تشابهًا بين هذه المسيرة وتظاهرة نظمها اليمين، الذي يؤمن بتفوق البيض في شارلوتسفيل في فرجينيا في عام 2017، والتي تحوّلت إلى العنف هي الأخرى، وأفضت إلى مقتل سيدة وإصابة آخرين. 

تكشف الكاتبة عن أن مسيرة عام 1927 انتهت باعتقال سبعة أشخاص، كان منهم خمسة من أعضاء منظمة كو كلوكس كلان، بينما كان السادس أحد المارة، الذين تصادف وجودهم في المكان في تلك الساعة، وقد أخلت الشرطة سبيله.

أما الشخص السابع فقد استجوبته الشرطة، ثم أطلقت سراحه، لأسباب غير واضحة حتى اليوم. وكان هذا الشخص في الحادية والعشرين من العمر، من الجيل الثاني لأسرة ألمانية مهاجرة. وكان اسمه فريد ترمب... والد الرئيس دونالد ترمب.

 أعدت "إيلاف" هذا التقرير نقلًا عن "الغارديان". المادة الأصل منشورة على الرابط أدناه

https://www.theguardian.com/books/2018/apr/21/end-of-the-american-dream-the-dark-history-of-america-first