في ذلك الصباح فتحت عيني فوجدته قد ترك لي على وسادته بطاقة لدعوة عشاء ووضع فوقها وردة بيضاء، لقد كان يذكر كثيراً بأن الوردة البيضاء يخص بها والدته فقط، لذا لم أفهم سبب اختياره لهذا اللون؟ ولم أفهم سبب هذه الدعوة لقد بقي على تاريخ حفل زفافنا ليلتين، أتراه قد تعمد استعجال الفرح؟، أم أراد أن يجذب انتباهي باهتمامه في الأيام والأعياد التي جمعتنا؟!
لم أعرف حينها، ولكن ما كان يشغلني هو زينتي، وكيف كنت سأستعد لتلك الدعوة؟.
أصبحت بعدها أبحث عن كل ما لم يسبق وأن رآني به، لون مميز ومختلف، قرط جديد وطويل يتناسب مع الفستان الذي اخترته، طلاء أظافر تحبه عينيه ولم أكن قد وضعته من قبل.
أذكر بأنني وصلت على الموعد وأنا بكامل أناقتي، وكنت على يقين بأنني أكملت جميع التفاصيل التي تناسب ذوقه وتجذب انتباهه، جلست على الطاولة& التي& تم حجزها.. انتظرت لساعة كاملة لكنه لم يصل، أخذت تراودني الشكوك حول غيابه، اتصلت به ولكن هاتفه كان مغلقاً، عاودت الاتصال مراراُ لكن لم يكن هناك أي فائدة، ولم أعرف ماذا أفعل !
مرت نصف ساعة أخرى ثم بدأت أشعر وكأنني أجلس على جمر الخوف والشكوك ، فلم يسبق وإن دعاني إلى العشاء بهذه الطريقة ولم يسبق وأن ترك جهازه مغلقاً دون أن يبلغني بأنه سوف ينقطع عن الخدمة.
بعد ساعة ونصف تقدم النادل نحوي ووضع طبقاً& أمامي وقام بفتح زجاجة الماء وملئ الكأس لأشرب منه، نظرت إلى& الطبق فوجدت ورقة لفت حول وردة بيضاء، الوردة ذاتها.. الجوري الأبيض الذي كان يخص به والدته !.
فتحت الورقة وأخذت أقرأ بخوف :
" إلى تلك السيدة التي احتوت قلبي لمدة عام كامل، إلى التي في كفها مجرى نهر من الحنان وفيض من كرم المشاعر، إلى الفتاة أولاً والصديقة ثانياً والحبيبة والأم ، لقد كنت في هذه السنة التي قضيناها في ذلك العيش الصغير الذي تحول برعايتك إلى جنة دافئة مليئة بالحب والتقدير.. لقد كنت في هذه السنة كبيرة وكثيرة علي، وأقولها صدقاً لأنني أدرك جيداً بأنني لا أستحق أن تكون لي امرأة مثلك، ليس لأنك كاملة بل لأنني وجدت في عيوبك محاسن تستر عيوبي وتسد نقصي وتكمل حاجتي وإن لم أطلبها.
&أنا يا مرأة كاملة في نظري& رجل كان يظن بأنه لن يحب امرأة كما أحب أمه، وكنت دائم الظن بأن امرأة واحدة لا تقدر على سد حاجة الرجل ولكن معك أدركت بأنني كنت أتوهم، وبأن العيب الذي أحمله بجهل مني كنت اسقطه عليك، لذا أقول صراحة أنا رجل أضعف من أن يكتفي بامرأة واحدة، وأنت لا يليق بك سوى رجل يرى فيك جميع النساء، رجل تنتظرينه فيعود، تنظرين إليه فيتجذر معك بأسرة كبيرة، تطلبينه فيجيبك بسخاء وفير، إذا غبت بعذر حفظ قدرك وحفظ نفسه ورغبته ، لذا قررت أن ننفصل لتجدي مكانك في السماء وأجد نفسي على الأرض، تتجذرين كشجرة، وأنا أسافر سيراً باحثاً عن ظل ".
وضعت الورقة بهدوء& بعد أن نقشت كلماتها على صفحات ذاكرتي بوجع، لم استطع طويها لأنني أدرك جيداً كم كنت مخلصة وصادقة بكل ما قدمته له ، ولم استطع أن أذرف دمعة واحدة لأنني لا أستطيع نكران صدق كلماته، ومع ذلك لا أستطيع تجاوز تلك الصدمة دون حزن، لكنني كنت على يقين بأنني سأخرج من هذه المرحلة وأنا أحلق نحو سماء تسعني وحدي.
وخرجت إلى حياة& أخرى مسافرة من ذلك العش الذي كنت أشعل به مدفأة الحب وحدي، إلى وطن رحب يحمله صدر رجل يقدر عائلته، رجل لا انتظره لأنه يحيا معي أدق تفاصيلي، ولا أشتاق إليه بل أتشوق للمستقبل معه ، ولا أخشى الغد بقربه لكن أخشى أن يأتي غد لا تطل فيه الشمس من عينيه.&
اليوم وكلما مرت بذاكرتي صورة من تلك التجربة، تركت سلامي لذلك الرجل الزائر الذي مر بحياتي ذات سنة.