&حين تحتفل امرأة في الخمسينات بعيد ميلادها لوحدها: لم تعد تنطبق علي كلمة امراة وحيدة وغريبة ومهاجرة، فالمدينة مدينتي ولي فيها ذكريات ومعابر، والعالم غرفتي وبيتي. في عيد ميلادي يوم 29 ايار-يوم الثلاثاء.. قررت أن احتفي بنفسي كما يليق بامرأة في الخمسينات، عنيدة وصلبة هشة قاسية وضعيفة، حنونة، وشرسة، واثقة من فكرها، وغاضبة على مجتمعها وكل الاعراف التي كسرت قلب ورأس وأنف بنات جيلها. غاضبة كما يليق بامرأة تعرف أسباب الغضب ولا تصمت عنها الى الابد. هادئة كما بقايا الموج بعد ارتطامه بالصخر.

هل هذه أنا حقا؟ نعم، هذا ما أعتقد أنه أنا، بتقديري.&
انهيت من عملي باكرا، ولم أقبل أي طلبات أو تصالات خاصة بالشغل في يوم الثلاثاء.&
الموظفة السمراء التي اتصلت بي كي من اجل العمل (حالة طوارئ) ، قلت لها: اليوم عيد ميلادي ولا اريد أن اسمع مشاكل اجتماعية، فضحكت وقالت: اسمعيني دقيقة. ابتسمت وقلت نعم. نظفت المرأة حنجرتها وراحت تغني لي : هابي بيرثدي(عيد ميلاد سعيد) فاجأني صوتها الجميل. ثم تحدثنا عن مشروعي للنهار، فقلت لها: اريد أن اذهب الى صالون للعناية بالقدمين والأظافر. فقالت: انتظري، سأبحث لك عن مكان قريب وابلغك. غابت قليلاً، وكنت حينها (اسأل محرك غوغل) عن دليل.&
وجدت المكان، وأعطيت لنفسي استراحة ساعة ونصف في الصالون. الفتاة الصينية الصغيرة الحجم والعمر، كانت يدها الصغيرة تكاد تضيع في يدي وهي تقلم الأظافر وتفرك راحة اليد. شعرت بالشفقة عليها، لم أجرؤ أن أسألها عن عمرها. فيما كانت المرأة الاخرى تنظف قدمي وأظافري وتصبغها بلون صيفي حار وترسم على الاصبع الكبير وردة صغيرة.&
أكتب الان ووردة بيضاء على ظفر اصبعي. للمرة الاولى في تاريخي اسمح للغرباء أن يرسموا على أظافر أصابعي. لقد رسم العالم وكائناته وكتبوا على روحي وقلبي الكثير خلال نصف قرن وسنوات، ومنه المؤلم ومنه الجارح ومنه اللذيذ ومنه الحميم، ومنه المترع بالاسرار والضبابية.&
...
كان لي أن أدعو نفسي بعدها الى غداء في مطعم ياباني. كان المكان هادئا جدا، وكانت تماثيل بوذا تبتسم لي هنا أينما توجهت عيني. وجه تغمره ابتسامة ونظرات الى اسفل العالم. تأملت المكان. وأعجبتني سلطة المانغو والاشياء الاخرى الدسمة التي اكلتها دون أن أفكر بالحريرات كثيرا. كان الجو حارا في الخارج والرطوبة عالية كما حال مدينة تورنتو في الصيف فأخذت جرعة من الجعة ...وفكرت بالصعود بعد الاكل الى برج تورنتو الذي كان أعلى برج في العالم الى ان تم تدشين "برج خليفة" في الامارات.&
ان تنظر امراة شرقية الى العالم من أعلى برج في العالم وهي لوحدها في عيد ميلادها، مسألة وجودية.&
...
صديق قديم كتب لي تهنئة وقال: اتمنى لو كنت مع في هذا ك اليوم، أتمنى لك كل السعادة....دادادادادا...
ابتسمت وكتبت ردا اشكره فيه وأقول: حسنا، انا ذاهبة الى الاعالي، الى برج تورنتو، ستجدني هناك...
...
حين انتهيت من مشويري تأملت طويلاً أظافر قدمي، وتحدث معها بشكل سري. أما أصابعي المطلية بالازرق، فعلاقتي بها حميمة ولنا أحاديث يومية. أصابعي الوحيدة التي تعزف على كيبورد الكمبيوتر الذي في حضني، تعرف سيرة قلبي. وتخذلني كثيرا احين أطبع كتاباتي وأنا في طريقي الى العالم. يهتز الباص، تهتز اصابعي، تنقلب الحروف، تنظر صديقتي الى كتاباتي وتبتسم وتقول: اغلاطك الشائعة، مضحكة... أقول نعم... لا بأس، التصحيح مسموح.&
...
أعود مساء كي اكمل عيد ميلادي مع ابني سلام وزجته. نخرج معا كي نحتضن بعضنا ونتبادل الأماني والاخبار والتعليقات على الاوضاع المحلية والدولية. نشرب نخب الغد، نخب الحياة في اليوم التالي.&
أعود الى بيتي ومعي زريعة جديدة جميلة، أضعها في الركن. احتضن نفسي بحب وأتأكد ان الباب مقفل وان الهاتف الخليوي مقفل وبعيد عن كأس الماء الذي أشرب منه كلما تشققت أحلامي.&
فكرت بأمي البعيدة التي لا تتذكر عيد ميلادي، تكلمت معها في سري طويلا، وقلت لروحي: سأكتب قصة أمي أن بقيت على قيد الحياة وبقيت أصابعي معي.
&
بعض النساء الوحيدات، نساء مزدحمات بالاساطير المعقولة واللامعقولة، الجميلة والقبيحة، المترفات بالحب وبالموت، بالجمال ونقيضه.