&

صدر للكاتب والناقد العراقي الدكتور عقيل مهدي يوسف كتابه الجديد الذي يحمل عنوان (شخصية المثقف في الرواية العراقية الجديدة / نماذج منتخبة) عن "دار الشؤون الثقافية العامة" وفي سلسلة "الموسوعة الثقافية"، صممت الغلاف ميساء صالح، جاء الكتاب مسندا بالمصادر والمراجع العربية والمترجمة. يقع الكتاب بـ 153 صفحة من القطع الصغير ، وحمل الغلاف الاخير كلمة تحت عنوان (هذا الكتاب) جاء فيها : (يعالج الكتاب برؤى نقدية عشر روايات كتبت بعد العام 2003 وحاول كتابها رسم مشهد الآثار الكارثية التي حلت بشخصية المثقف العراقي بين جحيم الداخل وتيه الخارج فضلاً عن المكابدات التي سببتها آلة القمع السياسي. وهي تحاول نفي القوانين الموضوعية للتطور الاجتماعي وتدمير وعي المثقف. وفيها ايضا :حرص المؤلف في مبحثه النقدي على متابعة أحادية الخط السردي ابتعد فيه قدر المستطاع عن الثقافة النقدية المترجمة بتفاعل الكاتب الإنساني ضمن صراعات القيم في نسيج الرواية ذات السارد، الوعي بالوجود عبر الأفكار والتشكيل الحضاري والتقاليد الثقافية للرواية العراقية. روايات ما بعد 2003
وفي قراءة صفحات الكتاب لابد من الانتباه الى مفردة (الجديدة) التي يضعها المؤلف ضمن العنوان الكبير لكتابه ، حيث يعني بها النتاجات الروائية التي صدرت بعد عام 2003 ،وهو عام التغيير الكبير في العراق، الذي كسر كل القيود للتعبير عما في نفس الروائي العراقي بعد ان وجد نفسه ازاء جرية النشر وغياب الرقابة الحكومية والتابوات الثلاثة،وصدرت الروايات المنتخبة ما بين (2009 -2012 ) وكأنه يريد الاشارة الى ان اختيارته جاءت بعد وقت طويل وبعد ان نضجت التجربة واستكانت الارواح واستقرت بعد عناء لتكتب بارتياح ،علما ان المؤلف الدكتور عقيل اصدر عام 2012 رواية بعنوان (غراب الطاهرة) رصد فيها المتغيرات ما بعد 2003 ،ومسجلا بعض المظاهر الاجتماعية والسياسية والفكرية .
&
حقيقة البطل المثقف
في كتابه هذا مارس د. عقيل مهدي دوره كمثقف عراقي متابع بدقة وحرص كل ما انتجته الرواية العراقية في السنوات الاخيرة ،وكناقد روائي عرفت عنه الموضوعية، متتبعاً تفاعل الإنسان ضمن صراع القيم الحاد، منددا بالمثقف الساكت القاعد على التل او غير المتفاعل مع حاجات الناس او الذي ما زال يخاف من الشرطي المزروع في النفوس،وقد اختار بعناية الروايات التي تطرق اليها ،حيث يعد هؤلاء الروائيين العشرة من افضل الروائيين في العراق حاليا .وتتأكد قراءاته ويتضح في الروايات، ان البطل المثقف هذا يرفض مبدئياً الرضوخ للضغوطات السياسية والعادات المجتمعية البالية التي تروم تحويله إلى "شيء" أو مستودع لذة، أو رعدة بشرية خائرة إمام مصائد الترهيب والترغيب، أو دمية مسخ تنخرط في قطيع هلامي تتشابه فيه ملامح البشر مع المسوخ في نمط أفكارهم. حسب رولان بارت فأن الراوي في الرواية. "لا يروي بفضل ذاكرة قوية، بل هو يرى الماضي بوصفه حاضراً بفضل ملكة أكثر من إنسانية، مما جعل الفرق منعدماً أو يكاد في الرواية بين الراوي بضمير المتكلم والراوي بضمير الغائب ذلك بوصفه صانعاً أسطورياً للعالم".
&
خط سردي واحد
ابتدأ المؤلف كتابه بتمهيد اوضح فيه انً ظهور الرواية في العراق في مرحلة الاحتلال في القرن الواحد والعشرين بصيغ جديدة متمردة على ما اختزنته طوال الحكومات المتعاقبة وكتبته في سرائرها خوفاً من ملاحقة المؤسسة العقابية الحاكمة .واضاف موضحا في مقدمته: حرصنا في مبحثنا النقدي على متابعة خط سردي واحد، واؤكد هنا على احاديته لانه يشكل جانبا من تدفق تيارات روائية عدة ، ما احرى نقاد الرواية تتبعها بشبكة مفاهيم نقدية متوازنة تبعد قدر المستطاع عن استخدام التقانة النقدية المترجمة من غير تفصيلها اجرائيا في كشف الابعاد التكوينية والنظرية لخصوصية هذه الروايات في بيتئها المحلية الخاصة وتفكيك (مورفولوجيا) مدنها الواقعية والمتخيلة في هيئتها التكوينية ومظاهرها .
&
ثلاثة فصول وعشر نماذج
تضمن الكتاب ثلاثة فصول ، ففي الفصل الاول هناك مقدمة نظرية ومنه تمثلات السرد والتدبير والموقف السردي والخطاب والقصة فيما عالج الفصل الثاني الموروث والاديولوجيا وكذلك فضاء السرد ونظام التحفيز وكذلك البناء السردي، اما الفصل الثالث فقد كان تحت عنوان الاجراءات التطبيقية المنتخبة
فالانموذج الاول كان رواية (المعظم) للروائي طه شبيب الصادرة عام 2012، حيث يرتكز حدث القصة على القصف والتدمير الحربي الذي غير الحال في العراق وحيث الرواية يقود خيوطها وينسجها راو عليم صانع لمكوناتها من ان تعرف على عيون جارته الفاتنة حيث تلتجئ اليه لاسعاف شقيقها الجريح وهكذا تمضي احداث الرواية لتسرد تفاصيل عاشها شعب العراق برمته.
والانموذج الثاني كان رواية (محنة فينوس) للروائي احمد خلف الصادرة عام 2010 ، فينوس هنا في الرواية هي بغداد التي سورتها النكبات والاهوال من كل حدب وصوب وحيث تأكيد
الروائي نفسه (هذه الفينوس هي المدينة التي أحببناها، بغداد التي نعشقها حد الجنون، لك مني ومنها ألف سلام).
اما الانموذج الثالث فكانت رواية (مملكة البيت السعيد) للكاتب حنون مجيد،الصادرة عام 2011، والرواية تدين واقعا اجتماعيا كان مستبدا وكان شموليا وكان التفاوت فيه، الطبقي والاجتماعي، صارما وعنيفا وشديدا وكان الحيف المسلط على الطبقات الاجتماعية الفقيرة حيفا ظالما ووحشيا واختلطت المقاييس
والانموذح الرابع هو رواية (جدد موته مرتين) لحميد الربيعي ، حيث تشرح الكراهية والظلم وانتهاك الحريات وتدمير الانسان وتهجيره ،وفيها قراءة لاحداث وتاريخ العراق خلال تلك المرحلة .
والانموذج الخامس كان رواية (حكايتي مع رأس مقطوع) لتحسين كريماني الصادرة عام 2011، التي تحمي قصة أديب ملتزم مقبل على كتابة عمل أدبي صادم عن الواقع الأليم الذي تعيشه بلدته (جلولاء) العراقية،فيما كان الانموذج السادس رواية (سرير الاستاذ ) لمحمد مزيد الصادرة عام 2009 ، وفيها إدانة النظام السياسي السابق، الذي أثمر للعراقيين الأستاذ وأمثاله!، والاتموذج السابع رواية (مابعد الرماد)لشاكر المياح الصادرة عام 2012 ، وقد استطاع ان يؤرخ ويؤرشف للاضطهاد الذي طال اغلب الفلاحين العراقيين،
ورواية اسفل خاص لاسعد الهلالي الصادرة عام 2012 ، التي يتناول فيها قصة " الفتاة الجميلة ذو الوجه الأبيض المشوب بالحمرة " التي ترافق والدها الشاعر والمدرس العراقي إلى ( اليمن ) هروبا من السلطة الحاكمة
كذلك رواية طه الزرباطي الحصاد وفي الارض المزروعة الغاماً.، الصادرة عام 2012 ، وفيها يوثق الروائي لمرحلة حكم النظام السابق وما جرى خلال هذا الحكم الشمولي من مصادرة لحريات الانسان
والانموذج العاشر هو قصص قصيرة (عين لندن) لفاتح عبد السلام الصادرة عام 2011 ، وترصد حياة المهاجرين في بريطانيا والكتاب يستحق عرضاً وتحليلاً مسهباً يمكن ان تستوعبه ودراسة تشير الى المعالجة الذكية للمؤلف في نقص الوقائع والاحداث بلغة نقدية غابة في الرصافة.
جدير بالذكر ان الناقد والفنان المخرج د عقيل مهدي يوسف ولد في الكوت عام 1951 ، أنهى البكالوريوس بجامعة بغداد كلية الفنون الجملية قسم الفنون المسرحية عام 1972 حصل على شهادة الماجستير والدكتوراه من جامعة فيتس / بلغاريا عام 1982-1983 تدرج بالوظائف بدءا
من مدرب فنون في كلية الفنون الجملية مرورا بأستاذ في قسم الفنون المسرحية ومن ثم رئيسا لقسم الفنون المسرحية ، وانتهاءا بمنصب عميد كلية الفنون الجميلة جامعة بغداد .