شهادات ميدانية جمعها صحافي غربي عن لاجئين من مناطق شتى حول العالم اضطرتهم ظروف بلدانهم القاسية لمغادرتها فشدوا الرحال نحو أوروبا إلا أن استغلال المهرّبين المادي والجنسي كان لهم بالمرصاد جلادًا آخر.

إيلاف: اعتاد الصحافي المعروف دانيال تريلنغ تغطية القضايا المتعلقة باللاجئين منذ سنوات، وتعتبر مقالاته الأفضل في هذا الشأن الصعب. واليوم جمع ما شاهده وما سمعه في كتاب يمكن اعتباره شهادة حية ومؤثرة جدًا عن أوضاع أشخاص اضطرتهم الظروف إلى مغادرة مناطق سكناهم، ومحاولة الوصول إلى الأراضي الأوروبية بحثًا عن ملجأ وعن حياة كريمة.

إيلاف: يحمل الكتاب عنوان "أضواء في البعد"، وقد جمع فيه قصص لاجئين قدموا من أنحاء مختلفة في آسيا وفي أفريقيا، وفعلوا كل شيء كي يدخلوا أوروبا، التي واجهتهم بأساليب لا ترقى إلى مستوى قيمها التي أرادت أن تعرف بها، مثل قيم الحرية والتسامح واحترام حقوق الإنسان. ويرى الكاتب أن هذه القيم وضعت على المحك في هذه الفترة العصيبة التي بلغت أوجها في عام 2015.

ظروف خيالية
جمع الصحافي في كتابه قصصًا عديدة لأشخاص مروا بظروف قد يعتبرها البعض خيالية، وهي قصص رواها هؤلاء الأشخاص أنفسهم في لقاءات أجراها الكاتب معهم في أماكن بعيدة عن الأنظار، قد تكون بلدات صغيرة في قبرص أو في بلغاريا أو في ألمانيا ودول أخرى. 

لَم يسمِّ الكاتب كل هذه الأماكن، كما لم يسمِّ كل الأشخاص الذين تابع مسيرة بعضهم من بلد إلى آخر، ولَم يتوقف ولَم يستدر بعد عبورهم الحدود، بل واصل متابعتهم، ليعرف كيف يتعاملون مع ظروفهم الجديدة، وكيف يتعامل المحيط الجديد معهم، ثم سجّل كل ما واجهوه. 

الحدود أهم
يقول الكاتب إن الاتحاد الأوروبي قام لضمان عدم تكرار الفظائع التي شهدها القرن العشرين، ولكن أزمة اللاجئين أثبتت أن الحفاظ على حدود أوروبا أهم من أي شيء آخر، وهو ما يوضح طبيعة البشر المعقدة وأبعاد هذه الأزمة وردود الفعل عليها، والمعقدة هي الأخرى. 

ويرى تريلنغ أن الاتحاد الأوروبي، الذي كبر وتوسع وازدهر، كبر معه نظامه العنيف والمعقد الهادف إلى غربلة المهاجرين غير المرغوب فيهم. ثم يكتشف أن هذا النظام لا يتوقف عند الحدود، بل يمتد إلى المدن والبلدات البعيدة أيضًا، ونقرأ في كتابه "الدفاع عن الحدود، وليس الدفاع عن الحياة يبقى أولوية أوروبا".

بضمير الراوي
روى الكاتب كل القصص بضمير الـ"أنا"، وكأن بطل القصة هو من يرويها. هذه أم تختبئ مع أطفالها داخل شاحنة ثلجية، وتسأل: "وهل بإمكاني أن أفعل غير ذلك؟". وهذا مراهق غادر بيت أهله، وأمضى سنوات إلى حين البلوغ يهيم في الشوارع، وينام داخل مبانٍ مهجورة. وهذا طالب اضطر لمغادرة بلده، حيث تدور حرب ضروس، لأنه لم يرد قتل أحد.

جمال شاب من السودان قوي البنية وغير متزوج ومليء بالطاقة، يقيم الآن في مدينة في شمال أوروبا، لم يسمِّها الكاتب، وقد سافر بالطائرة عبر استخدام وثائق مزورة، ونام في قعر شاحنات، وأمضى أيامًا بكاملها في مخزن في إحدى السفن، ومر عبر إزمير وباتراس وفينيسيا وكاليه، وتعرّض إلى عنف، وعرف فقرًا وجوعًا، لكنه لقي بعض التضامن أيضًا من أقران، وهو يعتبر نفسه من المحظوظين. 

تأتي قصة جمال فاتحة لبقية القصص، ومنها قصة زينب العراقية، التي سافرت وحدها برفقة طفليها مرات عديدة، بعد توفير المال الكافي لدفع أجر مهرّبين، ظلوا يتخلّون عنها، واحدًا بعد الآخر. 

استغلال جنسي 
أما فاطمة ففتاة نيجيرية، أخذت على عاتقها تقديم النصح إلى فتيات تعمل على تهريبهن شبكات، هرّبتها هي نفسها إلى إيطاليا. وهي تركز في نصائحها على قضية الاستغلال الجنسي.

اهتم الكاتب بشكل خاص بما يحدث لهؤلاء البشر بعد عبورهم الحدود المحمية، وهم الذين جازفوا بحياتهم، وقطعوا آلاف الأميال عبر صحاري وبحار وجبال وفِي طائرات وشاحنات وقوارب مطاطية، ثم عندما وصلوا وجدوا أنفسهم سجناء داخل نظام يتمنى لو أنهم غير موجودين على الإطلاق.

يقول الكاتب إن هؤلاء الأشخاص أناس عاديون جدًا قد يكذبون أو يخفون معلومات، ويحاولون الالتفاف على القوانين، وكسرها ويرتكبون أخطاء، ويصابون بالكآبة وبالحنين إلى الوطن.

إبعاد المزعجين
بالاختصار هم بشر مثل غيرهم، وهو ما يجعلهم لا يستحقون كمية الإهانات التي يتلقونها، والرفض الذي يجابهون به خلال محاولتهم بناء حياتهم من جديد في أوروبا.

فِي الصفحات الأخيرة من الكتاب يروي الكاتب تفاصيل زيارة أجراها إلى مركز حدودي في أوكرانيا، حيث يعثر على حجرة احتجاز كانت قد أفرغت من شاغليها حديثًا، ثم يكتب "الأشخاص المزعجون وغير الملائمين يوضعون بعيدًا عن العين، وبعيدًا عن العقل هم وقصصهم المزعجة وغير الملائمة التي لا يسمعها، ولن يسمعها أحد".

أعدت "إيلاف" هذا التقرير بتصرف نقلًا عن "إيريش تايمز". المادة الأصل تجدونها على الرابط أدناه
https://www.irishtimes.com/culture/books/lights-in-the-distance-review-how-europe-treats-inconvenient-people-1.3519124