كيف نشأت الأفكار السياسية في الغرب؟

ولدت الأفكار السياسية والفلسفية في الغرب في الفترة السابقة للميلاد، وتأسست مفاهيمها الأولية في مدن الإغريق القديمة وفِي روما، ثم واصلت التطور على مر العصور، حتى بلغت مراحلها الحالية. 

إيلاف من بيروت: يستحق هذا المسار وهذا التاريخ كتابًا جامعًا يشرح البداية والتطورات وفترات الذروة والانحسار والاستقرار، وهو ما نجح في إنجازه أستاذ العلوم السياسية في جامعة باريس الأولى أوليفييه ناي.

يقول الكاتب إن هدفه الأساسي هو توثيق هذا التاريخ وشرح تأثيره على المجتمعات التي عاصرت تحولاته من دون تجريده من السياقات الاجتماعية والمجتمعية والسياسية وحتى البيئية التي رافقته. 

يقع الكتاب في طبعته الثانية ضمن 650 صفحة مقسمة في فصول، يعرض فيها الكاتب تاريخ النقاشات والجدالات السياسية والفلسفية، بتسلسل تاريخي يبدأ في اليونان القديمة، وينتهي بالأفكار الأنغلو-أميركية المعاصرة، مع ذكر الأسماء التي صنعتها، ولكن ضمن السياق الفكري والسياسي والاقتصادي والاجتماعي الذي رافق هذا التاريخ. 

ولدت في الغرب
من المعروف أن غالبية الأفكار السياسية المنتشرة في العالم الْيَوْمَ ولدت في الغرب، وخلقت مفاهيم لم تكن مطروحة في معظم مناطق العالم الأخرى، مثل المواطنة وسيادة القانون وتحرر المرأة وإلغاء العبودية والديمقراطية والليبرالية وحتى الاشتراكية والتعددية الثقافية والمجتمعية. 

كلها ظهرت في الغرب، ووجدت أتباعًا لها في مناطق أخرى من العالم. لذا أراد الكاتب توثيق هذا التاريخ وشرح الظروف التي ساهمت في ظهور هذه التيارات الفكرية في هذه المنطقة الجغرافية بالتحديد، مع تقديم تحليل لمختلف النقاشات الفلسفية والقانونية الكبرى التي رافقته والظروف التي ساهمت لاحقًا في الحفاظ على استمرارية تيارات دون غيرها. 

ما يعرضه الكاتب هي مجموعة المعارف المتعلقة بمفاهيم الشرعية والقانون والسلطة والمتغيرات المادية والمجتمعية والفكرية التي رافقت هذا المسار، مع الاهتمام بالربط بين الأفكار السياسية التي كانت تسود في فترة ما وممارسات السلطة الواقعية خلال العصر نفسه. 

ثمانية فصول
يقع الكتاب في ثمانية فصول، تتضمن أهم الأحداث والأفكار والمفكرين، مع رسم صورة واسعة للسياقات الاجتماعية والسياسية المعاصرة. 

خصص الكاتب الفصل الأول لولادة الفكر السياسي في المدن الإغريقية القديمة، ثم ابتكار روما الدستور القانوني، مع شرح لتركة هذين الحدثين المهمين، وتأثيرهما على تاريخ الفلسفة السياسية في الغرب. 

ويركز الفصل الثاني على الأفكار السياسية في العصور الوسطى، مع شرح لوزن الكنيسة الكاثوليكية والنظام السياسي القائم على الإقطاع. ويرى الكاتب أن هذا العصر، رغم كل مساوئه وعقمه، شهد ولادة أولى الأفكار والدعوات إلى فصل السلطة الدينية عن السلطة السياسية. 

فِي الفصل الثالث يشرح الكاتب الظروف التي رافقت ولادة مفهوم الدولة الحديثة، والفصل بين الدين والدولة، وبين الأخلاق والقانون، ثم ظهور مفهوم السيادة والسلطة المطلقة. وقد ساهمت صراعات وحروب دينية في ذلك الوقت في ظهور أفكار ليبرالية، واُخرى تدعو إلى فرض قيود على سلطة الدولة وصلاحياتها، وهو ما مهد الطريق إلى ولادة المفاهيم الحديثة عن دولة القانون. ثم أعقب ذلك تنامي التفكير الفردي القائم على الفصل بين الفرد والمجتمع، وهو ما قاد لاحقًا إلى ثورة صامتة مهّدت إلى عصر النهضة الذي يخصص الكاتب له الفصل الرابع.

الثورة الفرنسية
تحتل الثورة الفرنسية مركز الصدارة في الفصل الخامس باعتبارها حدثًا فريدًا من نوعه، مع شرح لأوجه الشبه والاختلاف بينها والثورة الأميركية، علمًا أن الثورة الفرنسية أثارت ولا تزال الكثير من الجدالات والتساؤلات عمّا إذا كانت ثورة شعبية بالفعل أم ثورة برجوازية، باعتبار أن من مهّد لها فكريا كانوا من الطبقة البرجوازية. وأحد التساؤلات الأخرى هو هل أسّست هذه الثورة لعصر جديد أيديولوجيًا أم لا. 

يتطرق الكاتب أيضًا في هذا الفصل إلى الصراعات الكبيرة التي دارت في تلك الفترة بين راديكاليين ومحدثين، قبل الانتقال إلى عصر التنوير، الذي يرى الكاتب أنه لم يقتصر على فرنسا وحدها، بل تعداها إلى دول أخرى، ومنها ألمانيا. 

فِي الفصل السادس نقرأ عن فترة غليان أخرى، تمثلت في الثورة الصناعية، التي أدت إلى ولادة الأفكار الاشتراكية، ويخصص الكاتب فيه مكانًا لماركس وإنجلز وشخصيات أخرى أصبحت منسية الْيَوْمَ، تبنت أفكارًا محافظة أو فوضوية أو اشتراكية خلال القرن العشرين. 

في الفصل السابع يعرج الكاتب على أفكار الأنظمة الشمولية، ويتطرق إلى النقاشات الخاصة بأوجه الشبه بين النازية والشيوعية، كما يشرح تقدم الأفكار الليبرالية وتراجعها بعد الحرب العالمية الثانية، ثم الأفكار القائمة على التعددية السياسية، والداعية إلى الدفاع عن المجتمع المنفتح والتمييز بين الحريتين الإيجابية والسلبية. 

أخيرًا يخصص الكاتب الفصل الثامن للأفكار الديمقراطية، لا سيما مع بدء الألفية الجديدة، ويعرج على نظرية العدالة والتعددية المجتمعية والثقافية. ثم ينهي الفصل بنقاش عن الليبرالية التي تغضّ النظر عن انعدام المساواة مع انتقاد ما يدعوه نفاق الديمقراطية، وهنا يكرّس مكانًا خاصًا لنعوم تشوميسكي. 

أعدت "إيلاف" هذا التقرير نقلًا عن موقع "جورنالزأوبن إيديشن". الأصل على الرابط:

https://journals.openedition.org/lectures/21845 

Sent from my iPad