&
هذه رواية عراقية بامتياز، شخوصاً وأحداثاً وأماكن، كأننا عشناها أو نحن أبطالها، قامت على شخصيات ثلاثة منحهم المعموري حرية واسعة من الحركة : جميلة، سالمة، نبيل هم الداينمو المحرك لأحداثها، أما الباقون، أم جميلة، حميد زوج جميلة المفقود في الحرب، كامل أخ جميلة الذي قتل في إحدى جبهات القتال في نفس الحرب، الجندي جميل الأخ الثاني لها، مهند حبيبها قبل أن تتزوج، جبار زوج سالمة، كانوا يظهرون ويختفون بحسب عوالمها المتخيلة التي حاول مؤلفها تحطيم كلاسيكيتها وبناء نموذج أكثر تحرراً - وأقصد هنا جعل ذلك المتخيل وسيلة لإعادة تشييد هويتها كرواية عراقية لا تشبه مثيلاتها من الروايات العربية مع احتفاظه بواقعية سحرية محلية شديدة الانجذاب لأدب أمريكا اللاتينية التي تأثر بها معظم كُتاب الرواية في العراق -.
الرواية تضع الحرب العراقية الإيرانية مفتتحاً لحبكتها، فأبطالها جميعا اصطلوا بنارها منهم
من ذهب مقتولاً، ومنهم من هرب منها وظل مطارداً من قبل الأجهزة العسكرية والحزبية
كنبيل الذي يختبىء في داره ليتعرف صدفة على سالمة التي تسكن بجوارهم والمتزوجة من الرفيق الحزبي جبار الذي يكبرها بأعوام كثيرة والغير قادر على إرضائها جنسياً ولأنها كسبت ود جميلة وأمها ونبيل فقد راحت تصعد إلى غرفته بحجة الإطمئنان عليه بعلم وحضور أمه وشقيقته، هذا المقطع من الرواية يجب أن نتوقف عنده لأن العرف الأخلاقي لا يسمح بتلك اللقاءات والمعموري ذهب بعيدا وكأن سالمة ونبيل يعيشان في مجتمع غير مجتمعنا العراقي لا تحكمه أية تقاليد، من هنا تنشأ بينهما علاقة حب يتوجانها بالنوم سوية في بيتها بعد أن أخبرت عائلته بأنه يجب أن يخرج من البيت لوجود مداهمة للقبض على الفارين من الجيش ومن أرض المعركة بالذات وأفضل مكان يمكن أن يختبىء فيه هو منزلها الذي لا يمكن أن يفكر أحداً بمداهمته لأنه يعود إلى الرفيق جبار الذي لن يتواجد فيه في ذلك اليوم لوجود خفارة حزبية له في مقر الفرقة، لكن بعضاً من رفاقه الذين كانوا يفتشون منازل المحلة يلمحون شبحاً في داره تنكر سالمة وجوده فيه فيضعون ذلك المشهد أمام جبار الذي يكمن هو ومجموعة من رفاقه الحزبيين لنبيل ومن ثم الايقاع به وعلى إثر تلك الصدمة تغادر والدته الحياة حيث نقرأ ما تقوله جميلة فيها :
" ألقيت نظرة على أمي، دنوت منها، راعني صمتها، جامدة كتمثال، حركتها من ذراعها، هززتُ جسدها بقوة، لم تستجب، ناديتها، لم تطرف جفناً لمناداتي " .
يتحول المشهد الأخير من الرواية معلناً نهاية غير سعيدة لحقبة عاشها العراق هي حقبة ثمانينيات القرن المنصرم وما شهدته تلك السنوات من حرب ضروس مع إيران أدى إلى ظهورعوامل نفسية واقتصادية وقلق ارتبط ارتباطاً قوياً بها، جميلة تحاول هنا بعث الأمل في نفسها، ولكن هيهات :
" بعد انتهاء مراسيم العزاء، افتقدت سالمة وغيابها المريب، غدوت وحيدة لا أحد معي، فقد أقلقني غياب سالمة كثيراً، دفعني حنيني وشوقي إلى طرق الباب عليها، فوجئت بوجه جبار الذي أراه أول مرة عن قرب، من بين ضلفتي الباب يسأل عن الطارق، سألته عن سالمة، أخرج رأسه ونظر إليَّ طويلاً، ثم قطب وجهه وتمتم، قائلاً :
- لقد تركت البيت .. ولن تعود إلى هنا ثانية.
سألته عن السبب، تردد كثيراً في الجواب، ثم أشاح بوجهه عني، وأوصد الباب بوجهي ".

" الرقص على إيقاع الغياب " رواية حاولت وعبر صفحاتها ال 195 قراءة تأريخ حقبة عراقية معاصرة من زاوية معينة تعرض فيها الوطن وساكنيه من مختلف أطيافه إلى مأزق الحرب وما جرته من ويلات وضغوط نفسية حقيقية واجهت الجميع، كنا وقتها نتمنى لو أننا عشنا في مكان آخر غير هذا المكان، أو نتطلع إلى الوراء لنستذكر تلك الأيام الجميلة التي مرت من حياتنا في دعة وسلام سرعان ما سلبها منا سياسيو الغفلة أصحاب الحكم الشمولي الذين حولوا أحلامنا بوطن سعيد إلى وطن منكوب تتناهبنا المنافي لنموت بعيدا عن تربته ومياهه وشمسه.&