&
& &صدر للناقد والكاتب العراقي محمد جبير كتابه النقدي الجديد الذي يحمل عنوان (قراءة في النص السردي) عن دار امل الجديدة ، وهو محاولة خاصة في الكشف عن ما ورائيات النص السردي من ايحاءات تكشف زيف الواقع الاني وتتصدى له بشكل ابداعي في نص روائي مميز كتبه الكاتب الروائي حميد الربيعي واطلق عليه (اسم احمر حانة) الصادرة عن دار صفصافة للطباعة والنشر في مصر، ويأتي الكتاب امتدادا للمشروع الشخصي للناقد في نقد الاعمال الروائية .
& & يقع الكتاب في 92 صفحة من القطع المتوسط وتضمن مقدمة وعدة اجزاء ناقشت اغلب الجوانب الجمالية للنص الروائي، فقد كانت المقدمة اشبه بالمدخل للتعريف بخطوات القراءة حيث يقول الكاتب في بداية المقدمة : كان مدرس اللغة العربية البصير يحثنا في كل درس من تلك الدروس على القراءة والتي كان يسميها انذاك المطالعة الخارجية لم نكن نعرف ان البصيركان اكثر منا قدرة وتميزا على رؤية الاشياء وتحديد المهم والاهم انه يرى وكانت عقولنا الغضة تسعى لان ترى وتبصرمكتبة المدرسة فيها الكثير من الكتب لكن لا يوجد من يرشدنا الى قراءة الكتاب) .
&
وقفة عند الغلاف
& &توزع الكتاب على عدة فصول هي : مدخل درس اول في القراءة، القطع التاريخي والبنى المتحركة، النصوص المجاورة التفتيت والمخالفة، المرويات السردية بين النص والمرجع، النص، العتبة والنص، اليات الضبط السردي، المستويات السردية للنص، المستوى الافقي، المستوى العمودي، عين ترصد واخرى تكتب، هندسة النص السردي ، الانغلاق السردي والبنى الفاعلة، وتضمن الكتاب في نهايته السيرة الذاتية للروائي والسيرة الذاتية للمؤلف.
& يبدأ المؤلف رحلته في قراءة الرواية من غلافها ودلائل ألوانه وما تحمله هذه الألوان من اشارات ودلائل تتمثل في النار والدماء والصحارى ، فيقول في قراءته السردية للغلاف : (تثير المكونات التشكيلية لسطح الغلاف الاول اسئلة خارج يقينية الاسم تبدأ من العتبة ( احمر حانه) وما ينتجه من دلالات خارج المكون ، مكون نصية العتبة ، متوافقا مع المكنونات الثقافية للمتلقي) .
& يذكر الناقد محمد جبير في سياق القطع التأريخي والبنى المتحركة ان (اولى المحفزات ايقونة الاسم التي احتلت اعلى صفحة الغلاف لما يمتلكه هذا الاسم (المؤلف) من رصيد في المنجز الروائي )، ويستطرد& قائلا : (لم يذهب حميد الربيعي الى التأريخ بوصفه مدونة او سجلا لاحداث الماضي انما بوصفه فعلا انسانيا قابلا للتجديد والبعث ثانية، اذ يقوم من خلال هذا المنظور بأعادة خلق الحكاية،لا استنساخها او اعادة صياغتها؛لملائمتها لروح العصر وانما يسعى في كل عمل من أعماله الى أيجاد بنية خاصة بالنص السردي الذي يشتغل عليه في مختبره الخاص) .
&
طريقة مبتكرة
& & &المؤلف في قراءة النص السردي اتبع طريقة مبتكرة ،خاصة به ، تكشف عن كل ما يحتويه النص ابتداء من الغلاف الاول الى الغلاف الاخير ناظرا بعين المتفحص لكل ما يحدث على الورق ، فهو يكتشف النص وما وراءه بحثا عما يريد ان يعبر عن الكتاب وهو ما اطلق عليه (قراءة النص السردي) ، مؤكدا ان الروائي حميد الربيعي سعى إلى صياغة حبكته السردية في روايته من المعادلة الاتية : (المدينة& التي انغلقت على حاضرها الماضي، عاشت لحظات انهيارها مثلما انهارت المدينة الحاضر التي انغلقت على إرثها التاريخي ولم تتقدم خطوة إلى الأمام، فقد تشرنقت في الماضي، وخنقت حاضرها) ،تلك الصياغة التي قامت على عنصر المخالفة، فقد جاء نص الإهداء على الشكل الاتي (إلى…مدينة، إن لم تدخلها، كأنك لم تر الدنيا)& & & فيما كانت جملة الختام كالآتي (أي المدن كانت مثل هذه المدينة العظيمة ،وبين الجملتين نقرأ الاستهلال لمدخل رقم 1 الذي نص على (أعطوني برهة لأقرأ ما تبقى من أسرارها اللاهبة، اللاهثة في التيه،دعوني أروي بقية النبوءات) ، ويوضح المؤلف : (فيما تقدم لدينا ثلاث صيغ المخاطب في الإهداء، والحاضر في الاستهلال والماضي في الخاتمة).
&
بنيات ووظائف
ويوضح المؤلف البنيات التي اعتمد عليها كاتب الرواية في نصه وهي : أولا: بنية التوازي، ثانيا : البنية التداخلية، وثالثا : بنية الوحدات الثنائية، وفي كل واحدة يذهب المؤلف الى تشريحها، حيث يؤكد : فنصّ مثل (أحمر حانه) لا يقوم على خطاب معلن فقط (لقد انتهى النهب والسلب الفردي ودخلنا في العام) ، وإنما يذهب إلى إنتاج خطابات مضمرة& تنبع من بين الأسطر وتختفي وراء كلمات وجمل يبثها الكاتب هنا وهناك، ومثلما تعدد خطاب تلك البنيات تعددت الوظائف أيضا ومن بين تلك الوظائف:
أولا: الوظيفة الإخبارية: تقوم هذه الوظيفة بالإخبار عن الوقائع والأحداث في مسارها اليومي التقليدي أو في المتخيل منها والذي يتجسد في الكثير من استهلالات المقاطع الداخلية،التي تسهم في انفتاح النص وتهيئة ذهنية المتلقي إلى استقبال تحولات ومتغيرات النص في تطابقه أو اختلافه مع توقعات المتلقي “أعيد تمثال أبي نواس إلى الشارع بعدما انتهت الحرب الثالثة بسنوات”.
&ثانيا: الوظيفة الوصفية :يوظف الكاتب الفعل السردي في الوصف وهو ما يضفي على هذه الوظيفة جمالية تفاعلية لا ترضخ لطبيعة الوصف التقليدي أو الإنشائي الذي يمهد للفعل السردي،وإنما يكون التمهيد فعلا متداخلا وحركيا من خلال الفعل الذائب أو المذوَّب في الوصف .
ثالثا: الوظيفة الحوارية : تنهض الوظيفة الحوارية بمهمتين، تقرير الحال، وخطوات الحل، لتجاوز ولو بشكل مؤقت للحال التي سبق إقرارها.
رابعا : وظيفة التسكين: تسكين الحركة السردية في النص بما يفتح إلى تفعيل سرد المتلقي لاستباق الأحداث عبر تفكيك جملة الختام إلى وحدات نصية، ترسم له آفاق الحكاية اللاحقة، فإن هذا التسكين هو نقطة تأمل ذاتي لدى المتلقي فيما يكون عنصر ترحيل للحكاية السردية إلى المقطع اللاحق.
خامسا: وظيفة البوح الذاتي: تأخذ هذه الوظيفة دورها في الفعل السردي بعد انتهاء فعل الاستلام الاستهلالي مباشرة بحيث لا تترك مجالا للقطع أو الانقطاع أو تعثر التدفق السردي في النص، وإنما تنتشل النص من حال التسكين في مرحلة الترحيل إلى مرحلة الاستلام الاستهلالي.
&والكاتب محمد جبير من مواليد بغداد عام 1955، درس في كلية الاعلام وتخصص بالصحافة من جامعة بغداد، ودرس الصحافة في معهد البحوث والدراسات العربية في القاهرة، وحصل على الدبلوم العالي في الدراسات الإعلامية، من اصدارتـه: اللهب المطهر / دراسات نقدية عن دار الشؤون الثقافية العامة ، مقتربات النص / دراسة في أدب فؤاد التكرلي أيضا عن دار الشؤون الثقافية العامة، البؤرة / دراسات نقدية عن دار الحرية للطباعة عام 2000، وكتاب يهود العراق / المقدمات التاريخية والخطاب الثقافي ضمن منشورات بغداد عاصمة الثقافة، وغيرها من الدراسات النقدية والبحثية.