إيلاف من الرباط: تنطلق الخميس المقبل بالرباط الدورة 29 للمعرض الدولي للنشر والكتاب 2024، التي ستتواصل فعالياتها، بفضاء "أو إل أم" السويسي على مدى 10 أيام.

وستكون منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (يونيسكو ) ضيفة شرف المعرض، الذي سيعرف مشاركة 743 عارضا، منهم 290 عارضاً مباشراً و453 عارضاً غير مباشر، يمثلون 48 بلداً، اذ يقدمون عرضا وثائقيا يتجاوز فيه عدد العناوين المعروضة 100 ألف، تنتمي في مضامينها إلى مختلف حقول المعرفة الإنسانية.

وكتب محمد المهدي بنسعيد، وزير الشباب والثقافة والتواصل المغربي، في تقديم الدورة أن المغرب لم يتوان،كبلد اللغات المتعددة والروافد الثقافية المتنوعة، في جعل هذه الأخيرة "ركيزة أساسية لمشروعه التنموي".

رؤية ملهمة
أشار المهدي بنسعيد إلى أن الملك محمد السادس وضع نهضة المملكة "تحت ظلال المعرفة والثقافة وحوار الحضارات ". وأضاف: "على هدى هذه الرؤية الملهمة، بوأت وزارة الشباب والثقافة والتواصل الكتاب مكانة الصدارة في مسارنا النهضوي،إدراكا منها أن شعبا متنورا ومتجذرا في تاريخه وهويته ومنفتحا على العالم والقيم الكونية، لا يمكن أن يكون إلا شعب قراءة. إن حضارتنا، بما هي حضارة كتاب، تدرك هذه الحقيقة تمام الإدراك".

وقال المهدي بنسعيد إن المعرض يحتفي هذه السنة بذكراه التاسعة والعشرين، مشيرا إلى أن الأمر يتعلق بـ"سن الرشد والنضج"، لكنه أيضاً "سن التوسع والامتداد، والرسوخ والانفتاح".

وتحدث الوزير المغربي عن استقبال يونيسكو "ضيفة شرف"، مشيرا إلى أن دورة 2024 تؤكد بذلك "الإرادة الراسخة للمملكة المغربية فـي تشريف الكتاب والنشر،ومن خلالهما حوار الثقافات والحضارات الذي تجسده منظمة "يونيسكو". ذلك أن رسالة هـذه المنظمة الدولية، تعد اليوم أكثر راهنية من أي وقت مضى"، إذ "في عالم معرض لتحديات مناخية واقتصادية وجيوسياسية، لابد من استدعاء الثقافة والتراث المادي وغير المادي والتكوين كمنارات إرشادية لإنسانية تهددها نفس الأخطار".

وأضاف الوزير المغربي أن دورة 2024 هي فرصة جديدة لعرض غنى الإصدارات وإبراز الغنى الأكاديمي والثقافي والابداعي المغربي، والإفريقي أيضا".وشدد، في هذا السياق، على أن إفريقيا "الغنية بشبابها وتنوعها الثقافي وإبداعها، ملتزمة بالترويج لكونية متعددة ومتضامنة تحترم فيها الهويات".

تعاون مثمر

يقول المنظمون إن استضافة"يونيسكو"،في دورة هذه السنة،تأتي تتويجا للتعاون"المثمر"بين المملكة وهذه المنظمة الدولية،في "سياق يشهد تحقيق جملة من الاستحقاقات التي تكرس القيمة الاعتبارية لمجموعة من العناصر الثقافية المغربية ذات البعد الإنساني".

أودري أزولاي في حوار مع كتبيين في إحدى معارض الكتاب

وإنطلقت أودري أزولاي،المديرة العامة ل"يونيسكو"،في كلمة لها بمناسبة هذا الاحتفاء الذي يخصصه المعرض للمنظمة الأممية،من رواية "عطر الزهور في الليل"لليلى سليماني،تسلط فيها الضوء على قوة القراءة،بحيث يصير الكتاب"دعوة للقاء الآخر"،و"نافذة نحو العالم الخارجي،نحو أماكن أخرى وأزمنة مختلفة".

ورأت أزولاي أن هذا بالضبط ما تحتفي به في الرباط،بمناسبة المعرض الدولي للنشر والكتاب،الذي قالت عنه إن "يونيسكو" تفخر بأن تكون ضيفة الشرف فيه.

وقالت أزولاي إن هذا "المعرض بفضل حجمه وطموحه،يظهر الالتزام العميق للمغرب بالثقافة، بجميع أشكالها وتعبيراتها".وأضافت:"ندرك هذا بشكل خاص في اليونيسكو حيث إن تعاوننا مع المملكة متعدد ومثمر".

وأشارت أزولاي إلى أنه بعد تطوان في عام 2017 والصويرة في عام 2019،انضمت مدينتان جديدتان في المملكة إلى شبكة المدن الإبداعية التابعة لليونيسكو في عام 2023،هما الدار البيضاء في مجال الفنون الرقمية،وورزازات في مجال السينما.وبالإضافة إلى ذلك،انضمت،منذ فبراير 2024،ثلاث مدن مغربية جديدة إلى شبكة المدن التعليمية،هما الصويرة، أكادير، وفاس. وقبل أيام، جرى الاحتفال باليوم العالمي للجاز في طنجة، لأول مرة على الأرض الإفريقية.

وتحدثت أزولاي عن الترويج لقطاع الكتب ودعم الناشرين والكتاب،بشكل خاص على القارة الإفريقية، مشيرة إلى أن ذلك يشكل"جوهر مهمة"منظمة"يونيسكو".

وأضافت أن هذه الأخيرة تدعم قطاع النشر من خلال شبكتها لعواصم الكتب العالمية،التي تهدف إلى تعزيز القراءة ودعم اقتصاد الكتب.ورأت أن الرباط،والمملكة المغربية تحديدا،تقدم من خلال استضافة معرض النشر والكتاب الدولي سنويا،"مساهمة مركزية في تعزيز قطاع يشهد توسعا كبيرا في إفريقيا، نتيجة لرغبة الشباب الأفارقة في القراءة".لذلك،تحدثت عن سعادة المنظمة،بالمشاركة بشكل أكبر في الاحتفال بقوة القراءة والكتب والكلمات،الذي يمكن من خلال تركيبته اللامتناهية إعادة التفكير في علاقتنا بالعالم وبالآخر.

برنامج

على غرار الدورات السابقة، تشهد دورة هذه السنة تنظيم برنامج واسع من الفعاليات الثقافية التي يشارك فيها كتاب ومفكرون ومبدعون مغاربة وأجانب،بما "يعزز صورة المغـرب كبلـد للقاء والحوار والتلاقح الثقافي".

ويقترح برنامج الدورة 243 فعالية ثقافية،تتوزع ما بين ندوات ومحاورات، وتقديمات كتب صادرة حديثا، إلى جانب فقرات تكريمية يتم فيها الاحتفاء ببعض رموز الثقافة المغربية.كما تخصص الدورة فضاء للأطفال، تقدم فيه ورشات فنية وعلمية، تروم تعزيز علاقة النشء بعالم الكتاب والقراءة، مع استحداث فضاء جديد خاص بالأبطال الخارقين، يقوم على تنشيط ورشاته مشاهيرُ رسامي ومبدعي قصص عالم "مارفل" و"دي سي". كما تواصل الدورة اغتنام الفرصة لتجديد النقاش والتداول بين مهنيي صناعة الكتاب وخبراء القراءة في إطار فقرات مهنية تقدم مقترحات ورؤى المتخصصين في المجال.

وتراهن الدورة، من خلال برنامجها،بحسب المنظمين،على "تعزيز مكانة المعـرض الدولـي للنشر والكتاب كملتقى ثقافي ذي جاذبية دولية لا تفتأ تتزايد في ضوء ما تحققه الثقافة المغربية من طفرات على الساحة الوطنية والإقليمية والدولية، وبما يشهد على مكانتها المركزية وأدوارها الفعالة فـي إسناد مشاريع التنمية الاجتماعية والاقتصادية" التي تعرفها المملكة.

خلفية تاريخية

يعود تنظيم أولى دورات المعرض إلى عام 1987، أيام الوزير محمد بن عيسى، قبل أن تتحول هذه التظاهرة الثقافية، على مدى سنوات، إلى موعد ثقافي سنوي يحظى بمكانة مميزة على أجندة المعارض الدولية، فيما شهد منذ دورة 2022، انتقالا استثنائياً من الدار البيضاء، التي احتضنت تنظيمه على مدى الدورات السابقة، إلى الرباط.

ويؤكد المسؤولون المغاربة أنّ الثقافة كانت على الدوام جسراً رابطاً بين الشعوب لِما تحمله من بصمات إنسانية؛ وقد أصبحت أخيراً قاطرة للتنمية لِما تختزنه من مؤهلات الصناعات الثقافية والإبداعية. كما يشددون على أنّ النهوض بالكتاب والصناعات المرتبطة به، يظلّ رهاناً لا ينفصل عن انشغالات التنمية الشاملة التي ينخرط فيها المغرب، مشيرين إلى إيلائهم أهمية بالغة لمختلف العناصر المكوّنة للتعدّد الثقافي الوطني، وتسخير مختلف آليات التدبير العمومي لبناء أُسس مجتمع المعرفة وتعزيز الإشعاع الثقافي الوطني والدولي للمغرب.

ويرى المسؤولون المغاربة أنّ المعرض لطالما شكّل آلية يضعها قطاع الثقافة بتصرّف الفاعلين في الحقل الثقافي للمساهمة في النهوض بمجال الكتاب والنشر وما يرتبط بهما من فكر وإبداع وصناعة ثقافية، مشددين على أنّ برنامجه سيظلّ وفياً لهويته الثابتة في الاحتفاء بالتعدّد اللغوي والتنوع الثقافي عبر حضور المكوّنات العربية والأمازيغية والحسانية والعبرية والمتوسطية؛ وللعمق الأفريقي للمغرب بمواصلة الاحتفاء بالثقافات الأفريقية، مع الانفتاح على باقي العالم انسجاماً مع الهوية الحضارية المغربية المبنية على الحوار والتعايش.