انطلقت قبالة مياه الصحراء الغربية، في خطوة غير مسبوقة، أعمال للتنقيب عن البترول من قبل كونسورتيوم من شركات نفط عالمية، ما قد يثير، برأي المحللين، موجات مد وجزر يمكنها افساد ما تبقى من فرص لحل النزاع.

الرباط:ولا تزال الصحراء الغربية منطقة متنازعاً عليها بين المغرب الذي ضمها الى اراضيه منذ ما يقرب من 40 عاماً في خطوة لم يعترف بها المجتمع الدولي، وبين جبهة تحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب (البوليساريو).
وظل موضوع استغلال المغرب للموارد الطبيعية لهذه المنطقة، قضية رئيسية في النزاع مع جبهة البوليساريو التي قادت نزاعًا مسلحًا من أجل الحصول على الاستقلال، حتى إعلان وقف إطلاق النار بين الجانبين سنة 1991 برعاية الأمم المتحدة.
واهتمامًا منه بالثروات المحتمل إيجادها في المياه الإقليمية للصحراء الغربية، إلى جانب كلفة فواتير الطاقة المرتفعة التي لم يعد الاقتصاد يتحملها، أعطى المغرب الضوء الأخضر لشركات دولية من أجل التنقيب عن النفط باعتبار توفير مصادر الطاقة ضمن أولوياته الاقتصادية.
وهذا الخيار المغربي، حسب النشطاء قد يهدد بتأجيج التوترات بين الجانبين، خاصة إذا تم الإعلان عن أي اكتشافات مهمة في المستقبل.
وأعلنت الشهر الماضي كل من شركة quot;تكساس كوزموس إينيرجيquot; وشركة quot;كيرن إنيرجيquot; البريطانية عن خطط للتنقيب عن النفط ابتداء من العام المقبل قبالة شواطىء مدينة بوجدور في الصحراء الغربية.
وقالت الشركة البريطانية إن الترخيص الممنوح لها من طرف السلطات المغربية، ممثلة في quot;المكتب الوطني للهيدروكاروبورات والمعادنquot;، يشمل مساحة تقدر بـ50 كيلومترًا (30 ميلاً) من quot;مياه المغربquot;.
فيما تصر شركة كوزموس الأميركية التي يوجد مقرها في دالاس، على أن أنشطة التنقيب التي تقوم بها في الصحراء الغربية تتفق مع القانون الدولي.
لكن إيريك هاغن الذي يرأس quot;مرصد مراقبة ثروات الصحراء الغربيةquot; (ويستيرن صحارا ريزورس ووتش)، وهي مجموعة ضغط دولية، يصف في حديثه لفرانس برس انطلاق أعمال التنقيب عن البترول في المنطقة بـquot;التطور المثير جداً للقلقquot;.
وبالنسبة لهاغن quot;فإن كل ما تقوم به شركات النفط هو جعل حل النزاع أمراً مستحيلاًquot;، موضحًا أن quot;المغرب لن تكون له أية مصلحة أو حافز لمواصلة المحادثات داخل أروقة الأمم المتحدة إذا ما اكتشف البترول في المنطقةquot;.
والوجه الآخر لهذا التطور الجديد في الملف أنه ما من شيء غير قانوني بخصوص أنشطة تراخيص استكشاف النفط التي منحها المغرب لهذه الشركات، بحكم الأمر الواقع الذي تفرضه الإدارة المغربية لهذه المنطقة منذ عقود، لكن يمكن لهذا الأمر أن يتغيّر حسب هاغن.
ويقول مسؤول دبلوماسي لفرانس برس إنه quot;إذا تم العثور على النفط في المنطقة، فإن هذا الاكتشاف سيثير الكثير من الأسئلة حول كيفية استغلال هذه الثروة وكيفية ضمان استفادة شعب الصحراء الغربية منهاquot;.
وتتعهد الرباط في أفق 10 سنوات قادمة، عبر ما أسمته quot;نموذج تنمية أقاليم الجنوبquot; (الصحراء الغربية)، تم عرضه في الرباط قبل عشرة أيام، باستثمار 140 مليار درهم (حوالي 17 مليار دولار) في هذه المنطقة، مع مضاعفة الناتج الداخلي الخام، وخلق 120 ألف فرصة عمل جديدة، وتخفيض نسبة البطالة إلى النصف بالنسبة إلى الشباب والنساء.
وعن الجدل القانوني بخصوص حق المغرب في استغلال موارد وثروات المنطقة، التي يعتبرها المغرب جزءًا لا يتجزأ من أراضيه، صدر سنة 2002 رأي قانوني بهذا الخصوص من طرف الأمم المتحدة.
وطلب من مجلس الأمن الدولي تقديم رأي قانوني ردًا على عقدين للتنقيب عن النفط في الصحراء الغربية، وقعتهما السلطات المغربية مع كل من شركة quot;كير ماكجيquot; الأميركية وشركة quot;توتالquot; الفرنسية.
وخلص الرأي القانوني الأممي الى أن أنشطة الاستكشاف والاستغلال إن تمت quot;دون مراعاة لمصالح ورغبات شعب الصحراء الغربية، فإنها ستكون انتهاكًا لمبادئ القانون الدوليquot;.
وتقول شركة كوزموس الأميركية إنها تعمل بشكل أخلاقي في المنطقة، معللة الأمر بكون تنمية موارد المنطقة ستخلق فوائد كبيرة للشعب الصحراوي، وموضحة أن أنشطتها تحترم الرأي القانوني الصادر عن الأمم المتحدة.
وبالنسبة لفرانشيسكو باستالي، رئيس البعثة الاممية لإجراء الاستفتاء في الصحراء الغربية (مينورسو)، فإن له رأياً مخالفًا حول الموضوع.
ويقول باستالي إن quot;المغرب شرع باستغلال الفوسفات ثم صيد الأسماك، والآن يريد استغلال النفط في ممارسة غير قانونية بموجب القانون الدولي، وهو ما يؤكده رأي 2002quot;، الصادر عن الأمم المتحدة.
وحسب باستالي، quot;فإن شركات النفط بدلًا من الاستثمار الآن في التنقيب عن النفط، وهو أمر غير أخلاقي بصراحة، ينبغي عليها ربما الضغط على حكومات بلدانها لبذل جهد حقيقي لإيجاد حل لمشكلة الصحراء الغربيةquot;.
ويعتبر باستالي أنه ليس من حق المغرب أو شركائه التقرير في ما إذا كان استغلال موارد هذه المنطقة سيعود بالفائدة على الشعب الصحراوي أم لا، ما دامت بعثة الأمم المتحدة ترعى استفتاء حول تقرير المصير.
ويعتبر المغرب أول مصدر عالمي للفوسفات كما يمتلك 75% من الاحتياط العالمي، بحيث يعد استخراج quot;المكتب الشريف للفوسفاتquot; المملوك للمغرب، لهذه المادة من منطقة بوكراع في الصحراء الغربية، أهم نشاط اقتصادي في المنطقة.
وقال نزار بركة، وزير المالية السابق ورئيس المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي في حوار قبل أسبوع مع فرانس برس إن quot;المغرب يستثمر في هذه المنطقة عشر مرات أكثر من عائداتها اقتصادياًquot;، موضحًا أن quot;معظم أرباح المكتب الشريف للفوسفات يتم توجيهها لفائدة دعم سكان الصحراءquot;.
لكن مصطفى النعيمي، عالم الانتربولوجيا والباحث في شؤون الصحراء في جامعة محمد الخامس في العاصمة الرباط، والعضو السابق في المجلس الاستشاري الملكي للشؤون الصحراوية، ينفي ذلك ويقول إن المغرب نهب احتياطيات الفوسفات، وينتقد غياب الشفافية في هذه الصناعة.
وعلى الرغم من بعض الاستثمارات، يرى النعيمي أن التنمية الإقليمية كانت quot;غير متكافئة للغايةquot;، وقال إن الدولة فشلت في كسب ثقة الصحراويين وإقناعهم بـquot;مغربية الصحراءquot;.
ومع ذلك، يرى جون ماركس الخبير في شؤون المغرب العربي ومحلل الطاقة، استنادًا الى المصالح الاقتصادية بصفة عامة، واستنادًا الى التكنولوجيا الجديدة للتنقيب البحري عن النفط، إضافة الى ارتفاع الأسعار الدولية لهذه المادة، كلها عوامل يمكن أن تكون في صالح المغرب، في ظل عدم إحراز أي تقدم في مفاوضات السلام في أروقة الأمم المتحدة.