إيلاف من لندن: نجح ترامب في الانتخابات الرئاسية التي استندت الى شعارات شعبوية وتهديدات غير واقعية اجتذبت الطبقات الساذجة التي تكره المهاجرين وتصدق الوعود الانتخابية بمستقبل أفضل.&

لكن لا يستطيع ترامب أن يجتاز المؤسسات العريقة مثل وول ستريت وسوق الأسهم والأوراق المالية ومصرف الاحتياط الفيدرالي والشركات الكبرى والصناعات الثقيلة ويهدد قدرتها التنافسية في العالم. ولا يستطيع ان يأخذ اجراءات خرقاء من شأنها تشجيع هروب المستثمرين ونزوح الدول وصناديق التقاعد العالمية من الاستثمار بسندات الحكومة الأميركية التي هي بمثابة ديون يقدمها المستثمرون للخزينة الأميركية. اذا ظن ترامب انه قادر على تدمير الاقتصاد العالمي فسيدمر الاقتصاد الأميركي اولا وهذا له عواقب وخيمة على نطاق أميركي ودولي.

ماذا سيفعل في الاقتصاد الأميركي أولا؟

من التقاليد الأميركية، والتي تعود لأيام الرئيس فرانكلين دي روزفلت (1933-1945)، يتم التركيز على ما سيفعله الرئيس المنتخب في أول 100 يوم من دخوله البيت الأبيض قبل أن يتم الحكم على توجه فترته الرئاسية وأيضا على نوعية الخبراء والمستشارين الذين سيقوم بتعيينهم.

بعكس التوقعات، وبعد انتخاب ترامب انتعشت الأسهم الأميركية في القطاعات المصرفية وقطاع البناء والتعمير، كما ارتفع مؤشر الدولار بنسبة متواضعة ولم تنهار قيمة الدولار الصرفية. ولم يتوقف الطلب على السندات الأميركية ولكن تراجع سعر الذهب وسعر النفط الخام بنسب قليلة، ومن المتوقع ان يتم رفع سعر الفائدة مما سيعزز قيمة الدولار الصرفية.

أما في ما يتعلق بتهديد ترامب بالاستغناء عن نفط الخليج، أجاب وزير البترول السعودي على ذلك بالقول إن "الاقتصاد الأميركي استفاد ويستفيد من النفط الخليجي".&

من غير المحتمل أن يتخذ ترامب خطوات من هذا القبيل لأنها ستأتي بالضرر للاقتصاد الأميركي اولاً، حيث ستتوجه الأنظار الى الشرق وبالتحديد الى الصين واليابان وكوريا الجنوبية والخاسر الأكبر ستكون الولايات المتحدة.&

تهديدات ترامب بتمزيق بعض الاتفاقات مع الصين والمكسيك سوف تقلل من مصداقية أكبر اقتصاد في العالم، واذا ذهبت الثقة سوف يصعب استرجاعها. وهناك قضايا أخرى تتعلق بمسائل مثل الملاحة الجوية المفتوحة بين واشنطن وقطر والامارات، وتشير تقارير صحفية الى أن دونالد ترامب يمتلك استثمارات في الخليج وكرجل أعمال من المفترض ان يكون واعيًا لمخاطر وتبعات سياساته السلبية.

وعلى الصعيد الداخلي، قد يتخذ ترامب سلسلة من الخطوات وبمساعدة كونغرس يسيطر عليه الجمهوريون. قد يبدأ بإلغاء مجموعة انظمة وتشريعات وقوانين دخلت حيز التنفيذ في عهد اوباما منذ عام 2008. وقد تشمل الغاء القوانين المتعلقة بحماية البيئة، والتي تتطلب استعمال الطاقة النظيفة، قد يمزق اتفاق باريس لحماية المناخ. وقد يتخلى عن سياسة زيادة كفاءة السيارات في استهلاك الوقود وقوانين تتعلق بحماية العمال وحقوقهم وقد يرفع التقييدات المفروضة على بناء انابيب البترول واعمال الحفر والتنقيب عن الغاز والبترول.&

خلال الحملة الانتخابية، وعد ترامب بالتخلص من 70% من الأنظمة الفيدرالية التي في نظره تعيق النمو الاقتصادي، وكذلك التخلص من جماعات الضغط التي تدافع عن شركات ومصالح ذات اهداف تجارية او سياسية، لكنّ الواقعيين في الحزب الجمهوري يعتقدون أنه سينجح في التخلص فقط من 10% من الأنظمة الفيدرالية.&

وعد ترامب برفع القيود عن منتجي الزيت والغاز الصخري، ولكنه بنفس الوقت وعد بمساعدة منتجي الفحم الحجري الذي تراجع بسبب ارتفاع انتاج الزيت الصخري. هذا مثل بسيط كيف أن تر امب يحاول استمالة الجميع رغم التضارب والتناقض. هل أخذ&في الاعتبار ان زيادة انتاج الزيت الصخري قد تزيد التخمة في السوق، وتؤدي الى انهيار في الأسعار وافلاس مئات الشركات، كما حصل في نهاية 2014، واستمرت الى 2016 بسبب تهاوي الأسعار.

ولكن من أهم ركائز برنامج ترامب الاقتصادي هو اطلاق العنان لمشاريع اعادة بناء وترميم البنية التحتية من جسور وطرق ومطارات وطاقة وغيرها وانفاق 1 ترليون دولار. ولكن هذا بالضرورة يعني زيادة العجز في الميزانية وحسب "اللجنة الفيدرالية غير الحزبية التي تسعى من أجل ميزانية فيدرالية مسؤولة"، فإن خطط ترامب سترفع العجز بما يعادل 5.3 ترليون دولار خلال عشر سنوات.

العالم ينتظر ليكتشف خطط ترامب الاقنصادية، والتي أعلن عن بعضها في الحملة الانتخابية مثل فرض رسوم باهظة على المستوردات، وهذا ضد مبادئ الرأسمالية والعولمة وتشجيع التجارة الدولية، وهذه المبادئ جعلت من اميركا دولة عظمى اقتصادية، والتخلي عنها سيلغي دور أميركا كأكبر اقتصاد عالمي.

ثم وعد بخفض الضرائب لانعاش الطلب وتشجيع الاستثمار في الأعمال الحرة وخلق الوظائف والهدف في النهاية هو أن تستعيد أميركا عظمتها ومكانتها في العالم حسب الشعارات التي روج لها اثناء حملته الانتخابية الشرسة.&

أسلحة دمار شامل اقتصادية&

ثلث الاستثمارات في العالم البالغة 20 ترليون دولار استحوذت عليها أميركا من خلال بيع سندات الخزينة لدول مثل الصين والسعودية واليابان. الصين لوحدها تمتلك 1.3 ترليون دولار من سندات الخزينة الأميركية. وسمعنا القليل عن خطط ترامب لعلاج المديونية الوطنية. هذا موضوع لا يمكن تجاهله وتراكم المديونية قد يضع اميركا في مأزق من النوع اليوناني، حسب بعض المتشائمين.

&ويعتقد بعض المراقبين أن المديونية الأميركية العالية، والتي يطلق عليها احيانًا جبال المديونية، تشكل خطرًا حقيقيًا على الاقتصاد الأميركي. البنوك والحكومات تشتري اصولاً اميركية مقومة بالدولار للاستفادة منها وقت الحاجة واميركا تبيع الاصول كاقتراض من المستثمرين.

&ترامب قام بتسويق حملته الانتخابية تحت شعار سياسية اقتصادية تقول "اميركا اولا"، وحسب البنك الاستثماري الاستشاري غولدمان ساكس أن هذا الموقف سيجلب الضرر للاقتصاد العالمي. بعض الاجراءات سيكون لها تأثير ايجابي موقت. رفع الرسوم الجمركية على التجارة الدولية، ومنع هجرة العمالة الى اميركا وتقليل الضرائب عن الشركات الأميركية ودافعي الضرائب ستدفع النمو الاقتصادي للأمام موقتًا، ولكنها ستعيق نمو الاقتصاد العالمي.&

وهذا سيجلب تأثيرات سلبية على الاقتصادات الأخرى التي تعتمد على الدولار في التعاملات وسترتفع اسعار الفائدة، وكذلك قيمة الدولار الصرفية، وهذا سيجعل الاستيراد من الولايات المتحدة اكثر تكلفة وسيقلل النشاط الاقتصادي في اقتصادات الدول الناشئة.

على المدى القصير التأثيرات لخفض الضرائب وارتفاع قيمة الدولار ستكون ايجابية، مثل تحفيز طلب المستهلكين الأميركيين وهذا سيفيد اقتصادات الدول الأخرى، ولكن على المدى الطويل التأثيرات السلبية الناتجة عن رفع الرسوم الجمركية وتقييد الهجرة واجراءات جديدة من الاحتياط الفيدرالي (البنك المركزي) ستؤثر سلبًا على النمو الاقتصادي الأميركي. من المتوقع أن ترتفع الرسوم الجمركية على المستوردات من الصين والمكسيك بنسبة 4% وهي غير عالية وتقريبًا ثلث ما وعد به ترامب في حملته الانتخابية.

العالم يقف امام مستقبل اقتصادي مجهول، واذا التزم ترامب العقلانية والاعتدال والاصغاء للخبراء سوف تتجنب اميركا والعالم أزمة اقتصادية حادة، كالتي شهدناها عام 2008.