إيلاف من لندن: سجل خام برنت انتعاشًا ملحوظًا في الأسعار حيث وصل الى 61.45 دولاراً للبرميل صباح اليوم الاربعاء، وهذا بدوره أنعش أسواق الأسهم حسب فايننشال تايمز في لندن.

كما حقق خام غرب تكساس الوسيط الثلاثاء آخر أيام اكتوبر 54.09 دولاراً للبرميل للعقود الآجلة أما مزيج برنت صعد الى 60.51 لعقود تسليم يناير 2018 أي بفارق يبلغ 6.42 دولارات بين الخامين. 

ويمكن القول إن هناك عدداً من العوامل التي عززت انتعاش الأسعار في الاسابيع الأخيرة وصعودها تجاه 60 دولارًا للبرميل منها تخفيضات اوبك وشركائها، ارتفاع الطلب العالمي والتوتر الجيوسياسي في كردستان العراق.

وتبدو أسواق النفط متفائلة أنّ أوبك وشركاءها سيواصلون برنامج التخفيض خلال عام 2018 رغم المخاوف من ارتفاع انتاج الزيت الصخري في ظل أسعار مرتفعة.

أسعار مزيج برنت وخام غرب تكساس الوسيط تتعافى، ولكن لماذا الفارق السعري بينهما؟

هناك 160 نوعًا من النفط الخام يتم تداولها. القارئ لا يعنيه الفروق الكيميائية والفنية المتعلقة بالاستخراج والنقل والتكرير بقدر ما يعنيه توفر البنزين لسيارته والسعر الذي يدفعه.

نلاحظ ان الفرق بين خام برنت وخام غرب تكساس الوسيط يزيد عن 6 دولارات للبرميل. فعلى سبيل المثال وفي اواسط اكتوبر الماضي بلغ سعر خام مزيج برنت في سوق لندن في جلسة التداول الصباحية الثلاثاء 17 اكتوبر 57.87 دولاراً للبرميل، مقابل سعر خام غرب تكساس 51.78 دولاراً للبرميل وبفارق 6 دولارات و 9 سنتات. وبلغ الفرق هذا الاسبوع 6.42 دولارات للبرميل.

فما هي أهم الاسباب في الفارق السعري بين المزيجين؟

من الملاحظ أن خامات النفط الصخري الخفيفة التي يطلق عليها في سوق النفط "الخفيف الحلو"، قريبة جداً من حيث التصنيف من خام برنت البريطاني الذي تقاس عليه معظم الخامات المصدرة من المنطقة العربية ودول أفريقيا.

ولكن تسعير خامات النفط الصخري تقاس على سعر خام غرب تكساس الذي عادة ما يقل بما يتراوح بين 6 إلى 7 دولارات عن سعر برنت.

وهذا فارق ملحوظ ويؤثر على الاستيراد والتصدير. وهو ما يعني أن تجار النفط يشترون خامات النفط الصخري تسليم موانئ أميركية ويدفعون كلفة الشحن ويحققون ارباحًا تتراوح بين 3 و 4 دولارات لكل برميل بعد دفع كلف الشحن والتأمين، مقارنة مع أرباح التجار في خام برنت. 

يعتبر مزيج برنت خام القياس العالمي ثم يأتي بعده خام غرب تكساس الوسيط كقياس عالمي مرجعي. يستعمل برنت كمرجع لثلثي التعاملات في امدادات النفط الخام في العالم. وهناك ايضا مراجع قياسية اخرى مثل سلة مرجعية اوبك، خام دبي، خام عمان، ونفط يورال الروسي.

المنتجون الأميركيون يستغلون الفارق السعري لزيادة الصادرات

يتمتع مزيج برنت بمزايا تجعل سعره في الأسواق العالمية أعلى بحدود 5 الى 6 دولارات، وهذا الفرق يسمى العلاوة أي الفرق السعري في صالح برنت. الثغرة بين السعرين ازدادت واتسعت بمقدار 3 اضعاف في الأشهر الثلاثة الأخيرة والسبب ان الطلب على مزيج برنت والخامات النفطية المرتبطة به مثل "يورال الروسي" وكذلك "نفط فورتي فيلد" في بحر الشمال دفعت سعر اصناف حوض المحيط الأطلسي للأعلى والسبب في ارتفاع الطلب هو الفراغ الناتج عن تخفيضات أوبك وشركائها في اتفاق التخفيض.

في تقريرها أواسط شهر اكتوبر الماضي، اشارت دائرة معلومات الطاقة الأميركية ان صادرات نفط خام غرب تكساس الوسيط ارتفعت من 415 الف برميل يوميا عام 2016 الى 1.92 برميل يوميًا أواخر اكتوبر الماضي. وفرق السعر الكبير بين برنت ما بين 5 الى 6 دولارات للبرميل اي علاوة برنت السعرية فوق غرب تكساس الوسيط سيحفز المنتجين الأميركيين لزيادة التصدير لاوروبا. وفي أوائل اكتوبر الماضي هبطت أسعار خام برنت بحر الشمال لأدنى المستويات متأثرًا بأسعار خام غرب تكساس الوسيط.

ونظرا لأن المخزونات الأميركية لا تزال اقل من 20% دون مستوياتها القياسية التي بلغت 535.50 برميلاً وارتفاع اسعار برنت مقارنة مع سعر خام غرب تكساس الوسيط بسبب العلاوة، سيبقى الطلب على الخام الأميركي قوياً في المستقبل المنظور.

الفارق السعري بين مزيج برنت وغرب تكساس الوسيط ساعد المنتجين الأميركيين في تصعيد عمليات التصدير. وكذلك ساعد المستوردين على بناء المخزونات بالخام الأميركي، وجنى المصدرون الأميركيون حوالي 2.5 مليار دولار شهريا. وهذا يعني ان أميركا تصدر تقريبا نفس الكميات التي تصدرها نيجيريا وفنزويلا وهذا سيستمر ما دام الفرق السعري بين برنت وخام غرب تكساس الوسيط فوق 3 – 4 دولارات للبرميل أكثر مما يكفي لتغطية تكلفة الشحن لأوروبا.

من الجدير بالذكر أن الطلب الأميركي لا يزال ثابتًا بين 19-20 مليون برميل يومياً، ومن المتوقع ان الانتاج الأميركي سيرتفع من 9.24 ملايين برميل يوميا الى حوالي 10 ملايين برميل عام 2018. 

ومع ارتفاع مستويات الكفاءة التقنية وتخفيض تكاليف انتاج الزيت الصخري تستطيع بعض الشركات الأميركية من تحقيق ارباح حتى في نطاق سعري 35 الى 40 دولاراً للبرميل. ومن الملاحظ انه في حال تم تضييق الفجوة أو تقليص العلاوة السعرية لمزيج برنت فوق خام غرب تكساس الوسيط سيصبح الخام الأميركي أقل جاذبية للمستوردين.

اللوجستيات والنوعية تجعل خام برنت اكثر جاذبية

يتركز انتاج خام برنت في بحر الشمال (شمال بريطانيا وقريبا من سكوتلاندا) وكذلك قرب النرويج ويتم استخراجه من اعماق البحر من قبل شركات بريطانية ونرويجية وغيرها. ويتميز مزيج برنت نوعياً وهو مرغوب اوروبيًا وأميركيًا ومن الميزات كونه خاماً (خفيفا وحلوا). 

وتفضل مصافي النفط الخام الخفيف والحلو بسبب قلة محتواها الكبريتي وإنتاجها المرتفع نسبياً من المواد عالية القيمة مثل البنزين والمازوت وزيوت التدفئة ووقود الطائرات. البعض يسميه «النفط الحلو الخفيف». هذا النوع من النفط عالي الجودة، وهو نفط مطلوب بشدة في أميركا وأوروبا وآسيا. 

أما خام غرب تكساس الوسيط يستخدم كمعيار سعري للعقود الآجلة في بورصة نايمكس في نيويورك ويتميز بسهولة التكرير.

سهولة وصول برنت للأسواق العالمية من موانئ قريبة من منصات الانتاج وسهولة التصدير للأسواق العالمية حتى في الهند والصين جعلته أكثر جاذبية من خام غرب تكساس الوسيط.

يتواجد خام غرب تكساس الوسيط في مخازن عملاقة في ولاية اوكلاهوما مما يخلق عوائق لوجستية ترفع تكاليف الشحن والنقل الى المصافي والمستوردين وينقل بالشاحنات وعن طريق انابيب ذات قدرات محدودة مما يعرقل التسليم السلس السريع، وهذا يفسر انخفاض سعره مقارنة مع مزيج برنت القريب من موانئ التصدير.

قبل 7 او 8 سنوات كان الانتاج الصخري في بداياته ولم يلعب دورًا كبيرًا في اسواق النفط الأميركية وكانت أميركا تستورد معظم احتياجاتها من الخارج ومن دول مثل السعودية ونيجيريا وفنزويلا وتراجع الاستيراد في السنوات الأخيرة من حوالي 14 مليون برميل يومياً الى اقل من 10 ملايين برميل يوميًا بسبب ارتفاع انتاج الزيت الصخري وانتاج خليج المكسيك وتكساس. في تلك الفترة أي قبل طفرة الزيت الصخري وتراجع الاستيراد، كان خام غرب تكساس الوسيط يتمتع بعلاوة سعرية فوق مزيج برنت وليس كما هو الآن.