موظفون في مكتب العمل

تطالب القيادة العليا في معظم بيئات العمل موظفيها بالإبداع، لكن لماذا لا تُقبل أفكارنا في بعض الأحيان؟

التغيير أمر صعب، لكن موافقة رئيسك في العمل على خطة متميزة تطرحها قد تكون أمرا أكثر صعوبة.

لا شك أنك سمعت تلك التوجيهات التي تصدرها القيادات العليا في شركتك، والتي تقول: نريد مزيدا من الإبداع، من الجميع على كل المستويات.

ربما يوافق مسؤولك المباشر على تلك التوجيهات من حيث المبدأ، لأنه لا يوجد أحد يكره الابتكار، فهو أمر مفيد للجميع، أليس كذلك؟

لكن عندما يتعلق الأمر بالابتكار في عملك، لعله من الأفضل أن تخفض سقف توقعاتك، وربما التخلي عن بعض التوقعات. فمن الأرجح أن تنتهي فكرتك في درج مسؤولك المباشر، ولا تصل إلى المدير التنفيذي.

ليس السبب هو أن المديرين لا يرغبون في قبول الأفكار الجديدة، لكن الناس من حولك، مثل زملائك، ومديرك المباشر، هم الذين لا يميلون إلى التغيير في غالب الأحيان.

الأفكار هي العدو !!

في هذا الزمن، تواجه الشركات الكبيرة التي لا تتبنى الابتكار خطر الانقراض.

وتقول لين إزابيلا، أستاذة السلوك التنظيمي في كلية داردن للاقتصاد بجامعة فرجينيا الأمريكية: "باتت الشركات على الأرجح مرغمة على القول إنها تتغير هذه الأيام. فهناك سلوك يعتمد إلى حد ما على فكرة مواكبة الأقران".

صحيح، تخضع الشركات أيضا للضغوط الاجتماعية، لكن "ليست الشركات هي التي تضيق ذرعا بالتغيير، بل الناس هم الذين يفعلون ذلك. إذ يريد الناس أولا أن يروا الفائدة التي ستعود عليهم من التغيير".

موظف يضع يده فمه، وفي صورة أخرى على أذنيه، وفي ثالثة على عينيه

قبل طرح فكرة ما، يمكنك أن تسأل: هل هذه الفكرة تستحق القبول؟ وهل هي قيمة حقا؟

وتقول إزابيلا إن ذلك كله لا يعني أنك لن تنجح في جعل المسؤولين يقبلون فكرتك الجديدة، لكن هناك ما هو أهم من الفكرة ذاتها، وهي الطريقة التي تطرح بها الفكرة، وكيفية إقناع الآخرين بها. فطريقة تقديمك للفكرة أكثر أهمية من الفكرة ذاتها.

ويولد طرح الأفكار الجديدة أسئلة جوهرية يطرحها الأشخاص الذين تقدم لهم تلك الأفكار على أنفسهم أولا، كما تقول إيزابيلا.

ومن تلك الأسئلة، على سبيل المثال: ما الذي تعنيه هذه الفكرة الإبداعية لي شخصيا؟ وبشكل أكثر دقة: هل ستكون الأمور أكثر صعوبة أم أنها ستؤدي إلى فرص عمل أكثر؟ ثانيا: ما الذي ستعنيه الفكرة الجديدة لوظيفتي؟

وبشكل أوسع، يمكنك أن تسأل: هل هذه الفكرة تستحق القبول؟ وهل هي قيمة بالشكل الكافي حتى تُقبل؟ هذا السؤال الأخير مهم جدا، لأننا جميعا نعرف أن الشركات تملك تاريخا من الأفكار التي قُدمت لإحداث تغيير في سياستها وهيكلها، لكن بعضها على الأقل لم ينجح بالشكل المطلوب.

لسوء الحظ، في كثير من الأحيان لا تصب الإجابات عن هذه الأسئلة في مصلحة الفكرة المبتكرة التي تقدمها، كما تقول إيزابيلا. وهكذا، فإن الذين تقدم لهم الأفكار لا يدفعون باتجاه التغيير. ومن ثم، تصبح الأمور أكثر سوءا كما يخبرنا التاريخ.

ينقل عن نيكولاو ميكافيلي، الذي كان مستشارا لكبار الأغنياء وأصحاب السلطة في القرنين الخامس عشر، والسادس عشر في إيطاليا، أنه قال: "المبتكر صاحب الأفكار يحصل على عداوات من قبل أولئك الذين يشعرون بارتياح تحت النظام القديم، بينما يأتي بعض التأييد الفاتر من أولئك الذين ستصبح أوضاعهم أفضل تحت النظام الجديد".

ويتابع: "والسبب في ذلك التأييد الفاتر يعود جزئيا إلى أن الرجال متشككون بطبيعتهم بشكل عام، ولا يثقون في الأمور الجديدة إلا إذا اختبروها بشكل عملي".

الآن، وليس غدا

هذا سبب فضفاض، لكن له علاقة بالموضوع، ويفسر الأسباب التي تؤدي إلى قتل الأفكار الجديدة في كل مكان عمل جديد تقريبا.

لكن هناك أسبابا أكثر تحديدا، فإحدى المشاكل المعتادة والمتكررة تظهر في الوقت الذي تشهد فيه شركة ما نموا واضحا.

موظفة تفكر في مكان عملها

في الغالب، يرفض المديرون الأفكار التي يرون أنها تتسم بالمجازفة

يقول جورج ديب، المدير في شركة "رد روكت فينتشرز" للاستشارات: "يبدأ تركيز الشركة في التحول من التفكير بعيد المدى إلى التركيز على الأرباح في الربع التالي. وفي اللحظة التي تركز فيها على الأرباح على المدى القريب، وليس على العائدات بعيدة المدى، فإنك تقيد عملية الابتكار".

تخيل أن لديك فكرة سيكلف تطبيقها 10 ملايين دولار، لكن إذا ما طبقت فهناك احتمال أن تعود بأرباح قيمتها مليار دولار في المستقبل.

ومن المفترض أن يكون تحقيق أرباح مضاعفة بهذا الشكل كفيلا بجعل الفكرة مقبولة، لكن المشكلة التي تواجه تطبيقها مباشرة تصبح عدم توفر العشرة ملايين دولار من الأساس من الأرباح ربع السنوية.

يقول ديب: "لا يريد المسؤولون أن يجازفوا بهذا الحجم من الاستثمار، فهم يفضلون التركيز على جهودهم في تحقيق أرباح سريعة".

ويمكن مقارنة هذا الموقف - الذي يعتبر أمرا شائعا - مع أسلوب عمل شركة "أمازون"، فقد وجه جيف بيزوس، مؤسس أمازون، اهتمام المستثمرين في شركته إلى الأرباح طويلة المدى، بدلا من التركيز على الأرباح ربع السنوية.

ويشير ديب إلى التغيرات الهائلة التي شهدتها مبيعات شركة أمازون منذ أن بدأت كشركة لبيع الكتب عبر الإنترت خلال تسعينيات القرن الماضي. وتقدم الشركة الآن لعملائها خدمات حاسوبية سحابية، وخدمات تخزين المعلومات، وتنظيم المحتوى الإلكتروني.

ويقول ديب: "كل هذه المبادرات جاءت عن طريق الموظفين. لا أعتقد أن جيف بيزوس يقوم بكل ذلك بنفسه".

والأمر الأكثر دلالة على ذلك هو أن أمازون كانت جاهزة لإطلاق منتجات لم تحقق النجاح المتوقع. فتجارب مثل "فاير فون"، و"واليت"، وموقع "أمازون لوكال" السابق للبيع بالتجزئة، كلها تعبر عن محاولات باتت من الماضي.

لكن تلك السلسلة من الأفكار التي فشلت وأصبحت من الماضي تُظهر رغبة في المجازفة بمشاريع غير مضمونة أو واضحة النتائج. وهو ما يعني أن شركة أمازون كانت تقبل المجازفة.

على المبتكرين ألا يتقدموا

بيد أن هناك مسألة أخرى تتعلق ببعض ما تراه بنفسك في بيئة العمل. وتقول جوان آدامز، مؤسسة شركة "بيريان" للاستشارات: " توظف الشركات الكبيرة أشخاصا أذكياء، لكنها لا توظف مجازفين".

صورة تعبيريه لموظف يصم آذانه

إذا كان موظف ما غير مرغوب فيه داخل بيئة العمل، فغالبا لن تقبل أفكاره ولو كانت جيدة

لذا، إذا لم يكن المدير من المجازفين، فمن المرجح أن يتعاقد مع شخص آخر ليس مجازفا. "وماذا عن مسؤوله الأعلى؟ إنه على نفس الشاكلة في الغالب"، حسبما أضافت آدامز.

ثم هناك الأمور السياسية القديمة التي تلعب دورا في ذلك. يقول ستيفن دانلي، المشارك في تأليف كتاب "أمراض الإدارة والإضطراب": "أحيانا، لا يفهم الناس العمل الجيد لأسباب سياسية. فإذا كان شخص ما غير محبوب داخل المؤسسة، فإنك تعرف أن فكرته سيقضى عليها إذا وصلت إلى المسؤولين".

كم عدد المديرين الذين يمكن لهم إرسال فكرة يعلمون أنها ستقتل؟ لهذا، حتى لو كانت فكرتك من النوع الذي من شأنه أن يحدث تغييرا في المستقبل، وكنت من غير المرغوب فيهم لدى إحدى دوائر الهيكل الإداري، فإن فكرتك العظيمة سيتم قتلها في مهدها، حتى لو كان ذلك بلا سبب مقبول.

كما أن هناك مسألة القدرة على الفهم. فبعض الناس ليسوا أذكياء بالقدر الذي يمكنهم من معرفة أن الفكرة جيدة أم لا، كما يقول دانلي. لكن كن حذرا، فنحن جميعا مذنبون في هذا الأمر أحيانا، وخصوصا عندما يكون الإبداع أو الابتكار شديد التطرف.

تغيير الروتين اليومي

لكن رغم ذلك، هناك في الواقع بعض الأخبار السارة التي تولد من رحم هذا الشعور بالضيق من الابتكار.

تقول آدمز: "توجد مجالات عمل اقتصادية مبنية على أشخاص لا يفكرون بعقلية المؤسسة. في كل عام، يقدم مستشارون ذوو أجور مرتفعة مثلي المساعدة للشركات لكي تصبح أقل اعتيادا على تكرار نفس الأعمال التقليدية التي تنفذها بتكلفة عالية".

لذا، من الممكن أن تكون على الجانب الخطأ في موقعك في العمل، فالإبداع والابتكار من الخارج أمر مربح، ويبدو أنه من الأسهل للمسؤول وصاحب العمل أن يأخذ بالنصائح التي تقدمها له شركات استشارية، مثل شركة "بيريان".

يمكنك قراءة الموضوع الأصلي على موقع BBC Capital .