«إيلاف» من لندن: سارع ستاندرد أند بورز مؤشر سوق الأسهم والتصنيف الائتماني إلى تخفيض درجة التصنيف الائتماني لقطر بعد قطع الامارات العربية المتحدة والسعودية ومصر واليمن والبحرين العلاقات الديبلوماسية مع قطر من AA إلىAA- . ويعتبر هذا التخفيض طفيفًا جدًا لكنه سلبي يعكس حالة التوتر السياسي، التي تنعكس تلقائيًا على الحالة الاقتصادية، على الرغم من قوة الاقتصاد القطري وسلامته. وقبل شهر، قامت "موديز" بتخفيض مرتبة قطر السيادية من AA3 الى AA2 بسبب تصاعد حجم المديونية الخارجية والتوقعات بشأن معدل النمو الاقتصادي في الأعوام القليلة المقبلة. 

بأصول تقدر بنحو 335 مليار دولار في صندوق الثروة السيادي القطري، تبدو قطر قادرة على تفادي أزمة اقتصادية بسبب قرار المقاطعة هذا. وبفضل مرافق موانئها الموسعة حديثًا، تستطيع مواصلة تصدير الغاز الطبيعي المسال، الذي حقق لها فائضًا تجاريًا بلغ 2.7 مليار دولار في أبريل، واستيراد السلع التي كانت تأتيها برًا عبر الحدود السعودية، المغلقة حاليًا، عن طريق البحر.

تأثير سلبي

قرار الدول العربية الست قطع العلاقات واغلاق الممرات الجوية والبحرية والبرية مع قطر دفع المتعاملين إلى بيع الريال القطري الذي فقد 10 في المئة من قيمته الصرفية. وتحذر "ستاندرد اند بورز" من أن استمرار النزاع فترة طويلة سيكون له تأثير سلبي على التجارة البينية وعلى الاستثمارات. وهذا بدوره سيرفع العجز في ميزان المدفوعات (الحساب الجاري) اذا استمرت المقاطعة. 

بلغت صادرات قطر للدول المشاركة في المقاطعة في عام 2016 أكثر من 10 في المئة من إجمالي صادراتها. وهناك قلق من أن ربحية الخطوط الجوية القطرية ستتأثر سلبًا. هذه العوامل مجتمعة ستبطئ النمو الاقتصادي وستعيق الاستثمار وتزعزع الثقة.

في هذا السياق، أظهرت إحصائيات رسمية أن السعودية والإمارات والبحرين تستحوذ على 87 في المئة من حركة التبادل التجاري بين قطر والدول الخليجية. وهناك ترابط في المصالح التجارية بين تلك الدول الثلاث وقطر في مجالات عديدة، على رأسها أنابيب دولفين التي تزود قطر بها دولة الإمارات بحوالى 30 في المئة من حاجتها من الغاز. وتصدر قطر الغاز لآسيا واوروبا.


خسارة فادحة
تشير الإحصائيات الى أن قيمة التبادل التجاري بين الدول العربية وقطر في العام الماضي بلغت نحو 12.3 مليار دولار، وبين دول الخليج وقطر 10.4 مليارات دولار. وبلغ حجم التبادل التجاري بين قطر ودول العالم في 2016 نحو 89 مليار دولار، و13.8 في المئة منه من الدول العربية، و11.7 في المئة من دول الخليج. هذه الأرقام تؤكد الخسارة الفادحة التي ستتعرض لها تلك الدول، بما فيها قطر، إذا استمر النزاع أشهراً طويلة.

لا يقتصر الأمر على التجارة، حيث أوضحت إحصاءات رسمية لمجلس التعاون الخليجي أن قطر استقبلت نحو 1.3 مليون من مواطني دول مجلس التعاون، ارتفاعًا من 526 ألفًا في عام 2006، فضلًا عن أن مئات الاماراتيين والسعوديين والبحرينيين والعمانيين يعملون في القطاعين الحكومي والأهلي القطري، ويتلقى مئات الطلبة الخليجيين دراستهم في قطر والعكس.

ثروة الغاز 

قالت قطر إن توفير الغاز للإمارات سيستمر، والجدير ذكره أن قطاع البناء والمشاريع السعودي سيكون من الخاسرين. وأشارت بلومبيرغ الى أن للنزاع السعودي القطري علاقة بالغاز الطبيعي، حيث تتقاسم قطر وايران حقل غاز عملاقاً، هو حقل الشمال البحري للغاز، أكبر حقل للغاز في العالم. عندما اوقفت قطر مشاريع تطوير وتوسيع الشمال للغاز عام 2005 زاد هذا من وتيرة الاحباط الاقليمي، لأن الكميات الاضافية ستساعد في توفير كميات أخرى من الغاز بأسعار متهاودة. وتم استئناف التطوير في ابريل 2017.

ثروة الغاز جعلت قطر من أغنى دول العالم، ورفعت دخل الفرد القطري السنوي إلى 130 الف دولار، واصبحت قطر أكبر مصدّر للغاز الطبيعي المسال وبنت علاقات قوية مع ايران والولايات المتحدة وروسيا. وهي تستضيف قاعدة عسكرية اميركية كبيرة. 

استثمرت قطر 2.7 مليار دولار من ثروتها السيادية في شركة روزنفت الروسية التابعة للدولة. ولا يرتبط غاز قطر الطبيعي بمنظومة أوبك التي تسيطر عليها السعودية، بل تعمل باستقلالية تامة وتحترم اتفاقات اوبك في ما يتعلق بالانتاج النفطي فقط.

أعطت ثروة الغاز قطر قوة اقتصادية استثنائية لمتابعة سياسات مستقلة كدعم جماعة الاخوان المسلمين في مصر وحركة حماس في غزة. كما أن ثروة الغاز الهائلة مكّنت قطر من تأسيس مشروعات إعلامية ضخمة ذات اختراق كبير عربيًا وعالميًا كقناة الجزيرة التي أحرجت أنظمة عربية في الشرق الأوسط، وأغضبت أخرى.

لا انهيارات

على الرغم من كل هذا، لا انهيار اقتصادياً في دول مجلس التعاون الخليجي. فحتى الآن، لم يطرأ أي تغيير يذكر على سندات دول مجلس التعاون الخليجي الأخرى. لكن يرى مصرفيون أجانب أن تكاليف الاقتراض قد تزيد على المنطقة كلها إذا استمرت التوترات الدبلوماسية.
وبسبب اعتماد منطقة الخليج على صادرات النفط والغاز، فإن علاقات التجارة والاستثمار بين دول مجلس التعاون الخليجي الست محدودة بالمقاييس العالمية، الأمر الذي سيقلل من احتمالات انهيارات اقتصادية في أي من دول المجلس. 

على الرغم من أن الإمارات هي أكبر شريك تجاري خليجي لقطر، لكن ترتيبها العالمي هو الخامس. ولا تساهم السعودية ودول الخليج العربية الأخرى بأكثر من خمسة إلى عشرة في المئة من تداولات سوق الأسهم القطرية، ما يعني أن الانسحاب حتى لو كان كاملًا لا يعتبر كارثيًا، على الرغم من تراجع ضئيل في البورصات الخليجية.

ما ستواجهه قطر هو ارتفاع تكاليف الواردات. فواردات قطر من الغذاء البالغة 1.05 مليار دولار في عام 2015 أتى نحو 309 ملايين دولار منها من السعودية والإمارات. وأتى جزء كبير منها، خصوصًا منتجات الألبان، برًا عبر الحدود السعودية، ولهذا ستضطر قطر إلى العثور على مصادر بديلة. وهذا الاجراء سيضر بمزودي الألبان السعوديين.

صادرات السعودية والإمارات

تظهر البيانات الآتية الخسارة التي سيتحملها الموردون من السعودية والامارات والبحرين بسبب مقاطعة قطر. فبحسب أرقام عام 2015، تأتي السعودية والامارات في المرتبة الأولى والثانية من حيث الدول المصدرة للمواد الغذائية إلى قطر، بإجمالي 310 ملايين دولار. أما في تجارة المواشي، فتأتي السعودية في المرتبة الأولى للمصدرين والإمارات في الخامسة بإجمالي 416 مليون دولار. في تجارة الخضروات، تأتي الإمارات في المرتبة الثانية والسعودية في الرابعة من حيث المصدرين، بإجمالي 178 مليون دولار سنويًا.

من ناحية تجارة الوقود، تأتي البحرين في المرتبة الأولى من حيث المصدرين، والإمارات في المرتبة الثانية وبإجمالي نحو 200 مليون دولار. أما في المعادن فتأتي الإمارات في صدارة الدول المصدرة لقطر، وبإجمالي سنوي يفوق نصف مليار دولار.