تسود حالة من الغضب الشديد في مصر بسبب موجة الغلاء الفاحش في الأسعار، وحمل المواطنون الرئيس عبد الفتاح السيسي المسئولية الكاملة عن غلاء المعيشة وتدهور الاقتصاد المصري، وهو ما يعتبره الخبراء سببًا مباشرًا في تراجع شعبية الرئيس ووضعه في مأزق كبير قبل الانتخابات الرئاسية المقبلة والمقرر اجراؤها منتصف 2018.


إيلاف من القاهرة: حمل المصريون الرئيس عبد الفتاح السيسي المسئولية الكاملة عن موجة الغلاء الفاحش في الأسعار عقب القرارات الاقتصادية التي أعلنتها الحكومة مؤخرًا بزيادة أسعار المواد البترولية، حيث تضمنت التسعيرة الجديدة زيادة سعر لتر بنزين 80 من 2,35 جنيهًا إلى 3,65 جنيهًا، ولتر السولار من 2,35 جنيهًا إلى 3,65 جنيهًا، فيما وصل سعر بنزين 92 إلى 5 جنيهات لكل لتر، وأسطوانة الغاز المنزلية إلى 30 جنيهًا بدلًا من 15 فقط.

ولأول مرة منذ وصول السيسي إلى حكم مصر في 2014 بشعبية هائلة، يرفع مواطنون شعاراتٍ على مواقع التواصل الاجتماعي وفي الشوارع تطالب الرئيس بالرحيل، وهو ما يعتبره الخبراء والمتابعون للمشهد المصري الداخلي سببًا مباشرًا في تراجع شعبية الرئيس بدرجة هائلة، مما يضعه في مأزق كبير قبل الانتخابات الرئاسية المقبلة والمقرر لها منتصف 2018.

ويقول المتابعون أن الرئيس المصري سيدفع ثمن القرارات الاقتصادية الأخيرة في ظل حالة الغضب العارمة الحالية داخل الشارع بعد رفع أسعار الوقود وزيادة أسعار فواتير الكهرباء والمياه، حيث قد تستغل ورقة غلاء المعيشة في يد منافسي السيسي في الانتخابات من أجل انقلاب الفقراء على الرئيس.

قرارات إجبارية

ورغم عدم خروج الرئيس للتعليق على قرارات رفع أسعار المواد البترولية وتوضيح الحقائق للشعب كعادته دائمًا في جميع القرارات السابقة التي اتخذتها الحكومة، إلا أنه وفي مؤتمر الشباب الشهري الذي عقد في الإسماعيلية خلال مايو الماضي، أكد السيسي أن الحكومة مجبرة على رفع الأسعار.

وشدد على أن إجراءات الإصلاح الاقتصادي هدفها تحقيق مصالح المصريين، موضحًا أنه لا يستمع للأصوات التي تطالبه بعدم تطبيق الإصلاح الاقتصادي حفاظًا على شعبيته، ولكنه يريد الصالح للمصريين أيا كانت الضريبة.

وأشار السيسي إلى أن وزير الداخلية اللواء مجدي عبدالغفار طلب منه تأجيل إجراءات الإصلاح الاقتصادي خوفًا من المظاهرات، ولكنه رفض قائلًا : «أنا واثق من حب المصريين لبلدهم وأنهم قادرون على التحدي».

وأكد السيسى أنه سيقدم للشعب المصري في يناير أو فبراير المقبلين كشف حساب تفصيلي عن وضع مصر منذ تسلمها أمانة وحتى الآن، يشرح من خلاله كيف كانت الأمور وكيف صارت، ويوضح للجميع ولمن سيختارونه للرئاسة.

تراجع الشعبية

وفي آخر استطلاع رأي أجراه المركز المصري لبحوث الرأي العام "بصيرة" حول تقييم أداء الرئيس بعد مرور ٢٨ شهرًا على توليه الرئاسة، حيث شمل التصويت كل شرائح المجتمع العمرية والتعليمية حسب الاستطلاع، فقد أظهرت النتائج أن نسبة من صوتوا بعدم الموافقة على أداء الرئيس نتيجة ارتفاع الأسعار بلغت ٧٤٪، بينما بينت النتائج أن من صوتوا بعدم الموافقة نتيجة عدم وجود فرص عمل بلغوا ١٣٪، بينما من صوتوا بذات الإجابة لعدم وجود أي تحسن في أوضاع البلد بلغوا ١٢٪، فيما بلغت نسبة من صوتوا بسبب سوء الأحوال الاقتصادية وعدم وجود عدالة اجتماعية ٤٪ حسب استطلاع المركز.

وطرح الاستطلاع سؤالًا على المستجيبين عما إذا كانوا سينتخبون السيسي إذا ما أجريت انتخابات رئاسية غدًا، إذ أجاب ٥٩٪ بأنهم سينتخبونه، بينما أجاب ٢٠٪ بـ"لن ينتخبونه"، و٢١٪ قالوا: "إن قرار انتخابه يتوقف على أسماء المرشحين أمامه".

غياب الرؤية 

يقول وحيد عبد المجيد، نائب رئيس مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية: "إن رفع الأسعار وتراجع الوضع الاقتصادي للمواطن أمر متوقع لغياب الرؤية الواضحة لدى رؤساء الحكومات المتعاقبة على مدار الثلاث سنوات الماضية، حيث لم يقدم نظام الرئيس عبد الفتاح السيسي خطة واضحة المعالم بشأن إحداث تغير حقيقي بالملف الاقتصادي، بل لجأ إلى الطرق السهلة المتمثلة في المطالبة بقرض من صندوق النقد الدولي ثم رفع أسعار المواد البترولية، وهو النظام الذي اتبع في عهد رؤساء مصر السابقين".

وأوضح عبد المجيد لـ"إيلاف" أنّ "استمرار التراجع الاقتصادي وفشل الحكومة في وقف غلاء الأسعار سوف يتسبب في تراجع شعبية الرئيس عبد الفتاح السيسي، حيث لن يصبر الشعب على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية المتراجعة كثيرًا، وهناك الكثير من محبي ومؤيدي السيسي فقدوا الثقة فيه، ويحملونه وحدة نتائج القرارات الاقتصادية الأخيرة في ظل وجود حكومة كل دورها تنفيذ تعليمات الرئيس".

عواقب وخيمة

يؤكد جمال زهران، أستاذ العلوم السياسية في جامعة بورسعيد والعضو السابق في مجلس النواب، أن شعبية الرئيس عبد الفتاح السيسي أصبحت على المحك وفي أدنى درجاتها، بسبب الانحياز للأغنياء على حساب الفقراء، وهم الفئة الكبيرة التي كانت سببًا مباشرًا في وصوله لحكم البلاد بأغلبية مطلقة؛ لكونه كسب تعاطفهم عندما أكد في برنامجه الانتخابي أنه سيعمل على حماية الفقراء وتحسين مستوى المعيشة لجميع المصريين خلال عامين كحد أقصى، ولكن تحولت تلك الوعود لوهم كبير اكتشفه الشعب بعد ذلك.

وطالب زهران الرئيس بسرعة امتصاص غضب الشارع عن طريق وقف غول الأسعار على مستوى كافة المنتجات الغذائية وغيرها وإلا ستكون العواقب وخيمة عليه، ويلزم ذلك تحسن في أجور ورواتب العاملين بالدولة، أما استمرار الوضع على ما هو عليه، فسيؤدي إلى حدوث انفجار يومًا ما في وجه الرئيس، وهو ما يتطلب ضرورة مراجعة طريقة إدارته للبلاد، حتى يحافظ على ما تبقى من شعبيته، وإلا سيكون الأمر غير محسوب المخاطر، وسيكون السيسي في مأزق شديد شعبيًا في الانتخابات الرئاسية المقبلة"، على حدّ تعبيره.

وتوقع المحلل في الوقت ذاته إعادة انتخاب السيسي في الانتخابات الرئاسية المقبلة، حيث سيستغل تخوف الناس من عودة الإخوان، وملف الحرب على الإرهاب، ولكن النجاح في الولاية الثانية للرئيس لن تكون بالأغلبية والمبايعة كما حدث في الفترة الرئاسية الأولى.

غياب المنافسة

على الجانب الآخر، يقول صلاح حسب الله، عضو مجلس النواب إن قرارات رفع الأسعار يمثل عبئًا كبيرًا على المواطن في الوقت الحالي، ولكن القرار رغم صعوبته إلا أن اتخاذه كان ضروريا، خاصة أن موازنة الدولة أصبحت غير قادرة على تحمل عبء إضافي في بند الدعم، مؤكدا أن نتائج رفع أسعار الوقود والكهرباء سيساعد الحكومة علي رفع رواتب العاملين بالجهاز الإداري بالدولة، وزيادة الإنفاق على برامج الحماية الاجتماعية للطبقة الفقيرة.

وأشار حسب الله إلى أن الشعب المصري "يدرك خطورة الفترة الصعبة التي تمر بها البلاد حاليًا على كافة الأصعدة، وبالتالي سيتقبل القرارات الاقتصادية الصعبة الأخيرة بهدف الحفاظ على أمن البلاد، والرئيس السيسي يدرك خطورة القرارات الاقتصادية ولكنه يثق في قدرة المواطن علي استيعاب الخطورة، وأن الفضل قادم، ومن هنا لا يتوقع حدوث أزمة كبيرة في حال ترشح الرئيس في الانتخابات القادمة"، متوقعا فوزه "بنسبة تأييد معقولة، خاصة وأن المشهد الداخلي يفتقد إلي وجود منافس قادر على مواجهة شعبية السيسي في الشارع"، على حدّ تعبيره.