إيلاف: غير بعيد عن أمواج البحر الأسود المتلاطمة على الشاطئ، ترعى جواميس بسلام قرب قرية كراربورون خارج إسطنبول، لكن هذا المشهد لن يبقى على حاله إذا فاز الرئيس رجب طيب أردوغان بالانتخابات الرئاسية ونفذ مشروعه الضخم الذي سيحول المراعي الخضراء إلى قناة شحن شبيهة بقناة بنما أو السويس.

شق قناة إسطنبول هو المشروع الأكثر طموحًا بين "المشاريع المجنونة" كما يسميها أردوغان، والتي حوّل بفضلها البنية التحتية في تركيا عبر بناء مطارات وجسور وطرق وأنفاق جديدة خلال 15 عامًا في السلطة.

في المنطقة، تكثر الإعلانات عن مبيعات الأراضي والعقارات التي تعرض مشاريع تضم شققاً تطل على القناة. ويُظهر مقطع فيديو لحملة أردوغان ما ستصبح عليه المنطقة بفضل المشروع الجديد حيث تتقاطع الجسور فوق القناة وتنتشر الشقق الفاخرة على ضفتيها.

يدافع المسؤولون الأتراك عن المشروع بقولهم إن القناة ضرورية لرفع الضغط عن مضيق البوسفور الذي يفصل بين أوروبا وآسيا ويمر عبر اسطنبول، وهو ممر تزدحم فيه حركة مرور السفن وشهد العديد من الحوادث بين سفن الشحن في الفترة الأخيرة.

لكن المعارضين ينتقدون المشروع باعتباره كارثة بيئية ستدمر ما تبقى من مساحات خضراء في اسطنبول وتحدث خللاً دائماً في النظام البيئي.

علامة تجارية عالمية
أصبحت القناة إحدى القضايا الرئيسة للحملة الانتخابية إذ يتباهى أردوغان بالفكرة كدليل على رؤيته لتحويل تركيا إلى أحد أكثر اقتصادات العالم ابتكاراً وأسرعها نمواً.

وتقول السلطات التركية إن الممر المائي الاصطناعي الذي سيبلغ طوله 45 كيلومتراً (28 ميلاً) وسيربط البحر الأسود ببحر مرمرة ستكون لديه القدرة على استقبال 160 سفينة يومياً. "ستكون علامة تجارية عالمية"، كما قال أردوغان خلال أحد تجمعاته الانتخابية.

لكن منافس أردوغان الرئيس في السباق الرئاسي محرم إينجه من حزب الشعب الجمهوري المعارض، أكد أنه إذا تم انتخابه فسوف يلغي مشروع قناة اسطنبول الذي وصفه بأنه هدر للمال العام. عن ذلك قال، "لا، لن أبنيها. لن أنفق مليار دولار من أموال هذا البلد على حفر قناة. مع احترامي للجميع، ولكن الأمر محال!".

يصف أردوغان المشروع بأنه الأحدث ضمن جملة من المشاريع الضخمة التي تضمنت جسراً ثالثاً عبر مضيق البوسفور، ونفقين تحت الممر المائي، ومطاراً ثالثاً جديداً ضخماً في إسطنبول من المقرر افتتاحه في أكتوبر.

لم تُباشر أعمال شق القناة بعد. لكنها تبدأ وفق المخطط من حي كوجك جكمجة في اسطنبول على بحر مرمرة، ثم تتجه نحو سد سازليديري قبل أن تصل إلى البحر الأسود بالقرب من كرابورون.

ويأمل المسؤولون الأتراك في أن تسمح القناة لتركيا بجني المزيد من المنافع من موقع إسطنبول كمركز لعبور سفن الشحن، وأن تخفض أوقات انتظار السفن التي غالباً ما ترسو لأيام خارج البوسفور.

مجزرة بيئية
لكن معارضي المشروع يرون في خطة شق القناة التي أعلنها أردوغان لأول مرة أثناء توليه رئاسة الوزراء في عام 2011، خطوة تتجاوز كل حدود.

وقالت نوراي كولاك من جمعية كوزي اورمانلاري (الغابات الشمالية) لوكالة فرانس برس "نحن لا نرى فيه مشروعا بسيطا لشق قناة، بل محاولة لجذب المزيد من المساكن ومشاريع البناء"، واصفة المشروع بأنه "مجزرة بيئية".

وفي محاولة واضحة لدحض مثل هذه الانتقادات، أكثر أردوغان خلال حملته الانتخابية من الوعود بإنشاء "حدائق وطنية" جديدة واسعة في اسطنبول ومدن أخرى.

وقالت بيلين بينار جيريتلي أوغلو من غرفة التخطيط المدني في مدينة اسطنبول إن مشروع القناة سيحد من موارد المياه الحيوية ويؤدي إلى فقدان مساحة واسعة من الغابات تعادل حوالي 20 ألف ملعب كرة قدم. وأضافت في تصريح لوكالة فرانس برس ان "قناة اسطنبول مشروع يهدد بشكل خطير الانتاج الزراعي ومستقبل تركيا".

لكن في كرابورون، حيث ترفع ملصقات اردوغان الانتخابية شعار "تركيا العظمى تحتاج زعيماً قوياً"، ينتظر بعض السكان البدء بشق القناة بفارغ الصبر.

وقال عثمان قبطان (76 عاماً) وهو أحد أصحاب الأرضي المحليين لوكالة فرانس برس "أمتلك أرضا هنا لم تكن لها قيمة في الماضي. أما اليوم فيمكن أن تجلب ضعف سعرها مرتين أو ثلاث. كلنا سنكسب من هذا المشروع". وأضاف "سيتم هدم بعض المناطق، لكن يمكن إعادة بناء مناطق جديدة".

لكن في قرية بكلالي إلى الجنوب من هنا حيث ستمر القناة أيضاً، قال الراعي هاليت أوزيغيت البالغ من العمر 64 عاماً، إنه يخشى أن تقضي القناة على عمله الذي يعتاش منه منذ سن العاشرة. وأضاف فيما كانت جواميسه ترعى العشب، "لن تبقى حيوانات أو مراعٍ إذا مرت القناة من هنا. كل شيء سيموت، ولن نعود نربي الحيوانات هنا".