إيلاف من روما: تقف أوروبا على أعتاب مرحلة جديدة فيما يتعلق برؤية أهلها لها كوجهة سياحية عالمية من العيار الثقيل، حيث تشكل العائدات من السياحة في بلدان مثل فرنسا واسبانيا وايطاليا نسبة كبيرة من دخلها، وتشير الاحصائيات إلى أن "القارة العجوز" حصدت من السياحة ما يقرب من 280ة مليار يورو في 2023.

وعلى الرغم من كل ذلك بدأت تتشكل ملامح موجة جديدة من سكان أوروبا الذين يرفضون الإفراط في السياحية لكي يتمكنوا من الاستمتاع أكثر ببلدانهم بعيداً عن التدفق السياحي "المفرط".

وتماشياً مع الموجة الجديدة، فقد شرعت البندقية الإيطالية الخميس بتطبيق إجراء يُلزِم السياح الذين يزورونها لفترات نهارية دفع ضريبة قدرها خمسة يورو، وهي خطوة أثارت احتجاجات من بعض السكان الذين رفضوا أن تتحول مدينتهم إلى "متحف".

أول مدينة في العالم تفرض رسماً
وباعت المدينة المدرجة ضمن مواقع التراث العالمي لليونسكو نحو 13 ألف تذكرة، بحسب ما أفادت البلدية، موضحة أن هذا الرقم "يواصل الارتفاع"، خصوصا وأن الإجراء لا يحدد عددا أقصى من البطاقات يوميا.

وتُباع هذه التذاكر عبر الإنترنت أو مباشرة في الموقع، وعلى حامليها إبرازها لمراقبين متمركزين في ساحة محطة القطارات.

ومن خلال فرض مبلغ 5 يورو على السياح كي يصبحوا مخولين ارتياد أزقتها الضيقة وجسورها الممتدة فوق القنوات المائية، تأمل البندقية في ثني عدد من الزوار عن القدوم في الأيام المزدحمة.

وقال سيلفان بيليران، وهو سائح فرنسي يزور البندقية بانتظام منذ 50 عاماً، في حديث، وهو يعرض بفخر تذكرته "أعتقد أن هذا القرار جيد لأنه سيحد ربما من أعداد السياح في البندقية".

وأمام محطة سانتا لوتشيا، نقطة الدخول الرئيسية إلى المدينة، أُنشئ مكتب لبيع التذاكر لمَن لم يحصل عليها عبر الإنترنت.

ورأى نائب رئيس بلدية البندقية للشؤون السياحية سيمونه فنتوريني، أن هذا الإجراء "يرمي إلى عدم تشجيع السياحة المحلية المرتبطة بسكان منطقة فينيتو الذين يمكنهم زيارة البندقية وقتما يريدون".

تجربة سوف تنتقل للعالم
وكان رئيس بلدية البندقية لويجي برونيارو أقرّ في أوائل نيسان (أبريل) بأن هذا الإجراء يمثل "تجربة"، من المرجّح أن تتّبعها مدن سياحية أخرى في العالم.

وفي فترات ذروة الارتياد، يمضي مئة ألف سائح ليلتهم في البندقية، إضافة إلى عشرات آلاف الزائرين الذين يقضون فيها ساعات قصيرة من دون المبيت، في المقابل، لا يتجاوز سكان وسط المدينة 50 ألف نسمة، وهو عدد في تراجع مطرد.

وستُفرض غرامة تراوح بين 50 إلى 300 يورو على السائحين الذين يحاولون التسلل دون تذكرة، مع العلم أن السلطات تؤكد أنها تفضل ثقافة الإقناع لا القمع.

ولا يتأثر بهذا الإجراء السائحون الذين ينامون ليلة واحدة على الأقل في الموقع، إذ سيحصلون على رمز استجابة سريعة QR code مجاني، فضلا عن إعفاءات أخرى تشمل خصوصا الأطفال دون سن 14 عاما والطلاب. وقد طالت هذه الإعفاءات 90 ألف شخص حتى منتصف نهار الخميس، بحسب البلدية.

ولا يحظى هذا الإجراء الجديد بإجماع سكان البندقية، إذ رأى البعض أنه اعتداء على حرية التحرك وخطوة نحو تحويل مدينتهم إلى متحف.

وقالت مارينا دودينو، وهي امرأة خمسينية متقاعدة وعضو في جمعية محلية للسكان، "نحن لسنا متحفاً أو محمية طبيعية، بل مدينة، ولا ينبغي دفع الأموال لقاء" التنقل فيها.

ونظمت مظاهرة على مقربة من المحطة، شارك فيها نحو 300 شخص ساروا خلف لافتة كبيرة كتب عليها "لا للتذاكر! نعم لتوفير مساكن وخدمات للجميع".