تتسارع الأحداث في العالم يوماً بعد يوم، وكأننا ذاهبون إلى حدث يشبه ما سبق الحرب العالمية الأولى والثانية، فكل المؤشرات الظاهرة على السطح تدل أن العالم في مخاض لا أحد يعرف نتائجه، وأعتقد أن بداية هذا المخاض كان في أحداث الحادي عشر من أيلول (سبتمبر) من خلال عملية استهداف برجي التجارة العالمية، وهذا فتح باب الجحيم على المنطقة العربية من أوسع أبوابه، فحدث غزو الولايات المتحدة الأميركية للعراق، وتم تمكين إيران وميليشياتها من السيطرة على العراق ومقدراته، ومن ثم تبعه ثورات الربيع العربي التي أحدثت فوضى في المنطقة العربية وما حولها، ولعلنا في هذا الحيز نستذكر تصريحات وزيرة الخارجية الأميركية السابقة كوندالزا رايس حول الفوضى الخلاقة التي ما زالت تعاني منها المنطقة العربية حتى الآن وربما يستمر الحال على ما هو عليه لسنوات بانتظار الترتيبات النهائية لهندسة العالم للقرن القادم.

إنَّ الأحداث التي تبعت الثورة في تونس قلبت موازين القوى السياسية في ذلك البلد، لكنه ولحسن الحظ وتدبير القادة السياسيين في ذلك البلد لم تتطور الأمور إلى إراقة الدماء، فكان التغيير سلمياً سلساً، واحتكم الجميع بعد سقوط حكم الرئيس زين العابدين بن علي إلى القانون، بعكس باقي ثورات الربيع العربي. ففي مصر، سيطرت جماعة الإخوان المسلمين على الحكم وسرعان ما وضع الجيش والشعب المصري حداً لجرائمهم وأسقطهم بمشهد دموي سيبقى في ذاكرة المصريين طويلاً، أما في اليمن، فالأمر كان أكثر دموية من خلال الاستقطابات الحزبية والعشائرية والمذهبية، وما زالت اليمن تعاني من هذا الصراع حتى الآن. أما في ليبيا، فقد كان الأمر أكثر دموية، وانقسم الشعب الليبي أفقياً وعامودياً، وغرق الجميع في بحر من الدماء، وما زال الوضع هناك غير مستقر، بالرغم من طرح العديد من الحلول السياسية، ولعل ثورة السودان وما تمخض عنها من اقتتال بين إخوة الأمس أعداء اليوم تشكل نموذجاً لحكم العسكر "المتأخونين"، الذي عاث فساداً وإفساداً في الدولة السودانية، وقُسم السودان إلى دولتين، ومن الممكن تفتيته مرة أخرى.

أما في لبنان، فالقصة تكمن في سيطرة حزب الله، أحد أذرع إيران القوية في المنطقة، على مقدرات الدولة اللبنانية، والذي تمخض عنه ثورة سلمية سرعان ما تم إخمادها بالحديد والنار. أما في سوريا، فالأمر اختلف تماماً عن كل الحرائق التي عصفت في ثورات الربيع العربي، ويمكن أن أقول إنَّ الثورة السورية الأكثر دموية إذا ما قورنت ببقية الثورات من حيث عدد الشهداء وعدد المهجرين وعدد النازحين وحجم الدمار الذي أحدثته آلة القتل الأسدية والروسية والإيرانية وحجم التدخلات العسكرية الخارجية، ناهيك عن بقاء بشار الأسد ونظامه في الحكم، بالرغم من هشاشة النظام، إلا أن بقاءه بعد كل هذه الجرائم التي ارتكبها بحق الشعب السوري هو معجزة ساهم فيها الغريب والقريب.

إقرأ أيضاً: الفصائل الجهادية في الثورة السورية: الجذور والبدايات

وفي ظل انشغال العالم بما يحدث على الساحة العربيَّة، اندلع الكثير من الأزمات تباعاً، كان أشرسها الحرب الروسية على أوكرانيا، التي ما زالت نيرانها تلتهم البلدين وتستنزف قواهما المادية والبشرية، وفي حال قرر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين تنفيذ مخططه بالاستيلاء على أوكرانيا، فالأمر سيكون أكثر دموية، خاصة إذا نفذ تهديده العلني الذي سبق العملية الإرهابية في موسكو باستخدام السلاح النووي، وما يعقد الأمور أكثر تهديد الأوربيين وعلى رأسهم فرنسا بدخول الحرب بعد سيطرة روسيا عبر الانقلابات العسكرية على بعض دول الساحل الأفريقي كالنيجر ومالي، التي كانت تهيمن عليها فرنسا، وسيكون هذا أحد أسباب فتح بوابة جحيم الحرب العالمية الثالثة، ويعزز هذا كله تحركات الولايات المتحدة الأميركية العسكرية بُعيد عملية طوفان الأقصى، واستجلابها الأسطول الخامس والسادس بما فيها حاملات الطائرات والغواصة النووية والمدمرات وعدد هائل من القطع البحرية إلى البحر المتوسط والبحر الأحمر وبحر العرب والمضايق المحيطة بها، وتعزيز قواعدها العسكرية في منطقة الخليج والأردن بهذه الكثافة غير المعهودة منذ الحرب العالمية الثانية، ناهيك عن إعادة ألمانيا تشغيل مصانعها العسكرية، وطلب وزير الدفاع السويدي من مواطنيه التطوع في الجيش، ولا يغفل عنا التهديد النووي الإيراني وتمدد إيران وسيطرتها على أربع عواصم عربية وتمددها أيضاَ إلى غرب المتوسط، ودعمها جبهة البوليساريو في المغرب، وعلاقتها الوطيدة مع الجزائر، ناهيك عن الحرب الدائرة في غزة بعد عملية السابع من تشرين الأول (أكتوبر) واحتمال تمدد هذه الحرب إلى لبنان ليشتعل حريق آخر في المنطقة، ناهيك عن التوتر غير المسبوق في بحر الصين بين الولايات المتحدة الأميركية والصين، وقضية تايوان المتجددة، وتمدد الصين في تحالفاتها الاقتصادية والعسكرية مع إيران وتحالفها الاقتصادي والسياسي مع المملكة العربية السعودية.

إقرأ أيضاً: إيران وعشائر سورية

علينا أيضاً ألا نغفل عن التحالفات الجديدة المتجددة في العالم، والتغير في موازين القوى الاقتصادية، خاصة في مجموعة البريكس التي انضمت إليها مؤخراً قوة اقتصادية مهمة على مستوى المنطقة والعالم وهي المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، ومن جهة أخرى نرى جلياً الخلل الواضح في علاقات دول الناتو فيما بينها، ولعل مربط الفرس فيما سيحدث والأكثر أهمية هو الأزمة الاقتصادية العالمية والصراع على طرق التجارة العالمية بين الفرقاء الطامحين ليكون كلٌ منهم قطباً من أقطاب الهيمنة على العالم، وباعتقادي الاقتصاد هو البوابة العريضة لذلك، لهذا تسعى أميركا وحلفاؤها لفتح طريق جديد للتجارة العالمية يبدأ من الهند وينتهي في أوروبا مروراَ بإسرائيل والبحر المتوسط، كي يكون بديلاً لطريق الحرير المعروف، كل هذا يؤكد بشكل جلي أن ثمة حدثاً جللاً ينتظر العالم على الأرجح سيكون حرباً عالمية، لكن ليست تقليدية ولن تشبه سابقاتها بشيء سوى الدمار وسفك دماء البشر، ويمكن أن يكون أخطر ما يخطط له الساسة والعسكر في دول صناعة القرار هو الحرب النووية، ولو أني أعتقد أنَّ الحرب ستعتمد على استخدام تكنولوجيا الجيل الخامس فيها، وستكون نتائجها مدمرة للبشرية، ويمكن أن تشتعل شرارة هذه الحرب من شرق أوروبا كما حدث في الحربين العالميتين الأولى والثانية.