منذ عشرين عامًا، شاهد العالم نتاج أول عملية استنساخ لكائن بالغ، فكانت النعجة دوللي. وما زالت ذريتها على قيد الحياة. اليوم، يعود الكلام عن جدوى هذا العلم الذي وقف كثير من العلماء في وجه تطوره، خشية من استنساخ البشر.


إبتسام الحلبي من بيروت: في صيف 1996، كانت كارين ميكوك، عالمة أحياء الخلايا، تحضر حفل زفاف في المرتفعات الاسكتلندية. وفي طريق عودتها إلى فندقها، وجدت رسالة بانتظارها، كتب فيها: "ولدت بيضاء الوجه مع ساقين مكسوّتين بالفرو". كان إعلانًا غير عادي عن ولادة غير عادية.

في فبراير من ذلك العام، مررت ميكوك، العاملة في معهد روزلين للبحوث الحيوانية قرب أدنبره، شرارة كهربائية صغيرة في خليتين: الأولى بويضة أزيلت منها نواتها التي تحتوي على الجينات كلها تقريبًا؛ والثانية بويضة احتفظت بنواتها بعدما استُخرجت من ضرع نعجة. وأدّت الشرارة الكهربائية إلى التحام الخليتين وتشكيل جنين.

كانت المتبرعة بالبويضة نعجة اسكتلندية سوداء الوجه، وكذلك الأم البديلة التي حملت الجنين حتى ولادته. أما خلية الضرع فكانت من نعجة بيضاء الوجه تدعى "فين دورست".

وبحسب الفاكس الذي تلقّته السيدة ووكر، فالحمل حديث الولادة يحمل هذه المواصفات، أي نجحت عملية "نقل النواة" التي كانت تشرف عليها، وتمّ استنساخ نعجة بالغة.

في اتجاه واحد

بقي الاكتشاف سرّيًا، ولم يكشف عن وجود "دوللي" حتى فبراير التالي، عندما نشرت مجلة "نايتشر" تقريرًا علميًا أثار غضبًا كبيرًا خارج حدود العالم العلمي حتى. رُدّ هذا الهرج والمرج بين العلماء إلى حقيقة مفادها أن كثيرين اعتقدوا أن استنساخ الحيوانات أمر مستحيل.

كان جون غوردون من جامعة أكسفورد قد استنسخ ضفادع من طريق نقل النواة في عام 1958، لكنّ إبداعاته لم تتطور إلى ما بعد مرحلة "الشرغوف" أي فرخ الضفدع الصغير. وفشلت كل الجهود لفعل ذلك مع الثدييات، ما دفع علماء الأحياء إلى الاعتقاد أنه على الرغم من أن كل الخلايا في الجسم تتشارك المادة الوراثية نفسها، فهي لم تكن تملك القدرات الإنجابية بشكل متساوٍ. و"الخلايا الجذعية"، كالموجودة في الأجنة، يمكن أن تتطور إلى أنواع مختلفة من الخلايا المتخصصة الموجودة في الجلد والعضلات أو الأعصاب. غير أن تلك الخلايا "المتميزة" لا يمكن أن تتحوّل مجددًا إلى خلايا جذعية... إذًا، كان التطور في اتجاه واحد.

أظهرت البحوث في معهد روزلين أن هذا ليس صحيحًا تمامًا. كان كيث كامبل الذي أدرك أهمية تزامن "دورات الخلية"، أي إيقاعات نمو الخلايا وانقسامها، هو الذي أحرز تقدمًا مهمًا في هذا المجال. فمن خلال تجويع الخلايا المانحة بطريقة تجبرها على التوقف عن الانقسام، تمكّن كامبل من دمجها مع دورة الخلية البيضية. ومن خلال إظهار أن الحمض النووي في الخلايا "المتميزة" يمكن إعادة استخدامه عن طريق نقل النواة، طرحت دوللي احتمالين جديدين: الأول، وأصبح يعرف باسم "الاستنساخ التكاثري"، وهو نسخ حيوانات فردية؛ والثاني، إنشاء خلايا جذعية جنينية (خلايا ES) قابلة للتحول إلى جميع أنواع الخلايا الأخرى.

تجدر الملاحظة أن أمراضًا مختلفة يعود سببها إلى غياب أنواع معينة من الخلايا المتميزة: خلايا بيتا المفرزة للأنسولين في حالة مرض السكري، أو الخلايا المكونة للمايلين في مرض التصلب المتعدد. وبدا أن تكوين الأجنة من خلال نقل النواة (أو النقل النووي) ربما يوفر خلايا جذعية جنينية كثيرة يمكن استخدامها للبحث في مثل هذه الحالات وعلاجها، وهو ما أصبح يعرف بـ "الاستنساخ العلاجي".

الأم ضرع لا أكثر

كان مصدر القلق الرئيس لمعهد روزلين هو الاستنساخ التكاثري. فالباحثون في هذا المجال كانوا مهتمين في تحسين سبل "التعديل الوراثي" الحيواني، حيث تضاف جينات إلى الحيوان لتفرز بروتينات خاصة. وربما تكون القدرة على إنتاج نسخ متعددة من هذه الحيوانات الأكثر إنتاجية نعمة كبيرة.

عرف علماء روزلين أن نقل النواة سيكون له استخدامات أخرى. ووفقًا لما تتذكره ميكوك، فعندما كان خبر استنساخ النعجة غير معروف، كان أعضاء الفريق يتحدثون في ما بينهم عن العلاجات التي قد تؤدي إليها. ما لم يقدّروه هو أنّه بمجرد كشف دوللي إلى العلن، لن يتكلّم الجمهور إلا في أمر واحد: الاستنساخ البشري.

كان من المفترض الإعلان عن دوللي خلال مؤتمر صحافي يتزامن مع وقت صدور "نايتشر". لكنّ الخبر تسرّب قبل أيام من ذلك، حين قامت صحيفة "أوبزرفر" البريطانية بنشره أولًا. وتوقعت الفقرة الثانية من القصة المنشورة التالي: "ما سينال الاهتمام هو احتمال استنساخ الناس، وإنشاء جيوش من الحكام المستبدين".

وهذا ما حدث فعلًا. أما العناوين في هذا السياق فتراوحت بين: "نشوء احتمالات مرعبة"؛ و"نعجة مستنسخة في مهبّ عاصفة نازية"، بينما وضعت شبيغل الألمانية أفواجًا من هتلر وآينشتاين على غلافها. إذًا، ساد الهوس بفكرة أن استنساخ الإنسان كانت قاب قوسين أو أدنى.

وأشار هانك غريلي، أستاذ قانون في جامعة ستانفورد المختص في القضايا المحيطة بالتكنولوجيا الإنجابية (التكاثرية)، إلى أن الإحساس بالخطر ورفض هذا الاحتمال لم يكن مستغربًا. فالناس غالبا ما يرتبكون ويشمئزون من التغييرات في التوالد البشري. فالتخصيب في المختبر أو التلقيح الاصطناعي وتأجير الأرحام مسائل أثارت قلقًا ونقاشًا وولّدت معارضة شديدة في بعض الأوساط.

أخبار سيئة

في الحقيقة، داعب الاستنساخ مخاوف أعمق بعد. من إطلاق ميكوك شرارة كهربائية شبيهة برعشة فرانكشتاين الحيوية إلى حقيقة أن الإنسان الأكثر شهرة في التاريخ الذي لا والد له يعرفه المؤمنون بـ "حمل الله"، كان من الصعب صوغ تقدم علمي في سياق ثقافي أكثر ثراء وغدرًا.
إذًا، فالتجديف وروايات مثل "عالم جديد شجاع" و"صبيان من البرازيل"، وقصص عن الجهود المبذولة لاستنساخ أدولف هتلر أضيفت إلى اللائحة وأدّت إلى تعقيد الوضع.

كان الكابوس الذي راود البعض هو أن يصير الاستنساخ التكاثري والاستنساخ العلاجي الشيء نفسه، مع أشخاص مستنسخين بكامل وعيهم، يستخدمون لقطع الغيار، كما في رواية بقلم مايكل مارشال سميث التي نشرت قبل وقت قليل من الكشف عن دوللي.

ما زاد الطين بلّة هو أن تدخلًا غير طبيعي سابق في الزراعة البريطانية، بإضافة أدمغة البقر إلى غذاء الماشية، أدّى في أوائل التسعينيات إلى فضيحة "جنون البقر" وإعدام 4,4 ملايين رأس ماشية. وأوعز الرئيس الأميركي آنذاك بيل كلينتون إلى اللجنة الاستشارية الوطنية الأميركية لأخلاقيات علوم الحياة بالإبلاغ عن اي استنساخ بشري في غضون 90 يوما؛ وحذا الرئيس الفرنسي ورئيس المفوضية الأوروبية ومدير اليونسكو حذوه.

هل نجحوا؟

قال كثيرون إن الاستنساخ البشري يتعارض مع الطبيعة ويقوّض الكرامة الإنسانية. وبالنسبة إلى أولئك الذين لم يراودهم هذا الشعور، فالعقبات العملية والأخلاقية بدت هائلة. في حالة دوللي، نجحت 277 عملية "نقل نواة" في إنتاج 29 جنينًا بحالة شبه طبيعية، تمّ زرعهم في 13 أمًّا بديلة. ولم ينج إلا واحد، وكان من الصعب سماع دفاع أخلاقي عن تطبيق عملية مثل هذه، فهي غير مجدية للناس المحتملين، حتى لو كانت النهاية غير هجومية بحد ذاتها.

كانت صحة المولود من النقاط المقلقة. فدوللي عانت هشاشة العظام والتهاب الرئة في سن مبكرة، ما أثار جدلًا حول إذا كانت قد ماتت قبل أوانها. وأظهرت محاولة استنساخ أنواع أخرى من الحيوانات ميلًا إلى تطوّر حالات شاذة متنوعة. لكنّ أربع نعجات مستنسخة عن دوللي نفسها تتمتع حاليًا بصحة جيدة في جامعة نوتنغهام.

إلا أن حقيقة أن معظم الباحثين اعتبروا أن الاستنساخ التكاثري البشري ورطة لم تمنع بعض طالبي الانتباه من الزّعم بأنهم سيستنسخون البشر، حتى أن بعضهم ادّعى لاحقًا أنّه نفّذ ذلك فعلًا، وأوّلهم الفيزيائي الأميركي ريتشارد سيد، ثم طائفة "أتباع رايل" السويسرية التي ادعت النجاح في عام 2002، والطبيب النسائي الإيطالي سيفيرينو أنتينوري الذي قال إنه نجح في عام 2009. لكن، ما زال شك الخبراء كبيرًا في هذه المزاعم غير المدعومة بأدلة علمية.

أعدت "إيلاف" هذا التقرير عن "إيكونوميست". الأصل منشور على الرابط الآتي:

http://www.economist.com/news/briefing/21717028-twenty-years-ago-world-met-first-adult-clone-sheep-called-dolly-her-legacy-lives