ثمة أنواع كثيرة من العناكب البحرية بلا قلب، وحتى التي تملك قلبًا، فهي لا تستخدمه في ضخ الأوكسيجين إلى أنحاء جسمها، لأن هذه مسؤولية الأمعاء فيها.

إيلاف من الرياض: ربما تكون عبارة "وحش عصور ما قبل التاريخ" مترافقة في عقولنا مع صورة عناكب البحر. فعلى الرغم من أنها ليست أكبر من حجم راحة اليد، ولا تهدد الناس، فبمجرد التفكير في هذه الزواحف يرنّ ناقوس الخطر في النفس البشرية.

ومن المؤكد أنها تعود إلى عصور ما قبل التاريخ، فالأحافير تظهر أنها عاشت قبل 500 مليون سنة، في العصر الكمبري، أو ما يعرف بـ "فجر الحيوانات". أما العناكب الحقيقية، التي تمت بصلة نسب بعيدة جدًا إلى عناكب البحر (ولبعضها أكثر من ثماني قوائم)، فعاشت في العهد الكربوني، أي منذ قبل نحو 300 مليون سنة.

تطور حاسم
كان نظام الدورة الدموية أحد أهم التطورات الحاسمة التي سمحت للحيوانات المتعددة الخلايا أن تولد في العصر الكمبري أو قبله بقليل.

ويمكن المخلوقات الصغيرة المكونة من خلية واحدة أو من عدد قليل من الخلايا أن تمتص من المياه التي تسكن فيها ما يكفيها من الأوكسجين لتلبية متطلباتها التنفسية. أما الحيوانات الأكبر حجمًا فتحتاج وسيلة لنقل الأوكسجين إلى الأنسجة البعيدة عن سطح الجسم.

حلّ معظم هذه الحيوانات هذه المشكلة من طريق "قلب" يدفع الدم المحمّل بالأوكسجين إلى جميع أنحاء الجسم. على الرغم من ذلك، يقول آرثر وودز، عالم الأحياء في جامعة مونتانا، في مجلة "Current Biology" إن عناكب البحر تستخدم تكتيكًا بديلًا: لا تستخدم قلبها لدفع الأوكسجين، بل أمعاءها.

بقي تنظيم عناكب البحر إمداداتها من الأوكسجين لغزًا تعذر حله فترة طويلة. فبعض الأنواع يعيش بلا قلب. وحتى العناكب التي تملك قلبًا، فهو ضئيل جدًا لا يبدو قادرًا على أداء المهمة الكبرى الموكلة إليه. تشريح دقيق لهذه العناكب البحرية يؤكد أن تماس أجسامها مع الماء الذي تعيش فيه كافٍ لتزويدها بالأوكسيجين.

ماذا بعد؟
لكن وودز يتساءل إن كان الأمر يقف عند هذا الحد. فعناكب البحر تملك تجويقًا معويًا، وهو التجويف الذي يحفظ الأعضاء الداخلية في الجسم. وبدلًا من ذلك، يمتد الجهاز الهضمي في عنكبوت البحر حتى في قوائمه الثماني (أو العشر أو الإثنتي عشرة...)، يمر فيه الطعام من طريق حركة الجدران المعوية الدافعة أو التمعج. ويقول وودز إن الأوكسجين يتحرك في أجسام العناكب البحرية بالأسلوب نفسه.

لاختبار هذه الفكرة، غاص وودز مع فريقه لجمع 12 نوعًا من عناكب البحر قبالة ساحل ولاية واشنطن، وإلى الجنوب مثل محطة ماكموردو في القارة القطبية الجنوبية.

على الرغم من امتلاك هذه الأنواع من العناكب قلوبًا، تمكن وودز من تبيان أن دوران الأوكسجين في أجسامها يتم من خلال الحركة المعوية، وذلك من خلال ثلاث تجارب: التجربة الأولى هي رسم خريطة تفصيلية لحركة السوائل داخل الحيوان بحقنه بصبغة ملونة ومتابعة حركتها؛ والثانية هي استخدام الأقطاب الكهربائية المدسوسة في الحيوان لقياس تغيّر تركيز الأوكسجين في أجزاء مختلفة من جسمه؛ والثالث هي تبيان تغير نمط الحركة المعوية عند رفع نسبة الأوكسجين في الماء أو خفضها.

لا حاجة إلى القلب
أظهرت التجربتان الأولى والثانية بشكل لا لبس فيه أن ساقي عناكب البحر تؤديان دور الخياشيم، وتوفران سطحًا يمكن من خلاله إدخال الأوكسجين إلى العنكبوت. بعد ذلك، يُنقل هذا الأوكسجين عن طريق التمعج، أو الحركة المعوية الدافعة، إلى أماكن أخرى في جسمه، وخصوصًا البطن، حيث يمكن القلب تولي مهمة نقل الأوكسجين.

في حين أظهرت التجربة الثالثة أن معدل التمعج يزيد برفع تركيز الأوكسجين في الماء المحيط بالعنكبوت. وهذه الاستجابة المستقلة عن كمية الطعام في القناة الهضمية يدل على أن الحركة المعوية نابعة من التكيّف مع كمية الأوكسجين الداخلة إلى الجسم، ولا تحصل بالصدفة.

وهكذا، الغياب التام للقلب في بعض أنواع العنكبوت البحري مردود على ما يبدو إلى هيمنة الحركة المعوية الدافعة على مهمة توزيع الأوكسجين، ما يجعل القلب زائدًا عن الحاجة.


أعدّت "إيلاف" هذا التقرير عن "إكونومست". الأصل منشور على الرابط التالي:

https://www.economist.com/news/science-and-technology/21724986-heartless-beasts-how-does-animal-no-heart-circulate-oxygen?fsrc=gnews