إن نسِيَ الاماراتيون إلا أنهم&لا ينسون باني نهضة دبي، وزارع روح الاتحاد في جنبات بلادهم، بعدما كان المبادر إلى قيامة الامارات، بعد قيامة دبي في حكمه.


دبي: ثمة شخصيات عظيمة يجود بها الزمان مرة، فلا يتكررون، منهم الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، حاكم دبي السابق، ورفيق درب الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان في تأسيس دولة الامارات العربية المتحدة، وتحقيق حلم الاماراتيين باتحاد يضمهم في جنبات دولة ترافع إلى مصافي الدول الراقية.

نفاذ بصيرة

الشيخ راشد رجل عرف برجاحة العقل ونفاذ البصيرة. أدرك أن المستقبل معقود لدبي، ومن ورائها لكل الامارات، فرصد كل جهده لنهضتها، حتى صارت الامارة الصغيرة اليوم شغل العالم الشاغل.

انخرط الشيخ راشد في العمل السياسي منذ نعومة أظفاره، لأنه الولد الأول للشيخ سعيد. اعتاد حضور مجلس أبيه، وكان يبدي اهتماماً بالغاً بما يدور في المجلس، ويصغي لكل الآراء والأفكار التي يطرحها الحضور، ولا يتردد في أن يمضي مع والده ساعات طوالاً، يسأله عن كل الأحداث والوقائع التي يشهدها أو تتناهى إلى سمعه، يتحاور معه ويستأنس برأيه.

فضل الشيخ راشد بن سعيد أنه كانت له اليد الطولى في قيامتين، قيامة دبي ووصولها إلى ما هي فيه الآن، وقيامة الامارات وتبوؤها مكانة عالية بين الأمم.

موقف ثابت

تجلت براعة الشيخ راشد في إدارة الأزمات في موقف ثابت اتخذه إزاء الفوضى التي شاعت مع انتشار السلب والنهب، إبان الحصار الاقتصادي الذي فرضه البريطانيون على ايران، التي كانت تقف في صف دول المحور في الحرب العالمية الثانية.

فرض البريطانيون على دبي حظرًا على استيراد وتصدير المواد الغذائية، فسعى الشيخ راشد لتوفير المواد الغذائية لرعاياه، بأسعار تتلاءم مع مستواهم الاقتصادي من أصحاب البقالات، وأدخل نظام البطاقات الذي سمح للمواطن بالحصول على الحصة الشهرية من المواد الغذائية.

قيامة دبي

من أهم المحطات المشهودة له فيها هي المشاريع التي اعتبرها الآخرون مستحيلة، وكانت بمثابة تحدٍ له، عقد العزم حتى أنجزها، بعد بلوغه كرسي الامارة بدبي، كإنشاء مستشفى آل مكتوم، أول مستشفى حديث في الإمارات المتصالحة، اي دولة الإمارات المتحدة الآن في العام 1950، وافتتاح "إمبريال بنك أوف إيران"، الذي تحول في ما بعد إلى "البنك البريطاني للشرق الأوسط" في عام 1954، ومطار دبي الدولي في العام 1960، الذي وفر طاقة استيعاب هائلة للعدد المتزايد من الزوار والوافدين إلى البلاد، وجسر آل مكتوم الذي يربط خور دبي بمنطقة ديرة في العام 1963.

وأكد&إنجاز المطار والجسر أن التخطيط للبنية التحتية للمدينة لم يكن مجرد تلبية لمتطلبات المجتمع، بل ارتبط وثيقًا برؤية الشيخ راشد الطموحة للتطوير المستقبلي لدبي.

ووصلت الكهرباء وخدمة الهاتف إلى دبي في العام 1960، بتدبير منه، ورسم في العام 1963 مرسومًا بتأسيس بنك دبي الوطني المحدود برأس مال مقداره مليون جنيه إسترليني، بعدما كانت التعاملات المالية والمصرفية حكرًا على المصارف الأجنبية.

قيامة الامارات

ومن أهم المحطات في حياة الشيخ راشد السياسية مشاركته في مجلس "الإمارات المتصالحة"، إذ مهدت هذه المشاركة لقيام الاتحاد. فقد كان مقتنعًا بأن مستقبل إمارات الساحل المتصالحة سيكون أفضل إذا توحدت وأمسكت بزمام الأمور.

عمل على إقناع حكام الإمارات وقطر من أجل إنشاء كيان وحدوي، عارضًا خطته على الحكام في اجتماعات ثنائية. في العام 1965، وضع يديه بيد الشيخ زايد، ودعا إلى اجتماع لحكام الإمارات السبع، إضافة إلى حاكمي قطر والبحرين، في قصر الضيافة بدبي، في مقدمة لإصدار وثيقة الاتحاد، من دون البحرين وقطر.

أصدر وثيقة الوحدة بين دبي وأبوظبي في شباط (فبراير) 1968، وأُعلن عنها رسميًا في 2 كانون الأول (ديسمير) 1971، فتولى منصب نائب رئيس الدولة، ومنصب رئيس مجلس الوزراء.

ولما بدأت التحركات للمّ شمل الأخوة تحت مظلة واحدة، كان الشيخ راشد من أوائل الذين وضعوا أيديهم بيد الشيخ زايد- رحمه الله -بكل عزيمة وجهد وتفانٍ؛ لاستكمال الحلم.

وكان سموه يشجع على سياسة التمهل وعدم التسرع والانسياق وراء الأحلام دون وضع الأساسات الصحيحة التي تمكنها من الاستمرار.

قررنا!

في 22 تشرين الأول (أكتوبر) 1973، وقف الشيخ راشد وقال: "قررنا وقف تصدير النفط إلى الولايات المتحدة الأميركية، وسنقوم بنفس الإجراء ضد أية دولة تتخذ نفس الموقف الأميركي إزاء قضيتنا العادلة"، في موقف حازم من السياسة الأميركية التي وقفت إلى جانب إسرائيل، أثناء حرب تشرين بين مصر وسوريا والأردن من جهة وإسرائيل من جهة أخرى.

كان هذا موقف الامارات. وكان الشيخ زايد، رئيس دولة الامارات، يومها في زيارة إلى بريطانيا، فقطعها وعاد إلى البلاد.