أوصلت الأزمة الخليجية - القطرية مجلس التعاون الخليجي إلى مشارف الانفراط والتشرذم في العام 2014، ووصلت الأمور في بعض التحليلات إلى حد غير مسبوق في تاريخ المجلس، حينما ظهرت تسريبات بأن كل الوسائل متاحة&والخيارات مطروحة،&إلا أن الرؤية السعودية أعادت الأمور إلى طبيعتها بمصالحة جامعة اشترك فيها تقريبًا كل الخليجيين.


الرياض: صحيح أن العام 2014 ينتهي على خير خليجي، بانعقاد الدورة 35 لمجلس التعاون لدول الخليج العربية في العاصمة القطرية الدوحة، إلا أن ذلك جاء بعد عام قاسٍ من التحديات والأزمات، التي وقفت أمام تطور العلاقات الخليجية واتجاهها نحو التكامل، وصولاً إلى الاتحاد الذي اقترحه الملك عبدالله ووافقت عليه دول وتحفظت أخرى، بعضها معلن مثل عمان والبعض الآخر غير ذلك مثل أطراف كثيرة في الكويت.

في قمة الدوحة الأخيرة، كان التركيز الفعلي على ضرورة تأسيس مرحلة جديدة من العمل الجماعي بين الدول الاعضاء في مجلس التعاون، من أجل مجابهة التحديات التي تواجه أمن الخليج واستقراره، وبالفعل كانت القمة التي أعادت كثيراً من الأمور لمجراها المتعارف عليه خليجياً، وخصوصًا في المواقف السياسية التي كانت المتأثرة الوحيدة تقريباً، فيما كانت كل المجالات تمشي بوتيرتها الاعتيادية اقتصاديًا واجتماعيًا وثقافيًا وكذلك رياضيًا.

عام التعاون رغم تحديات السياسة

في 11 شباط (فبراير)، وقعت هيئة الربط الكهربائي لدول مجلس التعاون الخليجي وشركة شيزي الشرق الاوسط في أبوظبي اتفاقية تعاون في مجالات التشغيل والتخطيط للشبكات الكهربائية في اطار دعم الجهود الرامية الى انشاء سوق خليجية وعربية للطاقة.

وفي 17 نيسان (أبريل)، وافق وزراء خارجية دول مجلس التعاون على آلية تنفيذ وثيقة الرياض، التي تنص على عدم التدخل في شؤون الدول الأخرى، وتوحيد السياسات بما لا يمس سيادة ومصالح وأمن واستقرار أي منها. وفي 26 تشرين الأول (أكتوبر)، انعقد الاجتماع الثاني عشر للجنة الوزارية المعنية بمتابعة تنفيذ القرارات ذات العلاقة بالعمل المشترك في الرياض بهدف الإسراع في اصدار الادوات التشريعية المطلوبة لإنفاذ تلك القرارات.

قرارات مصيرية

في 13 آب (أغسطس)، انعقد الاجتماع التنسيقي الصحي العاجل لمجلس وزراء الصحة في دول مجلس التعاون، وأوصي بتطوير خطة مكافحة وفحص وعلاج حالات فيروس إيبولا وتفعيل نظم الإنذار المبكر واتخاذ إجراءات احترازية لمواجهة الفيروس.

وفي 11 أيلول (سبتمبر)، انطلقت في جدة أعمال الاجتماع الوزاري الإقليمي لبحث موضوع الإرهاب في منطقة الشرق الأوسط، بمشاركة وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي وكل من مصر والأردن وتركيا والعراق ولبنان وأميركا.

وفي 9 كانون الأول (ديسمبر)، صادقت قمة الدوحة على قرارات وتوصيات وزراء الداخلية بشأن انشاء جهاز شرطة خليجي مقره ابوظبي، وتسريع آليات تشكيل القيادة العسكرية الموحدة كما اعتمدت اعلان حقوق الإنسان الخليجي، ودعت إلى استمرار جهود التعاون والتكامل بين الدول الأعضاء لاسيما ما يتصل بالتكامل الاقتصادي، مجددة الموقف الرافض لكل صور التطرف والإرهاب.

الأزمة التي هددته

لا شك في أن الأزمة مع قطر كانت هي المحور الذي دارت أحداث 2014 الخليجية حوله، خصوصًا أن أكثر من قمة خليجية، عادية واستثنائية، قد انعقدت لفك العقدة القطرية مع السعودية والبحرين والامارات، الدول الثلاث التي بادرت إلى سحب سفرائها من الدوحة، بعد توجيه اتهامات للقيادة القطرية بالتورط في شؤون داخلية خاصة بالدول الخليجية الأخرى، على خلفية اعتداءات بالمتفجرات في المنامة، وخروج "الاخوان" في منابر قطرية، على رأسها قناة الجزيرة، لمهاجمة الامارات والسعودية، بعدما أدرجت هاتان الدولتان جماعة الاخوان المسلمين على قائمتهما للمنظمات الإرهابية المحظورة.

هددت هذه الأزمة مرارًا بانفراط عقد "التعاون". وحاولت وساطة عمانية وأخرى قطرية تهدئة الخواطر، لكنها اصطدمت مرارًا بتلكؤ قطري، حسمته أخيرًا رؤية الملك السعودي عبدالله بن عبد العزيز، ووجدت هذه الرؤية تجاوباً قطريًا للإرادة الخليجية الجامعة، وعقد معها لواء مصالحة كاملة، منهيًا بذلك توترًا خليجيًا كبيرًا.

ما بعد الاتفاق.. تنسيق المواقف.. التحالف ضد داعش نموذجًا

بعد أيام قليلة من ما يمكن تسميته "إعلان الدوحة"، بدأت بوادر هذا الاتفاق على الأرض، خصوصًا في الحالة المصرية التي كانت إحدى الركائز الأساسية في الخلاف الخليجي القطري، إذ أبدت الدوحة مرونة كبيرة في تعاطيها الإعلامي مع القاهرة، وأغلقت قناة مباشر مصر التي كانت تهتم بتغطية الاحتجاجات التي يقوم بها الإخوان ضد حكومة الرئيس المنتخب عبدالفتاح السيسي.

وسبق ذلك زيارات معلنة وغير معلنة بين الجانبين المصري والقطري، آخرها وأهمها الذي جمع مبعوث أمير قطر ورئيس الديوان الملكي السعودي خالد التويجري مبعوثاً عن العاهل السعودي، اللذان استضافهما الرئيس المصري في مكتبه، وتلت هذا اللقاء التاريخي سلسلة من التصريحات الخليجية التي باركت هذه الخطوة وناشدت الجميع بالالتزام في خط المصالحة وصولاً إلى عودة الأمور لمجراها الطبيعي.

.الموقف من مصر ليس هو الوحيد، فالمؤشرات تقول بأن الخليجيين يعدون العدة أيضًا لمواقف واضحة في التعاطي مع القضية السورية التي شابها الكثير من الاختلافات بين الدول الخليجية في الماضي، إذ أن الأزمة التي ستدخل عامها الخامس قريباً باتت تشكل معضلة حقيقية، خصوصاً مع الأوضاع الجديدة التي فرضتها التغييرات الكبيرة سياسيًا واقتصاديًا.

ويأمل الخليجيون أن يكون التحالف الدولي الذي يقوم بعملياته ضد تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" نواة لوحدة الموقف السياسي أيضا من المعارضة السورية التي يحملها الكثير من الخليجيين مسؤولية تباطؤ الحسم طوال هذه السنوات.

&النفط... أزمة نهاية العام

وتشترك دول الخليج جميعاً في هم النفط وأسعاره الحالية التي هبطت إلى نحو النصف خلال&أشهر قليلة في أسوأ أزمة تواجهها منذ سنوات طويلة، وبغض النظر عن التحليلات الدولية والإقليمية التي تحدثت عنة حرب عالمية اقتصادية ضد أطراف خارج منظومة "أوبك"، أو ضد دول معينة، فإن المحصلة أن دول الخليج، التي تفتقد لتنوع مصادر الدخل، ستواجه أياماً عصيبة من حيث استهلاك مخزوناتها الاحتياطية وصناديقها الاستثمارية، وهو ما يستلزم وضع خطط استراتيجية تكاملية بين دول المجلس لمواجهة هذا التحدي الصعب، خصوصاً إذا ما طال أمد أزمة الأسعار.

وفي هذا المنحى جاءت تصريحات وزراء النفط الخليجيين مشوبة بالحذر والتحذير، وظهر بعض وزراء المالية في بعض الدول ليوضحوا لشعوبهم أن الأمور تحت السيطرة، كما حدث حين نفت وزارة المالية السعودية قبل يومين أن تؤثر الأزمة على رواتب موظفي الدولة كما ذكرت تقارير دولية بهذا الخصوص.