وجد باراك أوباما نفسه في موقف لا يحسد عليه من الضعف خارجيًا، بعدما فقدت بلاده سطوتها في العالم، فابتعد عنها أصدقاؤها، فدفع بذلك ثمن نقص انتباهه الدبلوماسي.

دبي: لم يعد سرًا الكلام عن تراجع السطوة الأميركية في العالم، بسبب السياسة التي ينتهجها الرئيس الأميركي باراك أوباما، والتي إن كانت تتوسل الدبلوماسية، فإنها تتلطى خلف نوبات متعاقبة من الفشل، في أوروبا كما في الشرق الأوسط مع الدور المتردّد حيال الأزمة السورية، كما في مصر من خلال سياسة أبعدت السعودية عن أميركا.
آخر تحدٍ
تناولت صحيفة فاينانشيال تايمز الأميركية هذا الموضوع، بمقالة سلطت الضوء على العديد من العقد التي تعاني منها سياسة أوباما الخارجية. وبحسب الصحفية، بعد أن خطب السيناتور باراك أوباما في العام 2008 بجموع ألمانية متعهدًا إعادة تشكيل العالم ليعود جديدًا، صار همه اليوم أن يقنع هؤلاء الألمان بأن الاستخبارات الأميركية لم تتنصت على مكالمات المستشارة أنجيلا ميركل وغيرها من المسؤولين الألمان والأوروبيين. وهذا ليس سوى دليل متواضع على الحضيض الذي سقطت إليه السياسة الأميركية حيال القضايا العالمية، الأمر الذي ساهم في تقدم الصين على غريمها الأميركي في كل ميدان.
تقول فاينانشيال تايمز إن التحدي الأخير الذي واجهته السياسة الخارجية الأميركية كان وقوف مباحثات السلام العربية الاسرائيلية على وشك الانهيار في الاسبوع الماضي. ولكي لا تنهار فعلًا، اضطر وزير الحارجية الأميركية جون كيري إلى زيارة الشرق الأوسط 12 مرة، من دون جدوى. فالجلي في الأمر هو أن الراعي الأميركي عاجز عن فرض رأيه على أي من الطرفين المتنازعين. وقد تمظهر هذا العجز واضحًا في عرض كيري إطلاق سراح الجاسوس الاسرائيلي جوناثان بولارد، مقابل حد أدنى من الالتزام الاسرائيلي للاستمرار في المفاوضات. لكن العرض لم يجد آذانًا صاغية.
فشل متواصل
لطالما لعبت الولايات المتحدة دورًا خارجيًا ناجحًا بسبب صداقاتها في العالم، فهذه الصداقات دعمت مكانتها العالمية، وقوّت شكيمتها. لكن قدرتها على رصف الأصدقاء خلفها، والحصول على صداقات جديدة، تتراجع بشكل محسوس.
في آذار (مارس) الماضي، وطأت قدم أوباما أرض بروكسيل لأول مرة رئيسًا، أتاها محاولًا شد عزيمة الأوروبيين بعد خطوة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ضم شبه جزيرة القرم. وحين خطب، لقي خطابه أصداء جيدة، بالرغم من أن أحدًا لم يقاطعه بالتصفيق، كما أنه لم ينجح فعليًا في إقناع ألمانيا وبريطانيا وغيرهما من الدول الصديقة للتشدد حيال روسيا.
تعرف الادارة الأميركية، بحسب الصحفية، إن قدرتها على احتواء خطوة بوتين تدور حول محور أساس، وهو إقامة حكم قابل للحياة في أوكرانيا، وهذا صعب التحقق.
إلى ذلك، لم تنجح رحلة الرئيس أوباما لضخ الدم الجديد في شرايين مفاوضات شراكة عبر الأطلسي التجارية والاستثمارية، كما توقع الكثيرون. وتسأل فاينانشيال تايمز: quot;إن كان الذئب الروسي لا يوحّد الغرب، فما الذي يوحّدها؟quot;
ابتعاد الأصدقاء
بالعودة إلى الصداقات التي نسجتها الولايات المتحدة عبر السنوات، تقول فاينانشيال تايمز إن أميركا تبحث سدىً عن أصدقاء لها ضعفت عزيمتهم، فأوباما انفتح على الهند والبرازيل وأندونيسيا، وحتى على روسيا حين كان بوتين رئيسًا لحكومة ديمتري ميدفيديف، إلا أنها قوبلت مرارًا بالتجاهل.
فأوباما بدأ عهده مثاليًا، ثم انتحى ناحية البراغماتية، من دون أن يؤدي هذا التحول إلى أية نتائج إيجابية. فها هي السعودية، الصديقة الصدوقة للولايات المتحدة على مدى عقود طويلة، تبتعد تدريجًا عن اميركا، لأنها شعرت بأن واشنطن فقدت دورها القيادي في الشرق الأوسط. وها هي الهند أيضًا تبتعد عن أميركا مبررة خطوة بوتين في القرم، بينما لا تكتم تركيا غيظها من الوهن الأميركي في سوريا. وكذلك لا تجد باكستان صعوبة في تجاهل الانذارات الأميركية.
في هذه الاثناء، ألغت الرئيسة البرازيلية ديلما روسيف زيارتها لواشنطن، التي كانت مقررة في تشرين الأول (اكتوبر)، بسبب التنصت الأميركي عليها.
أسباب الوهن
نتج هذا الوهن الأميركي بشكل أساس من نقص انتباه أوباما الدبلوماسي. ففي خطابه في بروكسيل، لم يشر ولا مرة واحدة إلى فضيحة التنصت الأميركي وما أنتجته من حال مع عدم الثقة الأوروبية بأميركا. ونقلت فاينانشيال تايمز عن دبلوماسي أوروبي رفيع المستوى وصفه ملاحظات أوباما على اتفاقات الشراكة التجارية بأنها quot;سلبية وعدوانيةquot;، بينما يستعيد أوروبيون آخرون نهج جورج دبليو بوش ببعض الاعجاب.
وبعض هذا الوهن مردود إلى القيود التي وضعها الكونغرس على إدارة أوباما في مفاوضاته الاقتصادية والتجارية مع آسيا وأوروبا، لذا من المتوقع أن يعود أوباما بخفي حنين من رحلته إلى اليابان لاحقًا خلال الشهر الحالي، كما حدث في زيارته الأولى لبروكسيل.
إلى ذلك، أضر رفض الكونغرس المساهمة بفاعلية في صندوق النقد الدولي بمكانة الولايات المتحدة، بسبب الاصلاحات الادارية، ما أثار حفيظة الصين والهند وبعض القوى النامية الأخرى. فإن كانت الولايات المتحدة عاجزة عن تحديث المؤسسات العالمية التي أنشأتها، فستفقد هذه المؤسسات أهميتها.
وفي الختام، ترى فاينانشيال تايمز أن العالم ينحو في اتجاه تشكيل قوى إقليمية حازمة، سيعجز أوباما عن إيقافها، ومن الصعب القول إن الرئيس الذي سيخلف أوباما في البيت الأبيض سيكون أكثر حظًا بوقف مد هذه القوى الاقليمية.