اغتبط نوري المالكي لرؤية قاسم سليماني في بغداد، وهو يحاول تنظيم دفاعه ضد تقدم داعش، وربما التخطيط لهجوم معاكس يردها على أعقابها، فهذا دليل على أن إيران لا تتركه لمصيره المشؤوم.


إعداد عبدالاله مجيد: قاسم سليماني، قائد فيلق القدس بالحرس الثوري الإيراني، زائر دائم إلى بغداد، وإن كانت زياراته لا تُعلن في العادة. فهو لاعب اساس في العاصمة العراقية منذ الغزو الاميركي. ويشكل تنظيم الميليشيات وشراء السياسيين جوانب مهمة في عمل سليماني السري، الذي أكسبه سمعة بكونه من أقوى الشخصيات وأكثرها غموضًا في الشرق الأوسط.

وتُعتبر مهمته الحالية في بغداد مؤشرًا على خطورة الأزمة العراقية. ومبعث الخطورة أن تابعًا لايران مهدد بخطر جهاديين متطرفين. وقال علي انصاري، استاذ التاريخ في جامعة سانت اندروز البريطانية: "الحرس الثوري الايراني سينظر إلى هذا على انه جبهة اخرى مماثلة لما يحدث في سوريا، فهم يأخذون الأمر بجدية بالغة".

من وراء الكواليس

تعني العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة ضد سليماني، بسبب دوره في دعم رئيس النظام السوري بشار الأسد وحزب الله اللبناني، أنه من المستبعد أن يلتقي أي مسؤولين اميركيين حتى إذا اتفقت واشنطن وطهران على التعاون العسكري لانقاذ المالكي. لكن سليماني كان مشاركًا من وراء الكواليس في المفاوضات مع الولايات المتحدة بعد هجمات 11 ايلول (سبتمبر)، عندما قدمت ايران مساعدتها للولايات المتحدة في افغانستان.

اليوم، اصبحت خطوط المواجهة واضحة. واعلن سليماني في خطاب نادر القاه في شباط (فبراير) الماضي، أن سوريا هي نقطة الخلاف الرئيسية، "فعلى جانب يقف العالم أجمع، وعلى الجانب الآخر تقف ايران، البعض يدعون الأسد إلى الرحيل، لكنهم لا يدركون الحقيقة".

شهيد حي

يبقى سليماني، الذي يدين بالولاء الشديد لمرشد الجمهورية الاسلامية آية الله علي خامنئي، بعيدًا عن الأضواء في ايران، ولا تظهر سحنته الشاحبة بشعره الأشيب إلا في بعض المناسبات، للمشاركة في تشييع عناصر من الحرس الثوري الايراني قُتلوا في سوريا. وقال خامنئي ذات يوم: "سليماني شهيد حي".

كان سليماني البالغ من العمر 57 عامًا في اوائل العشرينات عندما انخرط في صفوف القوات الايرانية خلال الحرب مع العراق. وبعد انتهاء الحرب، نُقل إلى حدود ايران الشرقية لمكافحة مهربي المخدرات من افغانستان. وفي العام 1998، عُين قائدًا لفيلق القدس الذي يُقدر حجمه بآلاف من الجند.

محرك الدمى الأكبر

يتولى فيلق القدس طائفة من الأنشطة الحساسة، بينها الاستخبارات والعمليات الخاصة وتهريب السلاح والعمل السياسي. بعبارة أخرى، يتعاطى كل ما من شأنه حماية نظام الملالي أو استهداف اعدائه.

ونقلت صحيفة غارديان البريطانية عن مسؤول بريطاني قوله: "إن فيلق القدس يجمع بين وظائف جهاز المخابرات البريطانية الخارجية (أم آي 6) والقوات البريطانية الخاصة& ووزارة التنمية الدولية، انه ذراع ايران الطويلة في كل مكان".

ويتفق الخبراء على أن سليماني يقوم في العراق بدور من الصعب المبالغة في حجمه. وقال البروفيسور توبي دوج من كلية لندن للاقتصاد: "في وقت الأزمات، يكون سليماني محرك الدمى الأكبر من وراء الستار، فهو في كل مكان ولا مكان، يمكن تحميله مسؤولية كل شيء".

وأكد دوج لغارديان ان سليماني يفعل في بغداد ما فعله في دمشق، "أي تقديم النصح والعون لحليف في مأزق، وهو المالكي في هذه الحالة".

قلعة التصدي

ويرى دوج أن من أهم الركائز التي يثمنها سليماني في العراق ميليشيا عصائب اهل الحق الشيعية، التي انشأتها ايران في مواجهة التيار الصدري بقيادة رجل الدين مقتدى الصدر. وكان زعيم هذه الميليشيا، قيس الخزعلي، أحد العراقيين الذين التقاهم سليماني في بغداد. وقال دوج إن عصائب اهل الحق تعمل بموازاة الدولة، "تضعفها عند الحاجة وتتعاون معها عندما تنتفي الحاجة إلى اضعافها".

ومن التشيكلات القديمة ذات النشأة الايرانية ايضا فيلق بدر، الذي عاد إلى الظهور مجددًا في العراق قبل ايام.

وتؤكد تصريحات سليماني العلنية أن هناك احساسًا عميقًا بالالتزام الاستراتيجي بالحفاظ على السلطة التي تقودها احزاب شيعية في العراق ونفوذ ايران فيه. فهو الذي قال: "العراق قلعة التصدي لايران، ولهذا السبب قدم الغرب كل هذا الدعم المالي لصدام طيلة هذا الوقت، حتى قبل قيام الجمهورية الاسلامية".