يجتمع الأكراد والعراقيون اليوم على دحر داعش، لكن متى تم ذلك فالمنطقة مرشحة لنزاع جديد، بين الأكراد من جهة والشيعة وحكومة بغداد من جهة أخرى، بسبب مناطق متنازع عليها وموارد النفط المأزومة.


أسامة مهدي: يدخل إقليم كردستان العراق العام الجديد 2015 بمواجهة آمال عريضة بتبلور فكرة تقرير المصير على أرض الواقع، وضم أراضٍ جديدة إلى خارطته الحالية، مع تحديات خطيرة في مواجهة الإرهاب، وحل المشاكل مع الحكومة المركزية، والاتفاق على صيغة مرضية لجميع الأطراف في بغداد وأربيل حول استثمار نفط الإقليم وتصديره ومصير عائداته.

طرد داعش
يشكل احتلال تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) لمناطق في إقليم كردستان وأخرى يطالب بها الإقليم لضمها إلى أراضيه، التحدي الأكبر الذي يواجه قيادة الإقليم، التي تحشد قواها بدعم ومساندة دوليين غير مسبوقين فاقا ما يقدم إلى الحكومة المركزية في بغداد لطرد التنظيم إلى خارج أراضيه.

ما يزيد من مخاوف هذه القيادة التقارير التي أكدت انضمام عشرات الشبان الأكراد إلى داعش ومشاركتهم في القتال ضد البيشمركة الكردية، وهو أمر يشكل خطرًا على الإقليم أكثر مما يمثله التنظيم نفسه، خصوصًا مع تعرّض أربيل عاصمة الإقليم لتفجيرات في فترات ماضية. وتخشى السلطات الكردية من تغلغل هؤلاء الشبان بين صفوف المواطنين لتنفيذ تفجيرات جديدة مع صعوبة التفريق بينهم وبين المواطنين الآخرين، ما قد يستغله داعش من جهة أخرى للدفع بهم إلى تنفيذ عمليات انتحارية.

وبدأت قوات البيشمركة، بإشراف مستشارين عسكريين غربيين من مختلف الدول وبدعم من طيران التحالف الدولي، بتحقيق انتصارات مشهودة ضد التنظيم واستطاعت طرده من بعض المناطق في سنجار والقرى المحيطة بها.

لكن هذا التقدم يبدو بطيئًا، بالرغم من أهميته، ما يؤشر إلى استمرار المواجهات العسكرية خلال العام 2015، وتحمل الإقليم لخسائر بشرية ومادية تزيد من معاناة مواطنيه بالترافق مع الأزمة المالية التي يواجهها مع السلطات المركزية في بغداد، التي كانت أوقفت مرتبات موظفي الإقليم قبل أن تطلق جزءًا منها أخيرًا.

نحو دولة مستقلة
بالرغم من أن مواجهة داعش دفعت قليلًا بقضية تقرير الشعب الكردي مصيره على طريق إقامة دولته المستقلة إلى الخلف، إلا أن المسؤولين الأكراد ما فتئوا يلوّحون بهذه الورقة بين الحين والآخر.

ويبدو رئيس إقليم كردستان مسعود بارزاني الأكثر حماسًا لإجراء استفتاء للمواطنين الأكراد حول تقرير المصير، إذ دعا برلمان الإقليم أخيرًا إلى سن قانون لتنفيذ هذا الإجراء، كما يردد خلال مؤتمراته الصحافية المشتركة مع مختلف المسؤولين الكبار في دول التحالف الدولي ضد داعش، الذين يتوافدون على الإقليم حاليًا، يردد كلامًا عن حق الأكراد بتقرير مصيرهم في مسعى إلى تهيئة الرأي العام الدولي للإجراء المنتظر.

وإذا كان حق تقرير المصير هذا الذي ينذر بإقامة دولة كردية مستقلة في مناطق شمال العراق التي يحكمها الأكراد منذ العام 1990 في إقليم شبه مستقل عن المركز يلقى معارضة من جهات رسمية وأوساط شعبية في مناطق العراق الأخرى، فإن الأمر لا يبدو سهلًا في ظل الظروف الحالية، التي تشهد فيها المنطقة وفي مقدمتها العراق نزاعات متفرقة، ما يمكن أن يدفع بالقادة الأكراد إلى تأجيل الأمر موقتًا، والسعي قبل ذلك إلى إنهاء خلافات الإقليم مع المركز على طريق استعادة قوته العسكرية والاقتصادية خلال العام 2015.

الاتفاق النفطي مع بغداد
بالرغم من الاتفاق النفطي الأخير الموقع بين بغداد وأربيل حول استثمار وتصدير نفط الإقليم، فإن المسؤولين في البلدين يبدون مخاوف من عدم القدرة على تنفيذه، لعدم رضاهم الكامل عنه. فرئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي أكد قبل أيام أن الاتفاق ليس منصفًا، لكنه الأكثر قبولًا في الوقت الراهن.

إزاء المخاطر نتيجة تمدد داعش في أكثر من محافظة عراقية والتحديات التي يشكلها، وإزاء الضغوط الدولية الخارجية لتسوية هذا الموضوع كشرط لدعم أربيل وبغداد في مواجهة داعش، من الواضح أن القيادتين اضطرتا لتوقيع هذا الاتفاق، الذي يواجه أيضًا انتقادات من قوى عراقية مختلفة، على أساس أنه مجحف، ولا يضع ثروات الإقليم في خدمة مجموع الشعب العراقي، تنفيذًا لدستور البلاد الذي ينص على أن الثروات الوطنية هي لكل العراقيين.

لذلك، يشكل موضوع النفط أحد أبرز التحديات في العلاقة بين بغداد وأربيل، اللتين صدرت منهما مبادرات على طريق حل هذه القضية، إذ أرسلت بغداد نصف مليار دولار إلى أربيل دفعة من مرتبات موظفي الإقليم المتوقفة منذ بداية العام الماضي، إضافة إلى تخصيص حصة من ميزانية وزارة الدفاع العراقية للعام الحالي إلى قوات البيشمركة الكردية. من جهتها، وافقت القيادة الكردية على تصدير ربع مليون برميل من نفط الإقليم يوميًا لحساب المركز وإيداع مردود هذا النفط في الموازنة العامة للدولة، بدلًا من إيداعها في بنك تركي كما كانت السلطات الكردية ترغب في وقت سابق.

ومن المؤكد أن الأشهر المقبلة ستوضح جدية الطرفين في حل الملفات العالقة بينهما على تعددها، فهناك الكثير من القضايا المختلف عليها من الطرفين، والتي يخشى أن تعرقل الاتفاق النفطي الذي تم التوصل إليه بعد طول انتظار.

دعم أكراد سوريا

في محاولة لظهور الأكراد في مناطق تواجدهم في دول المنطقة في العراق وسوريا وإيران وتركيا موحدين نحو حلمهم التاريخي بدولة تجمع هذه المناطق في كيان واحد، جاءت مبادرة سلطات إقليم كردستان بإرسال قوات من البيشمركة - على الرغم من&رمزيتها - إلى مدينة عين العرب "الكردية" في سوريا لتحريرها من سيطرة داعش، لتشكل خطوة على هذا الطريق كما يأمل الاكراد.

ولم يتجاوز عديد القوات الكردية المرسلة إلى المدينة السورية لدعم المقاتلين فيها بمواجهة داعش المئتين، إلا أن أهميته تظل في رمزيته الهادفة إلى تأكيد وحدة الأكراد وتطلعهم إلى إنهاء تشرذمهم وتشكيلهم لدولتهم الحلم من جهة ومحاولة من فرض مسعود بارزاني لنفسه زعيمًا للأكراد والساعي إلى دولتهم على أساس أنه الوحيد بين الزعامات الكردية في المنطقة الذي استطاع أن يحقق للأكراد كيانًا شبه مستقل يقترب من تحويله إلى دولة مستقلة معترف بها.

وإذا كان الأكراد في الدول الأربع يتطلعون اليوم إلى إعلان دولتهم، إلا أن هذه الدول ما زالت تقف رسميًا وشعبيًا ضد تحقيق هذا الأمل، وترفضه مؤكدةً أن الأكراد فيها يحظون بالحقوق نفسها التي يتمتع بها مواطنوها بشكل عام، وقد تكون أكثر في بعض الأحيان، لذلك فدعم أكراد العراق لنظرائهم في سوريا يسجل على أنه موقف أخوي، لكنه من الصعب في الظروف الحالية أن يتبلور لأكثر من ذلك.

المتنازع عليها
وتفرز العمليات العسكرية التي تخوضها القوات الكردية ضد داعش خارج إقليم كردستان، خصوصًا في نينوى وكركوك وديالى، نتائج تنذر بمخاطر مستقبلية نتيجة إصرار الأكراد على عدم الخروج منها بعد انتزاعها من سيطرة التنظيم على أساس أنها جزء من إقليمهم.

تشهد هذه المناطق احتكاكات بين قوات البيشمركة وتشكيلات الحشد الشعبي للمتطوعين الشيعة الذين يحاولون ترسيخ سيطرتهم عليها على الرغم من رغبة كردية ساعية إلى ذلك أيضًا. ففي بعض الأحيان تتصدى البيشمركة لقوات الحشد الشعبي في أحياء يسكنها أكراد في هذه المناطق، وكادت أن تتفجر مواجهات مسلحة بين الطرفين لولا تدخل الجنرال الإيراني قائد فيلق القدس قاسم سليماني، الذي هرع إلى محافظة ديالى لتهدئة الخواطر.

وفجر مسلحو الحشد الشعبي توترًا في مدينة طوزخرماتو في محافظة صلاح الدين، أصبح مرشحًا لمواجهة مسلحة بين الأكراد الذين يعدون القضاء واحدًا من المناطق المتنازع عليها ولهم الحق في نشر قواتهم فيه وبين وحدات الحشد التي ترفض الانسحاب منه وتعلن أنه منطقة شيعية يجب أن تتواجد فيه بعدما ساهمت في تحريره من داعش.

لذلك، ثمة معركة ثانية على الطريق، لكنها مؤجلة الآن، حيث يواجه الجميع خطرًا واحدًا متمثلًا في داعش، لكن رغبة الأكراد الجامحة في تكريس وجودهم على هذه المناطق المتنازع عليها ومحاولاتهم فرض الأمر الواقع على مصيرها من خلال ضمها إلى إقليمهم الشمالي في وقت لاحق ستؤجّج نزاعًا مع القوات العراقية.
&