لم يكن عبور الأردن من العام 2014 إلى 2015 سهلًا، حيث ألقت الحرب على الإرهاب ظلالها القاتمة على المشهد خصوصًا بعد أسر طيار أسقطت طائرته من جانب تنظيم (داعش) فوق منطقة الرقة السورية مع نهايات العام 2014.


نصر المجالي: لم تكن حادثة إسقاط الطائرة المقاتلة، التي أثارت تساؤلات عديدة حول استمرار الأردن في مشاركته للتحالف الدولي في مواجهة تنظيم (الدولة الإسلامية) في العراق وسوريا، هي الوحيدة في العام الفائت.

ففي شهر نيسان (إبريل) 2014 وجد الأردن نفسه أمام أزمة خطف السفير في ليبيا فواز العيطان، التي انتهت بعد اتصالات حثيثة بصفقة إطلاقه مقابل تسليم السجين الليبي لدى الأردن محمد سعيد الدارسي، الذي تم فعلًا تسليمه لميليشيات (قوات درع ليبيا) بوساطة شاركت فيها أطراف عربية.

خيارات
وأمام أسر الطيار الملازم أول معاذ الكساسبة، فإن الأردن وجد نفسه أمام خيارات عديدة ترافقها ضغوطات من الداخل بين العمل على تحرير الطيار بعملية عسكرية خاصة أو التفاوض على تحريره في صفقة تم الحديث عنها، تقضي بتسليم الأردن سجينين يطالب بهما تنظيم (داعش) وهما ساجدة الريشاوي التي كان حكم عليها بالإعدام بسبب تورطها في تفجيرات الفنادق العام 2005 وزياد كربولي المتورط في قتل سائق أردني في العراق والمحكوم بالإعدام أيضًا.
&
ومن بين الضغوطات التي يواجهها الأردن، هي بعض تلك المطالب بوقف استمرار دور الأردن في التحالف الدولي الذي تم تشكيله في آب (أغسطس) 2014 لمواجهة تنظيم (داعش)، حيث قام الأردن بدور فاعل منذ ذلك الحين في الضربات الجوية لقواعد التنظيم في سوريا، فضلًا عن استضافته لطائرات مقاتلة فرنسية وأميركية على أراضيه، إضافة إلى الدور الاستخباري المفصلي الذي يقوم به لدعم تلك الحرب.

لم يكن التحدي الإرهابي وحده أمام الأردن في العام 2014، بل هناك تحديات داخلية أخرى وجدت طريقها بدون حسم على جسر العبور نحو العام 2015.

تحديات إقليمية وداخلية
على الرغم مـن كل التحديات الإقليمية والداخلية، فإن القناعة باتت راسخة لدى القيادة الأردنية بأن الأردن لم يسمح ولن يسمح أن تكون الصعوبات والاضطرابات الإقليمية حجة أو ذريعة للتردد في مواصلة مسيرته الإصلاحية الشاملة.

فالعاهل الأردني الملك عبدالله الثاني الذي دشّن منذ تفجر انتفاضات ما يسمى (الربيع العربي) مرحلة جديدة من الإصلاحات على طريق طويل بدأها بتعديل الدستور وإنشاء المحكمة الدستورية وإجراء انتخابات برلمانية يؤكد وفي كل محطات المراحل التي مرت على القول "إننا لا نرى الإصلاح رد فعل لواقع صعب، بل هو خيار وطني نابع من الداخل، يعزز الوحدة الوطنية والتعددية والاعتدال، ويوسّع المشاركة، ويعمّق الديموقراطية، ويرسّخ نهج الحكومات البرلمانية".

زيادة على ذلك، كانت هناك قرارات لتمكين المواطن الأردني من المساهمة في إعداد تصور مستقبلي لاقتصاد المملكة للسنوات العشر المقبلة، "بما يحقق الحياة الكريمة والمستقبل المشرق لأبناء وبنات الأردن".

وكان خطاب العرش الذي افتتح به الملك عبدالله الثاني الدورة العادية لمجلس الأمة السادس عشر في تشرين الثاني (نوفمبر) 2014 تحدث عن الجهود المستمرة للحدّ من مشكلتي الفقر والبطالة، مشيرًا إلى أنه تم إقرار الإستراتيجية الوطنية للتشغيل لتوفير فرص العمل للشباب، كما تم إنشاء صندوق تنمية المحافظات، الذي يحتاج زيادة المخصصات حتى يوسع أعماله في دعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة والمشاريع الإنتاجية. وتم أيضًا تعزيز شبكة الأمان الإجتماعي التي تحمي فئة ذوي الدخل المحدود من خلال توجيه الدعم إلى مستحقيه.

الاقتصاد
أما في الجانب الاقتصادي، حيث يشهد الأردن أزمة اقتصادية عاتية لا يمكن حلها بقرارات عاجلة أو خطط هامشية، فقد أشار خطاب العرش إلى أنه تم إنجاز عدد من المشاريع الحيوية الكبرى، ومن أبرزها: جرّ مياه الديسي، وتطوير مطار الملكة علياء الدولي، وتطوير ميناء الحاويات، إضافة إلى المشاريع التي يجري تنفيذها كموانئ البضائع العامة والنفط والغاز المُسال، ومشاريع الطاقة، وخاصة المتجددة والبديلة، والعمل على تطوير قطاع السكك الحديدية، وقطاع النقل العام بما يحدث نقلة نوعية فيه، وغيرها.

وفي الإصلاح الاقتصادي، كانت الدعوة ملحّة إلى ضرورة الإسراع في إقرار التشريعات الاقتصادية، وخصوصًا المتعلقة بالطاقة، والاستثمار، وإنجاز قانون ضريبة الدخل (تم إنجازه) بما يعكس أعلى درجات الشعور بالمسؤولية، بشكل يطور بيئة الأعمال، ويرتكز&على مخرجات التصور المستقبلي للاقتصاد الوطني.

ومن أبرز الإنجازات التي شهدها الأردن، خطوات ترسيخ مبادئ النزاهة والشفافية، ومحاربة جميع أشكال الفساد، وتعزيز ثقة المواطن بالدولة ومؤسساتها. حيث كانت اللجنة الملكية لتعزيز النزاهة الوطنية وضعت ميثاقًا وطنيًا لإرساء قيم العدالة والمساواة وتكافؤ الفرص والمساءلة. ولضمان ترجمة مخرجات هذه اللجنة على أرض الواقع.

كما تم تكليف لجنة ملكية لتقويم العمل ومتابعة الإنجاز، كما قدَّمت لجنة تقويم التخاصية تقريرها للإستفادة منه في رسم السياسات الاقتصادية المستقبلية وتنفيذ مخرجات هذه اللجان، "وهذا يرسخ أفضل الممارسات في إدارة الثروات الوطنية".

الإصلاح السياسي
وفي مجال الإصلاح السياسي، بدأت الحكومة الأردنية في وضع تصور تفصيلي ومتدرج لتفعيل دور وزارة الدفاع للنهوض بالمهام السياسية والاقتصادية والاجتماعية واللوجستية للدفاع الوطني، وهذا يتضمن تفعيل دور المركز الوطني للأمن وإدارة الأزمات.

كما أقر مجلس الأمة التعديل الدستوري الذي يُمكِّن الهيئة المستقلة للانتخاب من إدارة الانتخابات البلدية وأي انتخابات عامة أخرى، فضلًا عن الانتخابات النيابية، وهذا يستدعي عددًا مـن التعديلات التشريعية لتتوافق مع الدستور.

كما إن مسار الإصلاح السياسي تطلب أيضًا ترسيخ نهج الحكم المحلي عبر إنجاز قانون البلديات واللامركزية أولاً، ومن ثم الانتقال إلى قانون الإنتخاب، إضافة إلى استمرار تطوير آليات عمل مجلس النواب، ومن ضمنها: النظام الداخلي، وإقرار مدونة السلوك، وتكريس عمل الكتل النيابية على أساسٍ برامجي وحزبي، وذلك كله جاء بالتوازي مع تنفيذ مخرجات الخطة الوطنية لحقوق الإنسان، "فلا إصلاح بدون احترام الحقوق وصون الحريات"، كما يؤكد على ذلك العاهل الهاشمي الملك عبدالله الثاني.

وعلى أعتاب العام 2015، فإن الأردن يعتزم تدشين خطوات فـي مجال الإصلاح الإداري، تستند الى وضع آلياتٍ قابلة للتطبيق، إذ يرى أنه لا فائدة من وجود برامج لإصلاح القطاع العام، بما فيها مشروع الحكومة الإلكترونية، ما لم يلمس المواطن تحسنًا نوعيًا في الخدمات المقدمة إليه.

وكان خطاب العرش واضحًا في هذا الاتجاه، حيث أكد على ضرورة التزام جميع مؤسسات الدولة بتعزيز ثقافة التميز والشفافية والمساءلة وتطبيق الميثاق الوطني للنزاهة ووضع التنظيم المؤسسي لتعزيز منظومة النزاهة، وفق التوصيات التي ستقدمها اللجنة الملكية لتقويم العمل ومتابعة الإنجاز. وفي مجال الخدمات التعليمية والصحية، فلا بد من إحداث نقلة نوعية وإصلاح جذري في هذه القطاعات يرتكز&على حوار وطني تشارك فيه جميع المؤسسات الوطنية المعنية، للحفاظ على مكانة الأردن الريادية في هذه المجالات الحيوية المهمة.

مسؤولية أخلاقية
ومع وداع عام واستقبال آخر، فإن الأردن يرى أن عليه تحمل مسؤولياته الأخلاقية والإنسانية تجاه القضايا التي تهدد الأمن الإقليمي والدولي، وسيستمر في توظيف مكانته وكونه عضوًا في مجلس الأمن الدولي لخدمة قضايا أمته العربية والإسلامية.

فالقضية الفلسطينية، بالنسبة إلى الأردن هي قضيته الأولى، وهي مصلحة وطنية عليا، والقدس التي روت دماءُ شهدائنا ترابَها هي أمانة في عمق ضميرنا، وسيستمر الأردن بالتصدي بشتى الوسائل للممارسات والسياسات الإسرائيلية الأحادية في القدس الشريف، والحفاظ على مقدساتها الإسلامية والمسيحية، حتى يعود السلام إلى أرض السلام.

كما إن الأردن أعلن التزامه بضرورة العمل مع الأطراف المعنية من أجل العودة إلى إطلاق مفاوضات قضايا الوضع النهائي، والوصول إلى السلام الدائم على أساس حل الدولتين، وفقًا للمرجعيات الدولية ومبادرة السلام العربية، بما يمكّن الشعب الفلسطيني من إقامة دولته المستقلة على ترابه الوطني، وعاصمتها القدس الشرقية.

الأزمة السورية
وسواء بسواء، فإن الأردن معني أيضًا، بما يجري في الجارة الشمالية سوريا، ولذلك، فإن الخطاب الرسمي الأردني واضح في هذا الشأن، إذ في ما يتعلق بالأزمة السورية، فإن الأردن متمسك بالتأكيد على أن الحل الوحيد هو الحل السياسي الشامل، بمشاركة جميع مكونات الشعب السوري، والذي يضمن وحدة سوريا واستقرارها.

ويرى الأردن أنه في غياب مثل هذا الحل، سيتكرس الصراع الطائفي على مستوى الإقليم، كما سيؤدي عدم إيجاد حل دائم وعادل للقضية الفلسطينية إلى تغذية التطرف والإرهاب.

التكفير والتطرف
إلى ذلك، فإن الأردن حاله حال كل دول الإقليم، من بعض التنظيمات التي تتبنى الفكر التكفيري والتطرف، وتقتل المسلمين والأبرياء من النساء والأطفال باسم الإسلام، لذلك فإنه يرى أن من مسؤوليته وواجبه الديني والإنساني أن يتصدى بكل حزم وقوة لكل من يحاول إشعال الحروب الطائفية أو المذهبية وتشويه صورة الإسلام والمسلمين، ولذلك، كما أكد العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني فإن الحرب على هذه التنظيمات الإرهابية وعلى هذا الفكر المتطرف "هي حربنا، فنحن مستهدفون، ولابد لنا من الدفاع عن أنفسنا وعن الإسلام وقيم التسامح والاعتدال ومحاربة التطرف والإرهاب، وإن كل من يؤيد هذا الفكر التكفيري المتطرف أو يحاول تبريره هو عدو للإسلام وعدوٌ للوطن وكل القيم الإنسانية النبيلة".
&
وفي الأخير، فإن الأردن يرى في المقابل، أن على المجتمع الدولي التصدي للتطرف في المذاهب والأديان الأخرى، وهذا يعني التطرف الديني في إيران، وكذلك الحال في إسرائيل، التي يتصاعد فيها عنصر التطرف الديني واليميني، بما في ذلك الدعوة إلى يهودية الدولة العبرية، وما يحمل هذا المفهوم من تأجيج للصراع الطائفي في شكل خطير في مجمل الإقليم.