أملت مملكة البحرين أن تكون جهودها الإصلاحية على مدى ثلاث سنوات فائتة، بوابة عبور سهل نحو العام الجديد 2015، لكن "متاريس" المعارضة كانت لها بالمرصاد.


نصر المجالي: لقد شكلت قضية اعتقال علي سلمان أمين عام جمعية الوفاق المعارضة الشيعية الرئيسة، وما رافقها من تداعيات وتدخلات، سواء إيرانية أو غيرها في الشأن الداخلي البحريني، "جسر العبور" الشائك نحو العام الجديد.

واضح أن تصعيد المعارضة لمواقفها المتشددة في العام الفائت 2014 وصولًا إلى مقاطعة الانتخابات البرلمانية ورفض نتائجها كان السمة البارزة التي تحاصر كل طموح للمملكة الخليجية الصغيرة التي تقول إنها "رغم كل شيء" حققت إنجازات رائدة على طريق الإصلاح والتحديث السياسي والإداري وتعزيز التنمية الاقتصادية والاجتماعية واحترام حقوق الإنسان، وتحسين المستوى المعيشي للمواطنين، وبناء علاقات إيجابية مع البلدان الشقيقة والصديقة، بما يخدم مصالحها التنموية، ويعزز مكانتها على الخارطة الإقليمية والدولية كنموذج يحتذى به في التنمية المستدامة والانفتاح والتعايش بين الأديان والثقافات.

كما إن البحرين واصلت مسيرتها الإصلاحية والتنموية، التي وضعت في مقدمة أولوياتها الإنسان البحريني، باعتباره محور التنمية الشاملة وغايتها في إطار دولة القانون والمؤسسات، محققة إنجازات متميزة وغير مسبوقة على الأصعدة كافة.

مرمى نيران النقد
مثل هذه المنجزات ظلت ويبدو أنها ستكون في مرمى نيران النقد المستمر من جانب الجمعيات السياسية المعارضة، وفي مقدمتها جمعية (الوفاق)، بكل ما تتمتع به من دعم من إيران، وكذا الحال من بعض العواصم الغربية، وفي مقدمتها واشنطن (حليفة المنامة) وبعض المنظمات الأممية، التي سارعت إلى التعبير عن قلقها من اعتقال علي سلمان، محذرة من أن ذلك قد يفجّر مزيدًا من التوترات في المملكة الخليجية.

وجاء في بيان للخارجية الأميركية أن "أحزاب المعارضة التي تنتقد الحكومة بطريقة سلمية تلعب دورًا مهمًا في الدول والمجتمعات التعددية التي لا تقصي أحدًا"، وأضاف البيان: "نشعر بقلق من أن هذا الإجراء ضد زعيم بارز للمعارضة لن يؤدي إلا إلى إشعال التوترات". وكان مكتب حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في جنيف عبّر عن قلقه من احتمال الحكم على سلمان بفترة سجن طويلة.

وكانت وزارة الداخلية البحرينية اعتقلت أمين عام جمعية الوفاق البحريني علي سلمان يوم 27 كانون الأول (ديسمبر) 2014 بتهمة التحريض على كراهية النظام والدعوة إلى الإطاحة بالنظام الحالي في الدولة بالقوة والتهديد وبوسائل غير مشروعة، وإهانته علانية وزارة الداخلية، والتحريض على عدم الانقياد للقوانين، وعلى بغض طائفة من الناس".

وكان سلمان قاد مظاهرة مناهضة للانتخابات البرلمانية والبلدية، جرت في تشرين الثاني (نوفمبر)، واعتبرتها المنامة شوطًا جديدًا، وهي الرابعة في مسيرتها الديمقراطية منذ انطلاق المشروع الإصلاحي للملك حمد بن عيسى آل خليفة. ورغم تشكيك المعارضة، فإن المنامة تؤكد المشاركة الشعبية الواسعة في الانتخابات، ترشيحًا وتصويتًا، بعد استكمال حوار التوافق الوطني، واستنادًا إلى ميثاق العمل الوطني كوثيقة تاريخية توافق عليها الشعب البحريني في استفتاء عام بنسبة 98.4% في شباط (فبراير) 2001.

كما تؤكد أن الانتخابات جرت مع توافر ضمانات تشريعية لنزاهة وحيادية وشفافية العملية الانتخابية تحت إشراف قضائي كامل، وتعديل الدوائر الانتخابية، فضلًا عن تفعيل التجربة البرلمانية بموجب التعديلات الدستورية لعام 2012، والتي عززت من الصلاحيات التشريعية والرقابية للمجلس النيابي المنتخب، ووضعت معايير وضوابط لضمان تعيين ذوي الخبرة والاختصاص والكفاءة الوطنية في مجلس الشورى.

هنات غير هينات
رغم كل "الهِنات غير الهيّنات" التي تضعها المعارضة وشروطها، بما تجده من دعم من إيران، و"عواصم" غربية، فإن عاهل البحرين قدم خلال كلمته التي افتتح بها دور الانعقاد الاول من الفصل التشريعي الرابع لمجلسي النواب والشورى يوم 24 كانون الأول (ديسمبر) 2014 رؤية شاملة ومعالم واضحة لخارطة استكمال مسيرة الإصلاحات في إطار الفصل بين السلطات وتعاونها وفقًا للدستور، في وجود برلمان كامل الصلاحيات، وسلطة قضائية نزيهة ومستقلة.

هذا مع تأكيد ملكي على مواصلة الحكومة بعد التشكيل الوزاري الجديد جهودها في تطوير الخدمات العامة، ومتابعة تنفيذ البرامج والمشروعات البالغ عددها 968 مشروعًا خلال السنوات (2011-2014)، وبنسبة 81% من المشاريع المقررة في المحاور السياسية والتنمية الاقتصادية والمالية، والخدمات والتنمية البشرية والاجتماعية، والبنية التحتية، وتنفيذ 75% من برامج ومشاريع التطوير الإداري خلال السنوات نفسها.

مكافحة التطرف
ومع محاولات الحوار "غير المستقر" مع المعارضة، فقد تابعت مملكة البحرين جهودها في مكافحة التطرف والإرهاب من خلال مشاركتها في التحالف الدولي ضد تنظيم "داعش" الإرهابي". واستضافت في إطار هذا الجهد اجتماع المنامة الدولي حول سبل مكافحة تمويل الإرهاب في 9 تشرين الثاني (نوفمبر)، وقمة الأمن الإقليمي العاشرة "حوار المنامة" في كانون الأول (ديسمبر).

هنا يشار إلى أن البحرين وقعت مع نهاية العام الذي قضى اتفاقية عسكرية مع بريطانيا، تعبيرًا عن الشراكة الاستراتيجية بين البلدين وتضامنهما في تحقيق الأمن والسلم الإقليمي والدولي، وبموجب الاتفاقية ستدشّن بريطانيا قاعدة لبحريتها على الأراضي البحرينية التي تستضيف قاعدة للأسطول الأميركي الخامس.

كما إن البحرين استقطبت أنظار العالم كواحة للتسامح والتعايش السلمي بين أتباع جميع الحضارات والثقافات والأديان والمذاهب واحترام حقوق الإنسان وحرياته، باحتضانها للمؤتمر الدولي للحوار بين الحضارات والثقافات في أيار (مايو) 2014، بعد مبادراتها السابقة بتنظيم مؤتمر للحوار الإسلامي المسيحي عام 2002 والتقريب بين المذاهب الإسلامية عام 2003.

حقوق الإنسان
حسب تقرير لوكالة أنباء البحرين الرسمية، فإن مملكة البحرين تابعت خلال العام 2014 إنجازاتها في تطوير التشريعات الوطنية والإجراءات التنفيذية بما يتوافق مع المعايير الحقوقية الدولية، وحماية حقوق الإنسان وحرياته المدنية والسياسية والاجتماعية والثقافية، وتعزيز حرية الرأي والتعبير، واحترام الحريات الدينية والتنوع الديني والمذهبي والثقافي، وتفعيل المؤسسات والأجهزة المعنية بحقوق الإنسان، في وجود عشر جمعيات معنية بحماية ومراقبة حقوق الإنسان من بين 617 جمعية أهلية، وتشكيل مفوضية حقوق السجناء والمحتجزين برئاسة أمين عام التظلمات بوزارة الداخلية في 17 شباط (فبراير) 2014، وإصدار مرسوم ملكي يوم 15 أيار (مايو) بإنشاء اللجنة الوطنية للقانون الدولي الإنساني، إلى جانب تفعيل جهود اللجنة التنسيقية العليا لحقوق الإنسان، وتنظيم المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان هذا العام أول مؤتمر دولي لمتابعة تنفيذ مشروع جلالة الملك لإنشاء المحكمة العربية لحقوق الإنسان.

الحريات الصحافية
تعززت أجواء الحريات الصحافية والإعلامية، في مملكة البحرين، حيث كان الملك حمد وجّه كلمة بمناسبة اليوم العالمي لحرية الصحافة، والذي يصادف الثالث من أيار (مايو)، دعا فيها إلى إطلاق يوم للاحتفاء بالصحافيين البحرينيين إلى جانب متابعة تنفيذ مشروع إسكان الصحافيين وتطوير البنية التشريعية والتنظيمية للإعلام والعمل على تفعيل دور الهيئة العليا للإعلام والاتصال في تعزيز حرية واستقلالية وسائل الإعلام والتزامها بالضوابط المهنية والأخلاقية.

دور المرأة
كما إن تقرير الوكالة الرسمية تناول ممارسة المرأة البحرينية لحقوقها السياسية والاقتصادية والاجتماعية في إطار من المساواة وتكافؤ الفرص وفقًا للدستور والتشريعات الوطنية، وبدعم من المجلس الأعلى للمرأة، منذ تشكيله برئاسة الأميرة سبيكة بنت إبراهيم آل خليفة قرينة الملك في عام 2001، من خلال تمثيل المرأة في البرلمان بغرفتيه النواب والشورى بنسبة 15% في الفصل التشريعي الرابع (2014-2018) وفي التشكيل الوزاري الجديد بوزيرة واحدة بعد ثلاث وزيرات، وحضورها المميز في السلك القضائي والدبلوماسي وفي المجتمع المدني في وجود 24 جمعية نسائية أهلية، وإسهامها بنسبة 35% من القوى العاملة الوطنية، وتتويج إنجازاتها بحصول سمو رئيس الوزراء على الجائزة الذهبية من الاتحاد الدولي لسيدات الأعمال والهيئات في نيسان (أبريل) 2014.

الأمن وحقوق الإنسان
كما حرصت البحرين على التوازن بين حماية حقوق الإنسان وتعزيز الأمن والاستقرار في مواجهة أعمال العنف والتطرف والإرهاب، والتي راح ضحيتها العديد من رجال الأمن أثناء تأدية واجباتهم الوطنية، ملتزمة في ذلك بتطبيق القانون، والتصدي للدعوات التحريضية إلى الكراهية وزعزعة الاستقرار، وتشديد العقوبات على التهديدات التي تمس سلامة الوطن ووحدته وأمن مواطنيه، تنفيذًا لتوجيهات القيادة الرشيدة بشأن تعزيز الجاهزية الأمنية، ورفع القدرات العسكرية، إيمانًا بأن الأمن والدفاع هما ركنا التطور والرقي في مختلف المجالات التنموية والديمقراطية، ما توّج بتحقيق البحرين المركز الأول عربيًا والسادس عالميًا في استطلاع دولي يتعلق بالدول الأكثر أمانًا، والذي أعلنته مؤسسة نومبيو في حزيران (يونيو) 2014.

وتعزيزًا للوحدة الوطنية روح التسامح والتعايش السلمي بين جميع المواطنين والمقيمين، صدر قرار رئيس الوزراء في أيار (مايو) بإنشاء وتشكيل لجنة مناهضة الكراهية والطائفية، وسبق بالتزامن مع الذكرى الثالثة عشرة للتصويت على ميثاق العمل الوطني في 14 شباط (فبراير) تدشين وثيقة مؤسسات المجتمع المدني للتسامح الديني والمذهبي.

التطور الاقتصادي
عززت البحرين خلال عام 2014 من مكانتها كمركز تجاري واستثماري وسياحي رائد في المنطقة، وتصدرت البلدان العربية في مؤشر الحرية الاقتصادية وفقًا لتقرير مؤسسة هيريتدج الأميركية لهذا العام، وجاءت في المرتبة الثانية عربيًا والسابعة عالميًا في مجال سهولة إصدار تراخيص المشاريع الاستثمارية وفقًا لتقرير البنك الدولي، وحافظت على معدلات نمو اقتصادي حقيقي مرتفعة تجاوزت 5% خلال السنوات الماضية، في ظل جهود تنويع مصادر الدخل القومي، وتقليل الاعتماد على النفط كمصدر رئيس للدخل، وزيادة مساهمة القطاعات غير النفطية إلى 79.2% من الناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الثابتة لعام 2013، والمقدر بـ 29 مليار دولار أميركي.

ويعود التطور الاقتصادي البحريني إلى نمو الخدمات المالية في وجود 404 مؤسسات مالية ومصرفية، وتطور الصناعات التحويلية والمواصلات والاتصالات، وازدهار الأنشطة السياحية والتجارية في ظل استضافة هيئة البحرين للمعارض والمؤتمرات 74 فعالية عام 2014، وتنظيم أحداث دولية كبرى مثل: معرض البحرين الدولي للطيران في كانون الثاني (يناير) بمشاركة 108 شركات عالمية متخصصة في مجال الطيران وخدمات النقل الجوي، وإبرام صفقات قيمتها 3 مليارات دولار، وتنظيم أول سباق ليلي لجائزة البحرين الكبرى لطيران الخليج في نيسان (أبريل) على حلبة البحرين الدولية "موطن رياضة السيارات في الشرق الأوسط"، وللسنة العاشرة، وإقامة معرض البحرين الدولي للإنتاج الحيواني "مراعي"، وغيرها من المؤتمرات والمهرجانات السياحية والثقافية والفنية تزامنًا مع اختيار المنامة عاصمة السياحة الآسيوية لعام 2014.

السياسة الخارجية
وفي الأخير، فإن البحرين تمسكت بسياستها الخارجية المتسمة بالحكمة والعقلانية والتوازن من خلال دعمها لجهود الأمن والسلم الإقليمي والدولي، واحترام سيادة الدول الأخرى، والدعوة إلى حل المنازعات الإقليمية والدولية بالطرق السلمية، واضعة في مقدمة أولوياتها الانتقال بمجلس التعاون لدول الخليج العربية من مرحلة التعاون إلى الاتحاد الخليجي في إطار دعم قادة دول المجلس لمبادرة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز في هذا الخصوص، وخروج القمة الخليجية بالدوحة في كانون الأول (ديسمبر) 2014 بنتائج إيجابية في مجال تعزيز الروابط الأخوية والاتفاق على إنشاء جهاز شرطة موحد يكون بمثابة إنتربول خليجي، مقره أبوظبي، وقوة بحرية مشتركة، مقرها البحرين، نحو بناء قيادة عسكرية موحدة.

وتميزت الدبلوماسية البحرينية خلال عام 2014 بالحيوية والنشاط والتنوع، بما يستهدف فتح آفاق جديدة من التعاون والشراكة مع الدول الشقيقة والصديقة، لجذب الاستثمارات والخبرات التقنية والترويج للمملكة كبيئة أعمال جاذبة ومنفتحة على العالم، وتعزيز علاقات التعاون الاقتصادي والتجاري والمالي، وإبراز مكانتها كمحور للتفاعلات الإقليمية والدولية، واهتمامها بترسيخ الأمن والسلام والاستقرار في الخليج العربي والمنطقة العربية والعالم.
&