عرف التاريخ قادة وزعماء تولّوا مقاليد السلطة في سن مبكرة، وبعضهم نودي بهم ملوكاً وحكاماً وهم في مرحلة الطفولة. ويزخر الحاضر بشخصيات قيادية فتية تتولى مناصب رفيعة، تتحدث "إيلاف" عن أبرزها ضمن هذا الملف.

أصغر وزير دفاع في هذا العالم هو الأمير محمد بن سلمان، الذي بث في الإدارة السعودية روح الشباب بعنفوانه، وواجه تحدي الحرب في اليمن فكان على قدر المسؤولية الكبرى.

خاص إيلاف: صعد الأمير محمد بن سلمان، وليّ وليّ العهد وزير الدفاع السعودي، سلم المسؤوليات درجة درجة بسرعة مذهلة، مثبتًا أهلية الشباب لتسلم المواقع القيادية من غير انتقاص لخبرات الكبار في السن والحكمة والتجربة الطويلة.

قدّم الأمير الشاب خلال صعوده انطباعًا قويًا عن كفاءته وبروزه منذ دخوله الحقل العام، وهو ثاني حفيد للملك المؤسس الراحل عبد العزيز يتولى منصب وزير الدفاع بعد الأمير محمد بن سعود، الذي تولى الوزارة سنتين تقريبًا مطلع ستينات القرن الماضي. كما يعتبر الأمير محمد بن سلمان ثاني أصغر وزير في تاريخ المملكة يتسلم هذه المسؤولية بعد عمه الأمير منصور بن عبد العزيز الذي كان دون الثلاثين عند تعيينه.

روح الشباب

تضج في الأمير محمد بن سلمان روح الشباب وحيويته وحماسته، ويختزن في الوقت نفسه الخبرات في وقت قياسي، على ما يؤكد عارفوه ومتابعوه، مما خوّله تسلم مواقع ذات نفوذ كبير.

شباب يحكمون

&

الأمير من مواليد الرياض عام 1985، وإن كانت روايات أخرى تذكر أنه من مواليد 1980. حاز شهادة بكالوريوس في القانون من جامعة الملك سعود في الرياض، وشهادة ماجستير في العلاقات الدولية من جامعة جورج تاون الأميركية. بدايات انخراطه في العمل الحكومي كانت في "مركز الرياض للتنافسية" وشغل منصب أمينه العام، ثم مستشارًا خاصًا لرئيس مجلس إدارة "دارة الملك عبد العزيز" فرئيسًا للجنتها التنفيذية. وفي عام 2007، عُيّن مستشارًا متفرغًا في هيئة الخبراء في مجلس الوزراء.

لم يكن تقدمه وصعوده إلى المسؤوليات الأعلى من دون عقبات. فخلال عمله في هيئة الخبراء فوجئ باستثنائه من ترقية استثنائية نالها الموظفون وشملت بعض العاملين بإدارته وهم أصغر منه سنًا، وكان رد الديوان الملكي بعدما سأل عن السبب أن الملك الراحل عبدالله قرر عدم منح أي موظف حكومي من الأسرة الحاكمة ترقية استثنائية. اقترح الديوان على الأمير الشاب نقل خدماته كمستشار خاص إلى إمارة الرياض التي انتقلت إلى يد وزير الداخلية آنذاك الأمير نايف فوافق، وكان ذلك العام 2009.

الأمير محمد بن سلمان أصغر وزير دفاع في العالم

&

موقعان حساسان

حين أصبح والده الأمير سلمان بن عبد العزيز وليًا للعهد، انتقل الأمير محمد إلى مهمة الإشراف على ديوان ولي العهد والشؤون الخاصة مستشارًا بمرتبة وزير، لكنه لم يعيّن رئيسًا للديوان باعتبار أن الملك عبدالله كان يميل إلى تعيين الأمير سلطان بن سلمان في هذا الموقع، بحكم اطلاعه على الأعمال والمسؤوليات والقضايا فيه.

بعد ذلك، تحقق الديوان الملكي عن كثب من كفاءة الأمير الشاب وقدراته في الإدارة وضبطها وتسييرها بأفضل ما يكون، كما فعل عندما تسلم لاحقًا في مكتب والده في وزارة الدفاع واستقطب الإعجاب في كل المسؤوليات التي تولاها، فوافق الملك الراحل عبدالله على تعيينه رئيسًا لديوان ولي العهد ومستشارًا خاصًا له، إضافة إلى الإشراف على مكتب والده في وزارة الدفاع.

من هذين الموقعين الحساسين، بات الامير الشاب على احتكاك يومي بالديوان الملكي، ولفت الملك الراحل عبدالله بتفانيه وقدرته&على تنفيذ تكليفات بمهمات سياسية واقتصادية، أخذ الملك يصدرها له فينجزها بسرعة قصوى خلال أيام بدل أسابيع، واسابيع بدل أشهر، كان يستغرقها التنفيذ مع غيره.

الأمير الشاب قدّم خلال صعوده انطباعًا قويًا عن كفاءته

&

نصحه بالاعتذار

ما لبث الديوان الملكي أن عرض على الأمير محمد بن سلمان أن يكون مستشارًا فيه، لكن والده ولي العهد آنذاك نصحه بالإعتذار، باعتبار أنه رئيس ديوان ولا يمكنه الجمع بين صفته هذه وصفة مستشار في ديوان آخر. كانت الغاية في الديوان الأميري إضفاء طابع قانوني على مهمات خاصة كانت توكل إلى الأمير من خارج نطاق عمله في ديوان ولي العهد ووزارة الدفاع. كتب الأمير محمد بن سلمان رسالة اعتذار إلى الديوان بيّن فيها أسبابه. وبعد ذلك، عيّنه الملك عبدالله وزير دولة وعضوًا في مجلس الوزراء فوق المسؤوليات والمناصب التي يتولاها.

هكذا، أصبح الأمير محمد بن سلمان في عهد الملك عبدالله رئيس ديوان ولي العهد ومستشاره، والمشرف على مكتب وزير الدفاع، ووزير دولة. وفي عهد والده الملك سلمان بن عبد العزيز عُيّن وزيرًا للدفاع في 23 كانون الثاني (يناير) الماضي ورئيسًا للديوان الملكي ومستشارًا خاصًا للملك بمرتبة وزير، ليُعيّن بعد ذلك في 29 نيسان (أبريل) الماضي وليًا لولي العهد. وهو إلى جانب ذلك رئيس لمجلس الشؤون الإقتصادية والتنمية الذي يشرف على السياسات الإقتصادية والتنموية في المملكة، وعضو في مجلس الشؤون السياسية والأمنية الذي يترأسه ولي العهد الأمير محمد بن نايف، ومهمة هذا المجلس رسم سياسات المملكة عمومًا وإدارة الأوضاع الأمنية.

رد التحدي

منذ انطلاق "عاصفة الحزم" في اليمن في 26 آذار (مارس) الماضي، تلبية لنداء الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي إثر انقلاب الحوثيين على حكمه، ما انفك الأمير محمد بن سلمان يثير الإعجاب بكفاءته وقدرته على اتخاذ القرارات وسرعته في&مواجهة التحديات على أنواعها.

الجنرال المدني

&

وساهم في تسليط أنظار الدول عليه كونه أصغر وزير دفاع في العالم، كما أنه لم يتلق علومًا عسكرية لكنه استحق عن جدارة لقب "الجنرال المدني" بحسب متابعيه، ولا يضيره في شيء أنه مدني فأغلبية الدول المتقدمة وحتى العظمى منها توكل وزارات دفاعها إلى مدنيين، على أساس أن هذا الموقع يعنى باتخاذ القرار والقيادة السياسية والإدارية في حين يتولى التنفيذ كبار العسكريين، علمًا أنه كان اكتسب خبرة في التعامل مع القادة العسكريين والأجهزة الحربية والأمنية قبل توليه وزارة الدفاع من خلال عمله مع ولي العهد الأمير محمد بن نايف عندما كان وزيرًا للداخلية ومع قائد الحرس الوطني الأمير متعب بن عبدالله.

وأثبتت مراحل الحرب في اليمن أن الأمير محمد بن سلمان يدير بكفاءة أقوى جيش عربي في هذه المرحلة المصيرية والحساسة من التاريخ العربي، في ضوء ما حل بجيشي سوريا والعراق من تفسخ ودمار في الحروب الداخلية والخارجية، وانشغالات مصر التي تبعدها عن تحديث جيشها حاليًا.

وهو يساهم كل يوم في رفع نسبة مناعة حدود المملكة وإعادة ترتيب أوضاع اليمن وعودته إلى الحياة الطبيعية بعد تدمير ميليشيات الحوثيين وعلي عبدالله صالح. يعني نجاح الأمير الشاب في رد التحدي في اليمن، كما نجح في بث روح الشباب وحيويته في الإدارات والمواقع التي يتولاها، أنه النجم الساطع والطالع في مستقبل المملكة.