أصدر مرصد الفتاوى الشاذة والتكفيرية التابع لدار الإفتاء في مصر، تقريراً يفند فيه مزاعم ومغالطات الجماعات الإسلامية المتشددة، لاسيما داعش والقاعدة والإخوان والسلفية. وقالت دار الإفتاء إن عقيدة الذبح تعود إلى الخوارج، وليس لها أي دليل في الإسلام من القرآن أو السنة النبوية.


صبري عبد الحفيظ من القاهرة:&بزيه الأسود الذي يغطي جسده من أخمص قدميه حتى شعر رأسه، يقف الإرهابي الذابح المعروف بـ"جون" ممسكاً بسكين حاد وسط الصحراء، يتلو مجموعة من التهديدات لحكومات الدول المكونة للتحالف الدولي ضد الإرهاب، بينما يجثم الضحية في ملابس برتقالية على ركبته مستسلماً، ويبدو على ملامحه الثبات، وما إن ينهي "جون" تهديداته حتى يمرر سكينه الحاد على رقبة الضحية، الذي غالباً ما يكون صحافيًا، ثم تظهر لقطة أخرى، وقد وضعت رأس على جسدها.
مشهد يتكرر كثيراً، منذ ظهور ما يعرف بتنظيم داعش، المعروف اختصاراً، في شهر (يونيو) حزيران 2014، ويعتمد الداعشيون القتل بالذبح من العنق للضحايا، لاسيما الصحافيين، أو من يقعون في الأسر من المدنيين الغربيين. ويبرر أعضاء التنظيم في العراق ومصر عمليات القتل بهذا الأسلوب البشع، بأنها على الطريقة النبوية تنفيذاً لقول الرسول "جئناكم بالذبح".
&
الخوارج
وفي إطار خطة المؤسسة الإسلامية المصرية، لدحض الأفكار الإرهابية، أصدر مرصد الفتاوى الشاذة والتكفيرية التابع لدار الإفتاء، تقريراً يفند فيه مزاعم ومغالطات الجماعات الإسلامية المتشددة، لاسيما داعش والقاعدة والإخوان والسلفية، وفي أحدث تقرير له حول عقيدة الذبح عند تنظيم "داعش"، قالت دار الإفتاء إن عقيدة الذبح تعود إلى الخوارج، وليس لها أي دليل في الإسلام من القرآن أو السنة النبوية.
وأوضح أن "المرجعية الفكرية التي يستند إليها تنظيم منشقي القاعدة في الذبح ترجع إلى فكر الخوارج الذين كانوا أول من فعل هذه الفعلة الشنيعة في الإسلام؛ حين أوقفوا الصحابي عبدالله بن خباب بن الأرت فسألوه عن أبي بكر وعمر وعثمان وعليَّ رضوان الله عليهم أجمعين؛ فأثنى عليهم خيرًا، فذبحوه فسال دمه في الماء، وبقروا بطن امرأته وهي حامل".
وأشار إلى أن "قطع الرؤوس ممارسة قديمة عرفتها البشرية بمختلف أجناسها وثقافاتها، وهذه العملية اللاإنسانية كانت معروفة لدى بعض العرب في الجاهلية، وبعد أن جاء الإسلام لم يثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم- أنه حُملت إليه رأس كافر بعد قطعها، ولا أنه أمر بحزِّ الرؤوس، بل إن النصوص الشرعية لم تؤسس لمثل تلك العقيدة التي ينتهجها تنظيم منشقي القاعدة في القتل والذبح والتمثيل".
&
الأسباب
وحول الأسباب التي تدفع هذا التنظيم إلى ارتكاب مثل هذه الفظائع، أوضح تقرير دار الإفتاء أن "أبرز هذه الأسباب هي: إشباع سادية القائمين على التنظيم الذين أدمنوا رؤية الدماء، فأصبحت رؤية هذه الرؤوس المقطوعة عامل نشوة لهم تمامًا مثل مدمني المخدرات، ومن ثم التأثير على الأهالي حتى يأتمروا بأمرهم وينضووا تحت سلطانهم، بالإضافة إلى رفع معنويات المقاتلين في صفوف التنظيم بإظهار قوة التنظيم وجبروته، كذلك إيصال رسالة لأعداء التنظيم بأن هذه هي نهاية من يعاديهم وأن قطع الرؤوس والتمثيل بالجثث جزاء من يحاربهم، فضلاً عن شن حرب أعصاب، باستخدام وسائل الإعلام المختلفة حتى يصل الخبر بكل مقوماته العنيفة لجميع أنحاء العالم".
وأوضحت دار الإفتاء المصرية أن "تنظيم منشقي القاعدة يعتمد في رؤيته القتالية على عدد من الأحاديث والروايات التي يُسيء تأويلها وتفسيرها ويلوي أعناق نصوصها لتتوافق مع سياسته الإجرامية في القتال والحرب، ليبرر بها شرعيته وادعاءاته التي يزعم من خلالها زورًا وبهتانًا تأسيس الخلافة الإسلامية في الأرض"، منوهاً بأن "التنظيم الإرهابي أصدر فتوى تبيح لمقاتلي التنظيم ذبح كل من يخالفهم، حيث نصت الفتوى على أن: "الذبح فريضة إسلامية غائبة" وقد استدل التنظيم بعبارة من حديث نبوي شهير: "جئتكم بالذبح"، دون الوقوف على مدلولاته وسياقه".
وأضاف تقرير دار الإفتاء: "كذلك فقد استند التنظيم التكفيري إلى جزء من حديث آخر وهو "وجعل رزقي تحت ظل رمحي"، وهو ما نشره التنظيم في مجلة (دابق) حيث أوضح أن هذا الحديث إشارة إلى أن الله لم يبعثه صلى الله عليه وسلم بالسعي في طلب الدنيا، ولا بجمعها واكتنازها، ولا الاجتهاد في السعي في أسبابها وإنما بعثه داعيًا إلى توحيده بالسيف، ومن لازم ذلك أن يقتل أعداءه الممتنعين عن قبول التوحيد، ويستبيح دماءهم وأموالهم، ويسبي نساءهم وذراريهم".

تأويلات خاطئة
ورداً على هذه التأويلات الخاطئة، قالت دار الإفتاء، إن "الله سبحانه وتعالى أرسل رسولَه بالهدى والعدل والرحمة، فكان مما شرعه أن جاء بتشريعات واضحة توجب التعامل مع الأسرى بالعدل والإحسان، وبما يتناسب مع إنسانيتهم واحترام آدميتهم، من تقديم المأوى والطعام المناسب، والرفق بهم وعدم تعذيبهم وإيذائهم، قال تعالى: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًاوَأَسِيرًا} [الإنسان: 8].
وتابع: "هذا كله كان في حال الحرب التي تدور بين المسلمين وعدوهم للدفع عن دينهم ووطنهم، أما في حالتنا اليوم فلا ينطبق عليها وصف الحرب، بل توصف بالجريمة بكل معنى الكلمة، ذلك أنهم إنما يقتلون ويذبحون ويهجرون أناسًا آمنين في أوطانهم، مسلمين وغير مسلمين، ولم يشرع الإسلام قط قتل هؤلاء".
وأضاف التقرير أن "تنظيم منشقي القاعدة قد ارتكب جرمًا كبيرًا في حق الكلام النبوي، حيث انتزعوا عبارة من الحديث الشريف الذي رواه أحمد وغيره، وفيه: "اسْتَمِعوا يا مَعْشَرَ قُريشٍ، أما والَّذي نَفْسُ محمَّدٍ بيَدِه لقد جِئْتُكم بالذَّبْحِ". فذهبوا في فهمها مذهبًا غريبًا لا أساس له، ينسبون به إلى الهدي النبوي ظلمات وجرائم".
وأردف: "زعمت التنظيمات الإرهابية أنَّ النَّبيَّ – صلى الله عليه وآله وصحبه – جعل الذبح والقتل شعارًا لهذا الدين، وحاشاه صلى الله عليه وسلم من هذا الفهم المنحرف، وسوغوا به لأنفسهم قطع الرقاب، وذبح الآدميين بصورة مفعمة بالبطش والفتك، لا يرضاها دين الله ولا يقرها، بل ينكرها أشد الإنكار".
&
وذكر التقرير أن "المعنى الذي انتزعوه من قوله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم: "لقد جئتكم بالذَّبح"، غير مراد للنبي صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم، بل مجاف للمنهج العملي للنبي صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم وأصحابه الكرام الذي عفا عن صناديد قريش يوم الفتح، وقال صلوات ربي وسلامه عليه: "اليوم يوم المرحمة"، مشيرًا إلى أن "معنى الذبح في هذا الحديث هو أنه صلى الله عليه وسلم يقصد به التهديد لكف الشر، لأنه واسع الرحمة بهم، يدعو لهم بالهداية، حتى قال الله تعالى له: {وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم} [الأنفال: 33]؛ لأنه صلى الله عليه وسلم جاء أمانًا ورحمة للبشرية كلها، وجاء رحمة للعالمين".
ووفقاً لتقرير دار الإفتاء: "أما حديث "جُعِلَ رِزْقِي تَحْتَ ظِلِّ رُمْحِي" فإن الحديثَ يبيّن أن المجاهد في سبيل الله تحت راية ولاة الأمر الذي يدفع العدوان، أو ينصر المستضعفين، أو يعلي كلمة التوحيد، ويصبح شهيدًا بسبب جهاده ويصير رزقه الجنة. وعليه فلا حجة لهم بهذا الحديث الشريف الذي زعموا أنه دليل على التغول في القتل والذبح".
&
الذبح لا يجوز
وخلص التقرير إلى أنه لم يرد نص شرعي صحيح صريح يدل على جواز ذبح العدو حيًّا، فضلاً عن أن يكون سنة نبوية متَّبعة! وأن النصوص وردت بالتفريق بين القتل والذبح، وجعلت الذبح خاصًّا بالبهائم والطيور للتذكية.
ووصفت دار الإفتاء ارتكاب جريمة الذبح بحق الضحايا، بأنه "جرم مركب"، وأوضحت: "كان النبي صلى الله عليه وسلم يراعي في تصرفاته (الناحية الإعلامية)، فامتنع عن قتل بعض المنافقين حتى "لاَ يَتَحَدَّثُ النَّاسُ أَنَّ مُحَمَّدًا يَقْتُلُ أَصْحَابَهُ"، فصورة الإسلام في الأذهان أهم من "النكاية بالعدو".
وانتهت دار الإفتاء المصرية إلى أن "جميع ما يفعله هذا التنظيم البغيض يقع تحت قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ كُبِتُوا كَمَا كُبِتَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَقَدْ أَنزَلْنَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُّهِينٌ}، موضحة أن "هم (داعش) يجاهرون بالعداء لله ورسوله، من خلال عمليات القتل بغير حق، والتمثيل بالجثث، والإفساد في الأرض، كما أن أفعالهم هذه تكشف عن نفوس مريضةٍ مجرمة، وقلوبٍ قاسيةٍ متحجرةٍ، اتخذت الغلو والوحشية مطية لها في تنفيذ مآربها، وبلوغ مقاصدها".
&