محمود العوضي – دبلن: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا"... يبدو أن الإمارات بشكل عام ودبي التي هي جزء منها هي المكان الأفضل في العالم لتطبيق ما جاء في الآية الكريمة، فالإمارة المنفتحة على العالم وعلى كافة الجنسيات والديانات والثقافات متسامحة جداً مع العقائد الأخرى، حيث يعمل الحكام على ضمان وجود أماكن للعبادة لأصحاب الديانات والعقائد الأخرى، وذلك وفقاً لتقرير مفصل لهيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي".

الأب ماثيو

فالأب ماثيو، مرتديا ثوب الكهنة الأبيض والذهبي، استدار ليواجه 60 شخصا من أتباعه. الآباء من الطبقة الوسطى في قمصان منقوشة، الأمهات كبار السن يرتدين غطاء الرأس، وسيدات ينظمن الأطفال، كما يوجد عدد قليل من الرجال مفتولي العضلات ينتشرون بين 13 صفا من المقاعد في كنيسة سانت ماري للروم الكاثوليك بإضاءتها الزاهية الحديثة، وفي الوقت الذي كان فيه الأب ماثيو يتبادل الشراب، كان المسجد المجاور للكنيسة يرفع الآذان.

ويضيف ماثيو تيلر كاتب التقرير "في إحدى أمسيات الخميس بعد انتهاء العمل في دبي، كنت جالسا في قداس، وكان على غير العادة بلغة الأوردو، في دولة الإمارات العربية المتحدة، والتي تعد دبي إحدى إماراتها، التي تملك تاريخاً قد لا يعرفه البعض من التسامح الديني، رغم وجود بعض القيود على حرية التعبير.

تسامح راشد

في عام 1958 سمح الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، حاكم والد دبي الحالي الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، ببناء معبد هندوسي، ونصل إليه اليوم عبر ممر على جانبيه متاجر لبيع تماثيل للآلهة والإلهات وأكاليل من الورود والزهور المخملية"

ويوجد هذا المعبد الوحيد في بلد ربما يعيش به الآن أكثر من نصف مليون هندوسي، ويستقبل هذا المكان الموقت والمعطر بخشب الصندل عشرات الآلاف من المتعبدين الهندوس والسيخ، كل أسبوع، ومع اكتشاف النفط في دبي، عام 1966، تبرع الشيخ راشد بقطعة أرض لبعثة مسيحية من الرومان الكاثوليك، وتطورت المدينة من حول كنيسة سانت ماري، والتي توجد الآن بجانب طريق مزدحمة في قلب مدينة دبي.

قداس&الجمعة

وبما أن الأحد يوم عمل رسمي في دبي، فإن أبرز خصائص الطقوس المسيحية هنا إقامة الصلاة الرئيسة يوم الجمعة، لأنه يوم العطلة الأسبوعية لغالبية العاملين، وتستضيف الكنائس عشرات الخدمات الكنسية بلغات متعددة كالإنكليزية والعربية وكذلك لغات أخرى.

ويقول الأب ليني كونيلي، كاهن كنيسة سانت ماري :"نرى حوالى 7000 شخص في قداس الجمعة." ولا يستطيع كونيلي تحديد عدد الكاثوليك في دبي، خاصة أن غالبيتهم من الهند والفلبين، لكنه كان واضحا في ما تقدمه دبي :"لم نكن نتوقع كل هذه الحرية، ونتمتع بحرية العبادة وممارسة شعائر ديننا في هذا المجمع.

وهذا أمر هام جدا، خاصة أنه لا توجد في دبي أية دلائل أو رموز لدين آخر غير الدين الإسلامي، فالكنائس لا يمكنها وضع الصليب، ولا يسمح بالتبشير ومن يحاول نشر دينه أو معتقده أو إقناع المسلمين بترك الإسلام يواجه عقوبة السجن أو الترحيل.

الأقباط في دبي

وتناول تقرير "بي بي سي" بعداً آخر يتعلق بالأقباط في دبي، فأشار إلى أن الكنيسة القبطية مليئة بالناس ودخان البخور، وغرفة مزينة بالسجاد الأحمر مع مقصورات منحوتة وجدران مكسوة وصورة ضخمة للمسيح رسمت على السقف الأزرق، ورنت الصاجات وعزفت المثلثات مع وجود شاشات لترجمة الصلوات التي تردد باللغتين العربية والقبطية.

ويعد الأقباط أكبر أقلية دينية في مصر، وتعرضوا لتمييز وهجوم أيضا، ويعيش منهم عشرة آلاف أو ربما أكثر في الإمارات، ويعيش الأب ماركوس في دبي منذ 12 عاما حيث يقول إن رعايا الكنيسة القبطية في الإمارات يعيشون في سعادة غامرة ويستمتعون بحياتهم وحريتهم.

وتابع :"الحياة هنا أفضل كثيرا مما هي عليه في مصر، فإذا احترمت القانون هنا تعيش في سلام، أما في مصر فإذا عرفوا أنك مسيحي.."، وصمت وظهر عابس الوجه.

سلفية هندو - باكستانية

قد لا يعلم البعض أن عدد الهنود الذين يعيشون في الإمارات يقترب من 2.5 مليون نسمة، غالبيتهم في دبي وأبو ظبي والشارقة، وغالبية هؤلاء الهنود من المسلمين، وهم يستقرون في تجمعات سكانية كبيرة في دبي، مثل إعمار، وتلال الإمارات، ولديهم المال والمكانة الجيدة، كما أن الأمر ينطبق على الباكستانيين في دبي وغالبيتهم الكاسحة من المسلمين، والبعض أتى من الهند وبريطانيا بسبب ضغوطات تمنعهم من الخط الدعوي، فكانت حرية هي وجهتهم، وهم من الراديكاليين.

وعلى الرغم من أنهم يتمتعون مثل غيرهم بأجواء الحرية الدينية والعقائدية، وفرص العمل والاستثمار وغيرها من مقومات الحياة الجيدة في دبي، إلا أن توجهاتهم السلفية الواضحة، تجعلهم يحاولون فرض طابعهم الديني على الآخرين ممن يعتنقون ديانات أخرى، ويستخدمون أساليب دعائية معينة من أجل ذلك، وهو ما يعرف بالخط الدعوي، كما أن صحفاً ناطقة بالإنكليزية تنقل توجهاتهم للرأي العالم، الأمر الذي لا يتفق مع حرية الإعتقاد التي تعد دبي واحة لها.