رأى الصحافي المصري عبدالله السناوي أن شعبية السيسي آخذة في التآكل بسبب غياب الرؤية السياسية وعودة ممارسات الدولة البوليسية، التي قامت ثورتان لرفضها، إضافة إلى المشاكل الاقتصادية التي ترهق المواطن، ومحاولة تشويه صورة الثوار واعتقالهم.

إيلاف من القاهرة: يعتبر الكاتب الصحافي عبد الله السناوي واحدًا من أبرز الكتّاب في مصر، ويحتل مكانة في قلوب المصريين، ولديه وضع مميز لدى السلطة، لاسيما أنه يرتبط بصداقة متينة مع الرئيس عبد الفتاح السيسي، منذ أن كان مديرًا لجهاز المخابرات الحربية.&

ورغم أنه كان من أشد الداعمين للرئيس المصري في أعقاب ثورة 30 يونيو 2013، التي أطاحت بحكم جماعة الإخوان، إلا أنه تحول أخيرًا إلى نقد السلطة بشدة.

وقال السناوي في مقابلة مع "إيلاف" من القاهرة، إن شعبية السيسي في تآكل مستمر. وأرجع ذلك إلى غياب الرؤية في إدارة البلاد، وتفاقم الأزمة الاقتصادية، وغلاء الأسعار، فضلًا عن اعتقال الشباب، وتشويه ثورة 25 يناير، والهجوم على أصحاب الرأي المخالف، وإصابة المصريين بالإحباط.

أضاف السناوي في الحلقة الأولى من المقابلة، أن إغلاق المسار السياسي وعدم الحوار الجدي في المسار الاقتصادي وغياب روح المبادرة أضعفت مصر، لافتًا إلى أن الأجهزة الأمنية في مصر تكره شباب ثورة يناير أكثر من كرهها للإخوان.

وأبدى دهشته من الإفراج عن شقيق زعيم تنظيم القاعدة محمد الظواهري، بينما شباب ثورة يناير لا يزالون في السجون. وأشار إلى أن عودة الدولة البوليسية أضرّت بصورة مصر في الخارج، وأفقدتها التعاطف معها في أزمتها الإقتصادية. وإلى نص الحوار:

النقد للتصويب
• المتابع لمقالاتك، يلاحظ تحولك إلى مقاعد المعارضة للرئيس عبد الفتاح السيسي، بعدما كنت من أشد الداعمين له، ما أسباب هذا التحول؟.

القضية ليست موالاة أو معارضة، أعتقد أن مصر عند منعطف خطير في مستقبلها، وكل ما أكتبه يهدف إلى التصويب والتصحيح، وأسعى إلى أن أشير إلى مواطن الخطر، وضرورات التجنب إلى الانزلاق والانهيار. مصر لا تتحمل أي إخفاقات جديدة، فهي في أوضاع صعبة، وأمامها تحديدات وجودية، مثل أزمة المياه، والحرب على الإرهاب، والأزمة الاقتصادية وأزمات تتعلق بمتطلبات الحياة. فأعتقد أن كل هذا لا بد من مواجهته، وإن لم تتم المصارحة بشكل حقيقي، لن يتم بناء تماسك وطني حقيقي في مواجهة هذه التحديات، وأعتقد أن هذا دور الكاتب.

أنا أيّدت الرئيس عبد الفتاح السيسي في أحداث 30 يونيو و3 يوليو 2013، وكنت أعتقد ولا أزال أنها ثورة شعبية حقيقية ساندها الجيش، وهذا يحسب في رصيده، لأن البلاد كانت على وشك الانزلاق إلى الحراك الطائفي، ولكن لا أحد، مهما كان دوره أو قدره، معصوماً من الخطأ، فالنقد هو واجب دستوري وأخلاقي، ثم إنه لا بد أن تكون هناك مساحة للنقد، وهذا كان رأيي منذ أول دقيقة تسلم فيها الرئيس السيسي مهامه، وقلت يجب أن تكون هناك مساحة بين السلطة والقلم، فإذا لم يكن لديك حق الاعتراض، فليس لك حق الاتفاق. فالاتفاق بلا حرية نفاق. أما الاتفاق عن اقتناع مسألة أخرى نتمناها. فهذا اعتقادي منذ بداية حياتي الصحافية منذ 45 سنة، وهو موقف ثابت، وأي شخص يراجع مقالاتي في جريدة الشروق منذ 5 يوليو 2014 سوف يستشعر بأنني أمارس النقد من أجل تصويب المصالح.

شعبية متآكلة
• تربطك علاقة قوية بالرئيس السيسي، ألا تخشى أن يؤثر هذا النقد على العلاقة ويثير غضبه؟
عندما تعقدت الأمور، وبدا أن هناك تراجعًا في مستوى الأداء، ارتفعت نبرة النقد، وهذا موقف ليس غريبًا، كما أن النقد لا يمس علاقات الصداقة والمودة، التي تربطني بالرئيس عبد الفتاح السيسي، عندما كان رئيسًا للمخابرات الحربية أو وزيرًا للدفاع. وأذكر أني أول من كتبت عن عبد الفتاح السيسي يوم عيّن وزيرًا للدفاع، لم يكن يعرف عنه أحد أي شيء، وقد كتبت مقالًا بعنوان "نصف انقلاب.. نصف اتفاق" عن شخصيته، وكان لديّ أمل كبير في أنه سوف يستجيب لرهانات الشعب عليه، فكانت هناك رهانات كثيرة في 30 يونيو، وعلى شخصية السيسي، ولكن عندما ننظر الآن، وبكل موضوعية، سنجد أن هناك انحسارًا كبيرًا في شعبيته، وتآكلًا في مقوماته الشعبية ومستوى الرهانات.

• هل تقصد أن هناك انخفاضًا في شعبية السيسي، وما أسباب ذلك التراجع؟
أنا طرحت هذا السؤال مبكرًا، وكتبت عند نهاية عامه الأول في الرئاسة عن التراجع الكبير في شعبيته، وحاولت أن أشرح لماذا حدث هذا، وحاولت أن اقترح ما تصورت أنه سوف يساعد على تجنب أية إخفاقات جديدة، وتكلمت كثيرًا حول عودة الماضي وسياسته.&

أعتقد أن مصر تحتاج رؤية جديدة تحكم السياسات قبل المشروعات. وأظن أن وجه الخلل الكبير هو تجفيف المجال السياسي العام، وإضعاف أحزاب المعارضة، فضلًا عن إصدار قانون الانتخابات النيابية، الذي أدى إلى نشأة مجلس نيابي مشوه، لا يرتقي إلى ما كان يطمح إليه المصريون.

إنحزت لضميري الصحافي
الرئيس السيسي نفسه تحدث مع الزملاء، رؤساء تحرير الصحف القومية، عن عدم وجود ظهير سياسي له، فالسؤال هنا أين ائتلاف دعم مصر؟، وإذا لم يوفر البرلمان هذا الغطاء السياسي، فمعنى ذلك أنه لا بد من الاعتراف قبلنا أن قانون الانتخابات النيابية معيب، والحملات على أي رأي مخالف لها تأثير سلبي، كما إن تشويه ثورة يناير أحد العوامل الأساسية في تراجع الشعبية، وتآكل الظهير السياسي.&

الظهير الشعبي تآكل لتراجع الرهانات الكبرى، وسيطرة الإحباط على الناس، وارتفاع الأسعار، فضلًا عن أزمة الدولار. أظن أنني كنت مخلصًا إلى أبعد حد في النقد الذي قدمته، وما كنت أريد منه أي شيء، بل العكس، أي صحافي في أي مكان في العالم عندما يكون قريبًا من رئيس الجمهورية قد يغريه ذلك بالصمت على ما يجب أن يقوم عليه بواجبه، لكني اخترت الانحياز إلى الضمير الصحافي.

• هل تعرضت لعتاب بشكل مباشر من الرئيس السيسي، بسبب معارضتك الشديدة له؟
الرئيس تحدث علنًا في أكثر من موضع، وذكرني بالاسم في بعض الحالات، وفي إشارة واضحة في حالات أخرى، فذات مرة قال: «أنا لا أنام يا أستاذ عبد الله، ويارب اللي فيّا ييجي فيك»، قال ذلك أمام العشرات أو المئات من القادة العسكريين بصفة عامة، ورؤساء التحرير. أنا اعتبرت هذا الكلام تعبيرًا عن العتاب، وعتابه دائمًا قائم، فالسيسي محل تقدير واحترام، وربما هو لا يعرف ذلك. في المقابل عليه أن يعرف أن النقد لمصلحته.

غياب الرؤية
أرى أن مصر في خطر حقيقي، نتيجة تعطيل المسار السياسي، وصدام الدولة مع الشباب، وتحطيم صورة نظام الحكم في الميديا الغربية، كما إن صورتها لدى المنظمات الحقوقية الدولية والبرلمان الأوروبي ولجنة الأمم لحقوق الإنسان سيئة للغاية، علمًا أن لغة حقوق الإنسان والحريات هي اللغة الحديثة في العالم. البعض يتصور أن الصراخ الإعلامي أو التعرّض للمعارضين، أو أية وجهة نظر مخالفة، لا يصل إلى مسامع العالم. هناك عمليات اعتقالات واسعة ومظالم اعترف بها الرئيس نفسه، وأنا أسأله: لماذا تأخر في الإفراج عنهم حتى الآن؟.

الصحافي السناوي يرى أن مصر تحتاج رؤية جديدة تحكم السياسات قبل المشروعات

الشباب المظلومون في السجون لا بد أن يخرجوا، الأمن يكره شباب 25 يناير أكثر من جماعة الإخوان، وهذه مأساة. لا أستطيع أن أتفهم وجود محمد الظواهري، شقيق زعيم تنظيم القاعدة في منزله، بينما شباب 25 يناير مثل أحمد دومة في السجن، فمثلًا أحد الشباب سجن لسنوات، بتهمة قلب نظام الحكم منذ عهد مرسي، واستمر حتى عهد السيسي، وتدخلت شخصيًا، وتحدثت مع الرئيس السيسي عنه، وتم الإفراج عنه.

كنت أعتقد وتمنيت أن تكون هناك رؤية معلنة لرئيس الجمهورية، فغياب الرؤية يعني أننا بالضبط لا نعرف ما هي الأولويات، فهناك خلاف حقيقي على الأولويات، فإغلاق المسار السياسي وعدم الحوار الجدي في المسار الاقتصادي وغياب روح المبادرة، أضعفت مصر.

• وكيف يمكن إحداث توازن بين الاحتياطات الأمنية والمتطلبات المجتمعية في ظل تنامي ظاهرة الإرهاب؟
لا بد أن نسجل أن أي مجتمع يحتاج أمنًا، ومن المهم أن تتحقق له الهيبة، لأنه يعبّر عن الدولة، وكل الشهداء والضحايا من جهاز الشرطة، هم أبناء مصر، افتدوها بدمائهم، ولكن هذا لا يعطي صكًا مفتوحًا للتجاوز في حق الشعب، سواء بنفيه أو التنكيل أو الاعتقال أو التعذيب أو الاختفاء القسري، فكلها قضايا مفتوحة، وتسيء إلى صورة مصر في العالم.&

الخليج خط أحمر
كتبت كثيرًا قبل أن يتولى السيسي الحكم عن ضرورة حل معضلة الأمن والحرية. هناك دراسات لها قيمة بعد ثورة يناير حول إصلاح جهاز الأمن، لأن تعبير إعادة هيكلة الجهاز الأمني قد أسيء استخدامه من جماعة الإخوان، وأصبح تعبيرًا سيئ السمعة. ويمكن تشكيل لجنة عليا للإصلاح الأمني، تضم خبراء وزارة الداخلية وأساتذة القانون ومثقفين وحقوقيين. وأعتقد أن مصر تحتاج إصلاح صورة البلد وتنقية المجال العام من الشوائب العالقة به.

• يبدو أن التعاون المصري الخليجي في أفضل حالاته، أليست هذه نقاط مضيئة في ظل تهاوي المنطقة؟
السعودية والإمارات باليقين وقفتا بكل قوة مع تحولات 30 يونيو، وقدمتا إلى مصر نحو 37 مليار دولار، إضافة إلى الإمدادات البترولية. هناك مصلحة استراتيجية عربية في أن تنهض مصر، ويرجع ذلك إلى سببين، الأول: خطر جماعة الإخوان المسلمين الذي كان يمثل تهديدًا حقيقيًا على نظم الحكم في الخليج. السبب الآخر: هناك رغبة في أن تحدث مصر توازنًا مع الدور الإيراني في الإقليم.

كما إنني طالبت أكثر من مرة بضرورة الحديث مع إيران، وهذا لا يعني التخلي عن الخليج، فأمن الخليج خط أحمر، ومسألة إستراتيجية، وفيها مصلحة مصرية مؤكدة، لكني أعتقد أن الحديث مع طهران يقلل الفجوات والأزمات مع دول الخليج، ويعلي من شأن نقاط الاتفاق، لكن لا توجد إستراتيجية واضحة تحكم العلاقة مع العالم العربي، ولا توجد مبادرات ذات شأن في هذا الأمر، ما قلل من حجم الدور المصري والرهان عليه، وهذه أحد الأسباب التي لها انعكاس سلبي يتعلق بالأزمة الاقتصادية.

عودة القمع
• من يتحمل المسؤولية عن غياب السياسات في مختلف الملفات، سواء داخلًا أو خارجيًا، الرئيس أم رئيس الوزراء؟
ينبغي عدم شخصنة الأزمات في مصر. المجتمع يحتاج توافقًا على السياسات الأساسية في الإقليم والاقتصاد والسياسة. الرئيس السيسي كان يعرف بالدقة قبل ترشحه أنه مقبل على أزمات لا نهاية لها. وأذكر أن الدكتور حازم الببلاوي عندما كان رئيسًا للوزراء، وكان السيسي وزيرًا للدفاع بعد 30 يونيو، قال له: "إذا ترشحت يا سيادة الفريق فسوف تكتسح الانتخابات، ولكن مشاكلك سوف تبدأ من اليوم التالي، وشعبيتك سوف تتعرّض للتآكل".&

وكان الببلاوي صادقًا تمامًا، وكان هذا معروفًا، ولم يكن مفاجأة لأحد، ولا حتى للرئيس السيسي نفسه، لكن المشكلة أن مصر تفتقد المسار السياسي الذي تمضي فيها السياسات والأفكار وحركة المجتمع، بتأميم الإعلام نسبيًا، ومصادرة المجال العام وإطلاق يد الأمن أكثر مما هو طبيعي في شتى المجالات، ومنها: الاقتصاد والجامعات والأحزاب والبرلمان، فعادت الدولة البوليسية من جديد، ما أضر بصورة مصر في الخارج، وأثر بالسلب على الكثير من الملفات بشكل غير مباشر، حتى في السياحة، فجزء من المشاكل وعدم التعاطف مع مصر في أزمتها الاقتصادية هو عودة الدولة البوليسية.


&